مقدمة التعريف بكتاب الملل والنحل للشهرستاني

عبد العزيز الوكيل الملل والنحل - الجزء الأول

مقدمة التعريف بكتاب الملل والنحل للشهرستاني

Nwf.com: الملل والنحل: محمد بن عبد الك: كتب

المجلد الأول مقدمات

مقدمة التعريف بكتاب الملل والنحل …

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة تعريف بكتاب “الملل والنحل”: موضوع هذا الكتاب دراسة الأديان والمذاهب والفرق. ويعتبر هذا الكتاب فريدا في بابه، بل هو عمدة في هذا الموضوع، فهو دائرة معارف مختصرة للأديان والمذاهب والفرق؛ بل للآراء والفلسفة.  وقد نال هذا الكتاب من الشهرة قدرا عظيما، وذلك من علماء الشرق والغرب على السواء. فيقول عالم جليل مثل ابن السبكي عنه: “هو عندي خير كتاب صنف في هذا الباب”. ويقول العالم الإنجليزي الأستاذ “ألفرد جيوم” عن هذا الكتاب: “إنه ظل المخلص الوافي، الذي تبوب فيه الملل على اختلافها وخصائص ومميزات كل منها مما يجعله بحيث لا يمكن الاستغناء عنه في أي زمان”. وأما “هابركر” الألماني فيقول: “بوساطة الشهرستاني في كتابه الملل والنحل نستطيع أن نسد الثغرة التي في تاريخ الفلسفة بين القديم والحديث”.  تعريف بالمؤلف:  اسمه محمد بن عبد الكريم بن أحمد. وكنيته أبو الفتح، وشهرته المعروف بها الشهرستاني؛ نسبة إلى بلدة “شهرستان” مسقط رأسه، ومثوى رفاته.  أما مولده، فقد اختلف في تاريخه، فمن قائل يقول إنه ولد سنة 467ه وقائل يذهب إلى أنه ولد سنة 469ه.  ولعل أصدق الأقوال أنه ولد سنة 479ه وتوفي في شعبان سنة 548ه الموافق 1153م، وبذلك يكون قد عاش 70 سنة.  والشهرستاني من حيث المذهب شافعي، ومن حيث الأصول أشعري. وقد تلقى الفقه على شيخه “أحمد الخوافي” قاضي طوس، وزميل الإمام الغزالي. وقرأ الأصول على “أبي القاسم الأنصاري” الذي كان متكلما وشيخا متصوفا ومفسرا وأصوليا. وسمع الحديث على “أبي الحسن المدائني” الإمام التقي.  وكان الشهرستاني مولعا بطلب العلم، بدأ نبوغه في تحصيل العلوم وشغفه بالدروس منذ صغره، وكان لا يدخر في طلب العلم وسعا، فكان يطوف بالبلاد الإسلامية في عصره يتعلم ويعلم، وظل ذلك حاله، حتى بلغ من العمر ثلاثين عاما قصد مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وبعد ذلك سافر إلى بغداد حيث استقر بها ثلاث سنوات كانت حافلة بما ألقاه من دروس نافعة بالمدرسة “النظامية” أعلى المدارس ببغداد، حيث يلتف حوله كبار العلماء للاستفادة منه.  وبلغ من جلال مجالسه العلمية أنها كانت تسجل وتدون، وذلك لعمقها. ومن صفوة الشيوخ الذين كانوا يحضرون هذه المجالس: أبو الحسن بن حمويه، والبيهقي، والإمام أبو منصور، وموفق الدين أحمد الليثي، وشهاب الدين الواعظ، وغيرهم من أئمة الفقه والعلم.  وخلاصة القول أن الشهرستاني وصل إلى قمة السلم العلمي وأربى عليها، فقد لقب بالإمام، بل بالإمام الأفضل. يقول ابن السبكي:  “وكان لعلمه يلقب أيضا بالأفضل: برع في الفقه والأصول والكلام” ويقول عنه ابن تغرى بردي: “كان إمام عصره في علم الكلام، عالما بفنون كثيرة من العلوم، وبه تخرج جماعة من العلماء”. ويقول عنه ياقوت إنه “المتكلم الفيلسوف صاحب التصانيف”.

