القطاع العام النسيجي على مفترق قرار.. المعالجات الإسعافية والسريعة لا تنجز حلاً والتحديات تتطلب طرق تفكير جديدة

القطاع العام النسيجي على مفترق قرار..

المعالجات الإسعافية والسريعة لا تنجز حلاً والتحديات تتطلب طرق تفكير جديدة

جريدة كفاح العمال الاشتراكي/محمود ديبو

بات واضحاً اليوم أن أي خطوة باتجاه إعادة الإقلاع بالقطاعات الإنتاجية والخدمية والاقتصادية الحكومية (العامة) التي تضررت بفعل الحرب العدوانية على البلاد، تحتاج إلى الانطلاق من رؤى جديدة بالنظر إلى خصوصية الواقع الحالي الذي آلت إليه من دمار وتخريب وسرقة محتويات وآلات ومعدات، وبالتالي هذه الرؤى تحتاج إلى تشريعات وأسس قانونية مختلفة عما هو نافذ اليوم، وذلك للوصول إلى الأهداف المرجوة في الإقلاع بالقطاعات المختلفة ووضعها على المسار الصحيح في العودة إلى العمل والإنتاج وتقديم الخدمات بالشكل المطلوب.

فالحلول السريعة والإسعافية لم تعد مجدية إن لم نقل أنها مخسرة وبلا جدوى، لكونها لا تؤدي إلى معالجة كاملة وهي في أحسن الأحوال لا تعدو كونها (ترقيع) لواقع يحتاج إلى معالجات جذرية بالكامل.

حلول جزئية

من هذه الزاوية يقول عمر الحلو رئيس الاتحاد المهني لنقابات عمال الصناعات النسيجية إن القطاع الصناعي العام وبما يواجهه اليوم من تحديات كبيرة لم يعد ينفع معه المعالجات الجزئية والتي منها مثلاً تخصيص ميزانيات لإصلاح خلل هنا أو إعادة تأهيل مبنى أو آلة هناك، فالأمر يحتاج إلى وضع رؤية متكاملة وتحديد الأولويات، والانطلاق ضمن الإمكانات المادية المتاحة بالمعالجة.

تعطل 60% من الشركات

فمن جهة نجد أن القطاع العام النسيجي المتمثل بـ 25 شركة غزل ونسيج والمتواجدة في مختلف المحافظات، هو اليوم يعاني من حالة عجز كبير بعد خروج 14 شركة غزل ونسيج من الخدمة بسبب الاعتداءات الإرهابية وتداعيات الحرب العدوانية على البلاد، وما تبقى من شركات ليست كلها بحالة سليمة ومعافاة تماماً فبعضها متضرر بشكل جزئي وهنا الأضرار مختلفة منها ما يتعلق بالبنى التحتية والأبنية ومنها ما هو مرتبط بالآلات والمعدات وغيرها.

مشكلات جوهرية

وعلى وجه العموم يقول الحلو إن مختلف شركات القطاع العام النسيجي كانت وإلى ما قبل الحرب العدوانية على سورية تعمل بشكل طبيعي لكن كانت هناك مشكلات جوهرية تتمثل بقدم الآلات المتواجدة وعدم القيام بعمليات التجديد للكثير منها، الأمر الذي كان يشكل عامل ضغط على مصاريف تلك الشركات لقاء أعمال الصيانة والإصلاحات المتكررة لها، وبالتالي كانت تضيف أعباء جديدة على تكاليف الإنتاج وتتسبب بتخفيف هوامش الربح.. كذلك كانت هناك مشكلة بالعمال ودوران اليد العاملة، إلى جانب البطء في عمليات التسويق والتي اتضحت في حينها بزيادة حجم المخازين وعدم القدرة على تصريف الإنتاج في بعض الشركات وكان هذا من العوامل التي ساهمت أيضاً في تراجع أرباح هذا القطاع وعدم قدرته على تأمين الموارد اللازمة لتطوير نفسه والانطلاق نحو آفاق جديدة مواكبة ومنافسة لما هو موجودة في القطاع الخاص.

