الاقتصاد السياسي والعولمة

 الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

الاقتصاد السياسي والعولمة

 الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

بحث مشاركة في الندوة السنوية لجمعية البحوث والدراسات بعنوان:

((الأمة العربية والغزو الثقافي))

اتحاد الكتاب العرب – دمشق 6 تشرين الثاني 2001

 

استخدمت مفردات كثيرة للتعبير عن (العولمة). على أن الكلمة الأكثر شيوعاً واستخداماً في هذا المجال هي Globalization وقد أخذت من كلمة Globe ومعناها: الكرة الأرضية، الأمر الذي جعل البعض يترجمها بـ (الكونية).

1 – تعريف العولمة:

يعرّف الدكتور إسماعيل صبري عبد الله العولمة والتي يفضل أن يستخدم مكانها مصطلح الكوكبة على أنها: (التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون حاجة إلى إجراءات حكومية). [1] ولا أعلم لماذا ابتعد الدكتور إسماعيل صبري عبد الله عن المفهوم الدقيق للعولمة؟ والذي يعني هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي وانتشاره بعمق لا بل هيمنة النمط الأمريكي سيما وهو يقر بأن الرأسمالية كنمط إنتاج تتغير ملامحها وأساليبها في الاستغلال عبر الزمن. كما انه يربط بين نشأة العولمة وانتشار الشركات متعددة الجنسية.

على المستوى الاقتصادي، تفترض العولمة أن العمليات والمبادلات الاقتصادية تجري على نطاق عالمي، بعيداً عن سيطرة الدولة القومية. بل: إن الاقتصاد القومي أو الوطني يتحدد بهذه العمليات. وهذا الوضع مغاير تماماً، لما كان عليه الحال في الإطار السابق، حين كانت الاقتصادات القومية هي الفاعلة، أما الاقتصاد العالمي فهو ثمرة تفاعلاتها. [2]

وإذا كان الفكر الليبرالي الجديد Neoliberal هو الناظم الجوهري ” للعولمة ” فإن الليبرالية الجديدة تتجه الآن ضد الدولة القومية نفسها، كأداة ضبط وتنظيم، أي أداة تدخل ولجم على الصعيد القومي وعلى الصعيد العالمي، والفكرة المطروحة حالياً إن الرأسمالية تنشط الآن على المستوى الكوني، مديرة حركة رأس المال، والخدمات والسلع وبالطبع العمل. [3] وهكذا فإن الاقتصاد المعولم يقع خارج نطاق تحكم الدولة القومية، مما يزيد في إمكانات الصراع والتنافس، ويريد من دور الشركات متعددة الجنسية ويحولها إلى شركات فوق قومية Trans – Nation ورأسمال طليق بلا قاعدة وطنية محددة وبإدارة عالمية. ويبدو أن ” العولمة ” لم تفقد الدولة القومية الكثير من وظائفها كناظم وضابط اقتصادي فحسب، بل إن انتهاء الحرب الباردة، من جانب ثان، ساهم مع العولمة في تقليص وظائف الدولة العسكرية ـ الأمنية … إلى حد غير قليل. [4]

إذا صدرت الدعوة إلى العولمة من بلد أو جماعة فإنها تعني إعمام نمط من الأنماط التي تخص ذلك البلد أو تلك الجماعة وجعله يشمل الجميع: العالم كله، وإنه طالما صدرت هذه الدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الأمر يتعلق بالدعوة إلى تعميم النموذج الأمريكي، وفرضه وفسح المجال له ليشمل العالم كله. مما يعني أن العولمة الثقافية التي راحت تصل إلى أي مكان، كل مكان تقريباً، على وجه كرتنا الأرضية، عبر وسائل الإعلام التي تتحكم الولايات المتحدة بمعضمها (خمسة وستين بالمائة من مجموع المادة الإعلامية في العالم)، ستقود بالنتيجة المتوخاة إلى قطع الصلة شيئاً فشيئاً بين الإنسان ومجتمعه ووطنه، والقفز فوق الوطن عبر صيغة العولمة هذه، وهذا ما يجب أن يرفضه العرب، ويجب أن يفعلوا. لقد رفضه المثقفون الأوروبيون قبلهم انطلاقاً من فكرة تقول بتعارض العولمة مع التعددية الحضارية ومع صلة الإنسان بوطنه وضرورة توحد المجتمع الأوروبي ضد العولمة بصيغتها الأمريكية. [5]

2 – العولمة أم الأمركة؟

يقول الأمريكي توم فريدمان: ” نحن أمام معارك سياسية وحضارية فظيعة، العولمة هي الأمركة، والولايات المتحدة قوة مجنونة، نحن قوة ثورية خطيرة، وأولئك الذين يخشوننا على حق. إن صندوق النقد الدولي قطة أليفه بالمقارنة مع العولمة. في الماضي كان الكبير يأكل الصغير، أما الآن فالسريع يأكل البطيء”. [6]

ولكن العولمة بالمفهوم المعاصر (الأمركة) ليست مجرد سيطرة وهيمنة والتحكم بالسياسة والاقتصاد فحسب، ولكنها أبعد من ذلك بكثير، فهي تمتد لتطال ثقافات الشعوب والهوية القومية والوطنية، وترمي إلى تعميم أنموذج من السلوك وأنماط أو منظومات من القيم وطرائق العيش والتدبير، وهي بالتالي تحمل ثقافة (غربية أمريكية) تغزو بها ثقافات مجتمعات أخرى، ولا يخلو ذلك من توجه استعماري جديد يتركز على احتلال العقل والتفكير وجعله يعمل وفق أهداف الغازي ومصالحه. وأكد ذلك الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حين قال بعد انتهاء حرب الخليج الثانية: ” إن القرن القادم سيشهد انتشار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي”. [7]

[1]  – إسماعيل صبري عبد الله، الكوكبة الرأسمالية العالمية في مرحلة ما بعد الإمبريالية، مجلة الطريق العدد 4 تموز/ آب 1997 ص 47.

[2]  – فالح عبد الجبار، مجلة (النهج) العدد 46، ص 152.

[3]  – المصدر السابق، ص 151.

[4]  – المصدر السابق، ص 154.

[5]  – عبد المطلب محمود، العولمة وثقافة الطفل العربي، دراسة مقدمة إلى المؤتمر العام العشرين للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، دمشق 18 – 21 كانون الثاني 1997، ص 661 – 663.

[6]  – جريدة الشرق الأوسط، العدد الصادر بتاريخ 2/3/1997.

[7]  – الأسبوع الأدبي، العدد رقم 602 الصادر بتاريخ 14/3/1998 ص 19.

 

 

البحث كامل بصيغة بي دي اف: 

الاقتصاد السياسي والعولمة اتحاد الكتاب العرب 2001

 

 

الاقتصاد السياسي والعولمة

Contents

1 – تعريف العولمة: 3

2 – العولمة أم الأمركة؟ 4

3 – العولمة والعالم الثالث: 5

4 – العولمة وفقاً لتحليل الاقتصاد السياسي: 6

5 – العولمة والحدود القومية: 7

6 – دور الولايات المتحدة الأمريكية في دعم الرأسمالية كنظام اقتصادي اجتماعي: 8

7 – خصائص النظام الاقتصادي العالمي المعاصر: 8

8 – ملامح العولمة في الاقتصاد: 9

9 – آليات الدمج وظهور المنشآت الاقتصادية الكبرى: 10

10 – بناء النظام العالمي (العولمة): 11

11 – مواجهة مشروع العولمة: 12

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اثنان − واحد =

آخر الأخبار