ولم يقتصر الأمر على علماء الشرق، فقد عرف علماء الغرب أيضا منزلته وقدروا قدره. فيقول العالم الإنجليزي “ألفرد جيوم”: “الشهرستاني كان رجلا دينا إلى الأعماق، وإخلاصه للعقيدة لا يمكن أن يشك فيه أي إنسان قرأ مؤلفاته، التي تكفي بنفسها لدحض ادعاءآت المنتقصين من شأنه … وهو جدير بأن ينظر إليه باعتباره ذا أصالة فكرية”.  ويقول “كارادي” الفرنسي: “إن عقلية الشهرستاني لم تكن في جوهرها إلا عقلية فلسفية”.  وذهب الشيخ مصطفى عبد الرازق إلى أن الشهرستاني من أهل الفلسفة الإسلامية اللذين يستشهد بآرائهم، مثله مثل ابن سينا.

للشهرستاني عديد من المؤلفات فله:

  • الإرشاد إلى عقائد العباد: ذكره الشهرستاني نفسه في كتابه “نهاية الأقدام”.
  • الأقطار في الأصول: نسبه إلى الخوارزمي.
  • تاريخ الحكماء: وقد نسبه إليه “كيورتن” في مقدمته لطبعته لكتاب “الملل والنحل”.
  • تلخيص الأقسام لمذاهب الأنام: نسبه إليه ابن خلكان وأبو الفداء، وحاجي خليفة.
  • دقائق الأوهام: نسبه إليه الخوارزمي.
  • شرح سورة يوسف بعبارة فلسفية لطيفة: نسبه إليه الخوارزمي.
  • العيون والأنهار: نسبه إليه البيهقي.
  • غاية المرام في علم الكلام: نسبه إليه الخوارزمي.
  • قصة موسى والخضر: نسبه إليه البيهقي.
  • المبدأ والمعاد: نسبه إليه الخوارزمي.
  • مجالس مكتوبة: رآها البيهقي -وكانت المجالس لا تكتب إلا للأئمة نادرا.
  • مصارعة الفلاسفة، أو المصارعة والمضارعة: نسبه إليه صدر الدين الشيرازي.
  • مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار في تفسير القرآن: نسبه إليه البيهقي.
  • المناهج والآيات: نسبه إليه البيهقي وابن خلكان وأبو الفداء.
  • شبهان أرسطا طاليس وابن سينا ونقضها: ذكره الشهرستاني نفسه.
  • نهايات الأوهام: أشار إليه الشهرستاني في آخر كتابه نهاية الأقدام.

غير أنه مما يدعو إلى الأسف أن هذه الكتب لم تصل إلى أيدينا. ولم يطبع للشهرستاني إلا كتابان فقط هما:

1- نهاية الأقدام في علم الكلام.

2- والكتاب الذي بين أيدينا “الملل والنحل”، وقد ألفه الشهرستاني بعد أن اكتملت مكانته العلمية، ومكنته سنه من التجربة والتعمق في الأمور وحسن الاستنتاج؛ حيث ألفه بعد سن الأربعين.

ويمتاز هذا الكتاب بالاستقصاء في البحث، والدقة في الموضوعات التي يتناولها.

والشهرستاني معتدل في الأحكام التي يصدرها هذا السفر، فلا يصدرها عن ميل أو هوى، فهو يقول في المقدمة الثانية منه: “وشرطي على نفسي أن أورد مذهب كل فرقة على وحدته في كتبهم؛ من غير تعصب لهم، ولا كسر عليهم”.  ومنهج الشهرستاني في هذا الكتاب يمتاز بالإحاطة التامة لموضوع البحث من جميع أطرافه.  ولعلنا بعد ما قدمناه من أدلة على منزلة الشهرستاني العلمية نقول -ما قاله أستاذنا الكبير الدكتور محمد بن فتح الله بدران: “لعله قد آن لنا أن نقرر في يقين واطمئنان أن الشهرستاني أقام بمفرده مدرسة “فلسفية” للملل والنحل أو تاريخ الأديان”.

ونسأل الله العلي القدير أن ينفع به كل طالب للمعرفة وباحث عن طريق الحق والهدى.

عبد العزيز الوكيل

الملل والنحل – الجزء الأول

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

خمسة عشر − خمسة =

آخر الأخبار