روتين مزمن

كذلك والأمر الآخر والمفصلي في سلسلة الصعوبات والعقبات التي كان ولا يزال يواجهها القطاع العام الصناعي عموماً ومنه قطاع الصناعات النسيجية هو الروتين والتقييد وعدم توفر المرونة اللازمة لاتخاذ القرارات الآنية والسريعة التي تتطلبها الصناعة، فكما هو معلوم أن هناك قوانين وتشريعات ناظمة لعمليات البيع والشراء والتعيين والإدارة و… بحيث لم يكن بالإمكان مثلاً هناك قدرة على شراء بعض الاحتياجات الاستراتيجية لشركة ما دون تشكيل لجان ومناقصات ولجان استلام وغير ذلك الأمر الذي كان ولا يزال يتطلب وقتا طويلا لإنجاز تلك الإجراءات..

وهذا ينسحب على مختلف جوانب العمل، خاصة إذا ما تذكرنا التدخل المباشر وغير المباشر لعدد من الجهات الرقابية والإدارية وغيرها التي تؤثر على قرار إدارات الشركات وتحد من جرأة القرار الإداري.

هذا إلى جانب عدد من التفاصيل الأخرى التي تراكمت على مدى سنوات وأورثت القطاع العام الصناعي مشاكل وصعوبات مختلفة قانونية وإدارية ومالية تحولت مع الزمن إلى عقبات كبيرة تحتاج إلى معالجات جذرية كاملة وليس فقط معالجات جزئية عبر قرارات أو تعاميم من وقت لآخر كما يحدث الآن.

توفير المرونة اللازمة

انطلاقاً من كل هذا، يقول الحلو، وبعد الحال الذي وصل إليه قطاع الصناعات النسيجية الحكومي من شركات غزل ونسيج، لم يعد من الممكن الاستمرار بالعمل على نفس الوتيرة في اعتماد آليات العمل والمتابعة والإصلاح والتطوير في ضوء القوانين والتعليمات الحالية النافذة، حيث لا بد من الاستفادة من التجربة السابقة والتي تؤكد أن القطاع الصناعي بوصفه قطاعاً اقتصادياً يجب تحريره من الكثير من القيود ليتمتع بالمرونة الكاملة وتخليصه من المشاكل الكثيرة العالقة، وهذا يبدأ أولاً من وضع تشريعات وقوانين مرنة تمكن الإدارات من التحرك بحرية أكبر، وتخفيف عدد الجهات الرقابية التي تتدخل وأحياناً تؤثر على العمل، وتؤدي إلى انحرافات في العمل الإداري.

على مراحل

ولعل أولى الخطوات التي يجب أن تتخذ على طريق إنجاز عملية النهوض بهذا القطاع الصناعي الحكومي العام، هي البدء بإصلاح كل قطاع على حدة بمعنى النسيجي والهندسي والكيميائي والغذائي، وذلك انطلاقاً من كون الميزانيات التي تخصص في كل عام للقطاع العام الصناعي ككل لا تكفي لكل القطاعات المذكورة، وبالتالي إذا كان هناك توجه جدي وحقيقي للنهوض بالصناعة في القطاع العام فقد يكون من الأفضل أن يتم تخصيص القطاع النسيجي مثلاً بكامل الميزانية التي تخصص للصناعة ككل أو على الأقل بـ 90% منها بحيث يتم إنجاز إصلاح وإنعاش كامل هذا القطاع وإعادة شركاته إلى العمل مع اشتراط المحاسبة ووضع ضوابط ومحددات في حال حدوث أي خلل أو تقصير.

