مدخل إلى علم الاقتصاد ( الاقتصاد السياسي وتاريخ الأفكار الاقتصادية)

مدخل إلى علم الاقتصاد

( الاقتصاد السياسي وتاريخ الأفكار الاقتصادية)

المقدمة:

لتوضيح النشاط الاقتصادي في المجتمع يمكن العودة إلى الرحلة اليومية التي يقطعها الفرد منذ الاستيقاظ في الصباح إلى أن يصل إلى مكان عمله. فلا بد للفرد من إعداد نفسه للخروج وهو يحتاج لذلك إلى العديد من السلع والمواد التي يستخدمها في طعامه أو في الاغتسال وارتداء الملابس. ولتناول الطعام يستعمل أدوات لتجهيزه ويستعمل أدوات أخرى لتناوله. ومصدر هذه المواد إما زراعي وإما صناعي تم تحويله. وفي الطريق إلى مكان عمله يستخدم إحدى وسائط النقل. وعندما يصل إلى مكان عمله يجده قائماً ومجهزاً بما هو لازم لممارسة نشاطه اليومي. خلال هذه الرحلة القصيرة نسبياً نجد أن الفرد قد استعمل أو استهلك الكثير من السلع والأدوات لتأمين حاجته.

ابتداء من هذه الرحلة الصباحية اليومية يمكن أن تتتبع رحلات أفراد آخرين ومجموعات أخرى من الأفراد، قاموا بالعمل وبذلوا الجهد في إنتاج السلع والخدمات التي يحتاج إليها الإنسان في رحلته اليومية. والهدف من النشاط الاقتصادي هو إنتاج الخيرات لتلبية حاجة الإنسان من المأكل والملبس والمأوى، لأن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من الغذاء والرداء والمسكن. ويوضح لنا هذا الأمر العلامة ابن خلدون في مقدمته الشهيرة كما يأتي: ” لو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثلاً فلا يحصل عليه إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري، وهب أنه يأكله حباً من غير علاج فهو أيضاً يحتاج في تحصيله حباً إلى أعمال أخرى أكثر من هذه الزراعة والحصاد والدراس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل ويحتاج كل واحد من هذه إلى آلات متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير”.([1]) لذلك نلحظ أن قدرة الفرد الواحد على تأمين حاجاته من الغذاء والملبس والمأوى غير كافية، فلا بد من اجتماع الأفراد وتعاونهم فيحصلون بالتعاون على قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف، لذلك تبدو هنا ضرورة التعاون بين البشر لتحقيق مصالح الأفراد والمجتمع وتقديم الخدمات بأيسر السبل وأفضل الشروط. ([2])

ولا يتم النشاط الاقتصادي في المجتمع بمعزل عن النشاطات الاجتماعية الأخرى، بل هو مرتبط بجوانب الحياة الأخرى. فالفلاح الذي يمارس نشاطاً اقتصادياً (ينتج القمح)، هو الفرد ذاته الذي يمارس نشاطاً اجتماعياً داخل أسرته، أو من خلال علاقته بجيرانه والأسر الأخرى في المجتمع، وهو الفرد نفسه الذي ينتمي إلى حزب سياسي ويمارس نشاطاً سياسياً في المجتمع، وقد يكون هو الفرد نفسه الذي يمارس نشاطاً فنياً عندما ينتسب إلى إحدى الفرق كهاوٍ للتمثيل مثلاً. لذلك يكون الفرد في انتمائه إلى فئة أو طبقة اجتماعية، هو نفسه الذي يمارس عملياً النشاط الاقتصادي والنشاط الاجتماعي والنشاط السياسي في هذه الفئة أو الطبقة.

تنقسم الظواهر التي يواجهها الإنسان في حياته إلى مجموعتين: [3]

الأولى – ظواهر طبيعية: لا تأثير للإنسان في هذه الظواهر الطبيعية؛ لأنه لا يشارك بصنعها لا من قريب و لا من بعيد، كل ما يمكن أن يفعله الإنسان هو دراسة الظواهر الطبيعية، تحليلها، ومحاولة فهمها، وتحسين تعامله معها وتجنب آثارها السلبية، وإنْ كان هناك بعض التأثير السلبي في الظواهر الطبيعية، لكن الإنسان لا يستطيع إعادة صياغة الظاهرة الطبيعية أو تكوينها.