طبعاً هذه الخطوة الجريئة تتطلب تأمين كامل الظروف المناسبة لنجاحها، والمقصود هنا الاقتراب كثيراً من الآلية المعتمدة في القطاع الخاص لجهة المرونة والقدرة على التحرك بكل سهولة في عمليات الشراء وتأمين الآلات ومستلزمات الإنتاج من مواد أولية وكذلك تشغيل العمال و..، وذلك من خلال قوانين وتشريعات جديدة، وخاصة لجهة التمكن من الشراء المباشر للآلات والتجهيزات ومستلزمات إعادة إنعاش هذا القطاع ووضعه على السكة الصحيحة.

فإذا عدنا إلى آلية المناقصات ولجان الشراء وفض العروض و… الخ، فسنكون بذلك قد عدنا إلى الدوران في نفس الحلقة المفرغة التي ساهمت في المرحلة السابقة بالكثير من الأخطاء والتأخير والوقوع في فخ السماسرة و…

فرق عمل وطنية

طبعاً كل هذا يجب أن ينجز على أيدي خبرات وطنية موثوقة وتتمتع بالمصداقية والاحترام، وتمتلك القدرة على إبداع الحلول والمعالجات لهذا الواقع الجديد، وبعد إنجاز إصلاح الصناعات النسيجية وإعادة الشركات للوقوف على أرجلها والبدء بعملية الإنتاج من جديد، نكون أمام عتبة جديدة وهي اشتراط تحقيق أرباح لتلك الشركات بحيث تتمكن من تأمين مصاريفها ومستلزماتها لدفع رواتب عمالها وتأمين موادها الأولية.

وفي ميزانية العام الذي يليه يتم الاتجاه لإصلاح الصناعات الهندسية مثلاً أو الغذائية أو الكيميائية بحيث يخصص هذا القطاع بكامل ميزانية القطاع الصناعي ويتم العمل بنفس الطريقة على مدى عام كامل، وهكذا في كل عام حتى يتم الانتهاء من كل القطاعات الصناعية الأربعة وبذلك نكون بعد أربع أو خمس سنوات أمام مرحلة جديدة تم خلالها إنجاز إصلاح كل الصناعات الهندسية والنسيجية والكيميائية والغذائية وأصبحت بوضع جيد جداً بعد إعادة تأهيل المنشآت واستقدام آلات جديدة والتخفيف من الروتين والتعقيدات الإدارية وكذلك التخفيف من الأطر الرقابية والحد من تدخل العديد من الجهات في عمل الشركات والمؤسسات الصناعية.

الحل الأنسب

ويؤكد الحلو أن هذا الحل هو الأنسب اليوم في ضوء محدودية الموارد المالية التي تخصص للقطاع العام الصناعي في الموازنة العامة للدولة، وبالتالي لا بد من التفكير بالوصول إلى معالجات نهائية جذرية وهذا لا يكون إلا بتأمين كتلة مالية كبيرة لكل قطاع على حدة بحيث يتم إصلاحه وترميمه وتجديد آلاته وكل مستلزماته، وهذا غير متاح حالياً إلا بهذه الفكرة بحيث يتم معالجة مشاكل كل صناعة على حدة من خلال الميزانية السنوية المحدودة بالأساس، وإلا سنبقى أمام ركام هائل من المشاكل والصعوبات التي سترحل من عام إلى آخر دون أن نتمكن من التقدم ولو خطوة واحدة في أي من القطاعات الصناعية الأربعة.

قرار جريء

وهذا الحل يحتاج إلى إرادة عليا تتبناها وتتخذ قراراً به بحيث يتم العمل على مستوى استراتيجي وليس حلولا آنية، لنكون بعد خمس سنوات أمام قطاع صناعي عام شبه خال من الصعوبات والعقبات والمشاكل ويتمتع بالمرونة التي تمكنه من مواجهة أي مشكلة أو صعوبة مرحلية. جريدة كفاح العمال الاشتراكي/محمود ديبو

خروج 14 شركة عامة للغزل والنسيج من الخدمة بسبب الاعتداءات الإرهابية

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

19 − خمسة =

آخر الأخبار