فالماء ظاهرة طبيعية لا يكون  إلا باتحاد ذرتين من الهيدروجين مع ذرة من الأكسجين (H2O) لا يمكن للإنسان أن يعيد صياغة الماء أو تكوينه لكنه يستطيع تحويله من حالته السائلة إلى حالة غازية أو صلبة لكن التكوين يبقى ثابتا.

الثانية – ظواهر اجتماعية: تتمثل الظاهرة الاجتماعية بمجموع السلوك الاجتماعي للفرد والمجتمع النابع من منظومة المثل والقيم التي يعيش ضمنها الفرد والمجتمع. لهذا بحثُ الظاهرة الاجتماعية مرهون بفهم أسس هذا السلوك الاجتماعي المكون لهذه الظاهرة. لذلك يختلف السلوك الاجتماعي و منه السلوك الاقتصادي من منظومة اجتماعية إلى أخرى تبعاً لاختلاف المخزون الثقافي والحضاري لكل منهما.

الاقتصاد علم ينتمي إلى مجموعة العلوم الاجتماعية. وهو علم يحلل ويناقش جانباً من  النشاط الإنساني في أي مجتمع من المجتمعات وهو الجانب الاقتصادي؛ أي علميات إنتاج الخيرات والموارد وتبادلها وتوزيعها واستهلاكها في المجتمع، كما يناقش عدداً كبيراً من المتغيرات الاقتصادية كالاستهلاك والاستثمار والنقود والأسعار، وموضوع النظرية الاقتصادية، والأنظمة الاقتصادية المقارنة والأعمال المختلفة للمنظمة الاقتصادية. ويعالج أيضا مسألة النمو الاقتصادي ومختلف الظواهر الاقتصادية ولا سيَّما المصارف، وقوانين العمل ومسائل العمال، والأسواق والتجارة بنوعيها الداخلية والخارجية. [4]

ويمكن التمييز بين فرعين رئيسين لعلم الاقتصاد:

الأول–  الاقتصاد الجزئي Microeconomics الذي يناقش ويحلل سلوك المؤسسات الفردية المستهلك (الأفراد، الشركات، التجار، المزارعون).

والثاني – الاقتصاد الكلي Macroeconomics الذي يركز على الاقتصاد الجمعي (التجمعات) مثل مستوى الدخل القومي، حجم العمالة الكلية، تدفق الاستثمارات من فرع إلى آخر، التطور الاقتصادي، تاريخ تطور نشاط المنظمة الاقتصادية لمدة طويلة من الزمن، وعلاقتها بالنشاطات والمؤسسات الأخرى.

وهذا يعني أن علم الاقتصاد يحاول أن يجيب على طيف واسع من الأسئلة ترتبط بالنشاط الإنساني الاقتصادي الذي يشمل الإنتاج التبادل، التوزيع الاستهلاك، المالية العامة، عرض النقود، حجم الإيداع، التجارة الداخلية والدولية، المنشآت الزراعية والصناعية والخدمية. ويهتم علم الاقتصاد بالعلاقات بين البائعين والمشترين والسوق. يضاف إلى كل ذلك أن لعلم الاقتصاد علاقات واسعة مع مختلف العلوم وخاصة العلوم الاجتماعية كعلم السياسة والقانون وعلم السكان (الديمغرافيا)، والجغرافيا والتاريخ وغيرها.

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

الدكتور غسان إبراهيم

[1]– تاريخ ابن خلدون “مقدمة ابن خلدون” المجلد الأول –دار البيان- ص43.

[2] – انظر، د. مصطفى العبد الله، علم الاقتصاد والمذاهب الاقتصادية، منشورات جامعة دمشق، 1993. مقرر لطلاب السنة الأولى في كلية الشريعة – جامعة دمشق. أنظر أيضاً، مقالة للمؤلف بعنوان: حاجات الإنسان وطرق إشباعها، مجلة أخبار البترول والصناعة، العدد 192، أبو ظبي، يوليو –حزيران 1986.

[3]  – أحمد الحاج فراس العوران، الاقتصاد اEconomics: سيات ومبادئ ومفاهيم، الجامعة الأردنية، منشورات عمادة البحث العلمي – عمان 1999 ص 16.

[4] ـ انظر، Britannica encyclopedia  1994 – 1999.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

3 × 2 =

آخر الأخبار