
سوريا النظام السياسي والإداري المناسب – مرحلة التغيير
الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
سوريا النظام السياسي والإداري المناسب – مرحلة التغيير
يُعد اختيار النظام السياسي المناسب في سوريا – مرحلة ما بعد التغيير، إما رئاسياً أو برلمانياً أو مختلطاً (رئاسياً – برلمانياً)، يُعد أمراً مهماً لتجنّب مساوئ عدم الاستقرار السياسي، كما أنّ عدم الاختيار المناسب بين الأنظمة الثلاثة قد يؤدي إلى أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية تعصف بالسلم الأهلي، في حال استمرار التجاذبات السياسية والاجتماعية التي شهدتها سورية في ظل النظام البائد. سوف استعرض الخصائص الرئيسة لكل نظام من الأنظمة السياسية الثلاثة، بهدف تحديد النظام الأنسب لسوريا المستقبل:
أولاً – النظام الرئاسي:
تتركز السلطات التنفيذية في النظام الرئاسي بيد رئيس الجمهورية، ويعطي مجالاً رحباً للأحزاب الكبرى للاستحواذ على القرار، في عملية دستورية غالباً ما تجنح في دول التحول الديمقراطي إلى ما يشبه الفصل الجامد بين السلطات، بل والعودة من جديد إلى الدكتاتورية في معظم الأحيان. سورية أحوج ما تكون إلى نظام سياسي يضمن التعددية، يتأسس على مشاركة واسعة من القوى السياسية، ويضمن الاستقرار.
ثانياً – النظام البرلماني:
يقوم النظام البرلماني على ثنائية السلطة التنفيذية، بحيث تكون مسؤولية الوزارة أمام البرلمان، ويكون رئيس الوزراء من الكتلة البرلمانية الأكبر، في حين تكون مسؤولية رئيس الجمهورية بروتوكولية. ويتم في النظام البرلماني فصل مرن للسلطتين التنفيذية والتشريعية، الأولى تقترح القوانين للتصديق عليها من قبل البرلمان، وبما لا يخالف الدستور، ويحق للسلطة الثانية استجواب الوزراء، وحجب الثقة عن الوزارة. وقد يكون النظام البرلماني مناسباً لسورية، لما ينطوي عليه من إمكانية حسم تجاذبات العملية السياسية في المرحلة الانتقالية.
ينطوي النظام البرلماني على مزايا عديدة، إذ يحدُّ من الصلاحيات المطلقة لرئيس الجمهورية، ويفتح المجال لعمل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
ثالثاً – النظام المختلط:
يجمع النظام المختلط بين النظامين الرئاسي والبرلماني، حيث يكون فيه رئيس الدولة ورئيس الوزراء مشاركين في الإدارة اليومية لشؤون الدولة. ويختلف هذا النظام عن الجمهورية البرلمانية في أنّ رأس الدولة، الذي يُنتخب من قبل الشعب، ليس منصباً شرفياً، ويختلف عن النظام الرئاسي في كون مجلس الوزراء، رغم أنه معين من قبل رئيس الدولة، يخضع لرقابة البرلمان.
وبالرغم من بعض عيوب النظام المختلط، خاصة ” مشكلة التعايش المزدوج “، يبدو أنّ كلا النظامين السابقين، الرئاسي والبرلماني، غير صالحين لسورية في المرحلة الانتقالية، بل يجب أن يكون رئيس الجمهورية شريكاً لمجلس الوزراء في السلطة التنفيذية في الصلاحيات والمسؤوليات، من أجل تجنّب ظاهرة “عدم الاستقرار السياسي”.
التنظيم الإداري للنظام السياسي الجديد:
من المؤكد أنّ السوريين، وبعد أن جرّبوا نظام الحكم المركزي، واكتشفوا إهمال المناطق البعيدة عن المركز، وبخاصة في مجال البنى التحتية: كالطرق والمراكز الصحية والتعليمية والمنشآت الاقتصادية، ثمة شبه إجماع على خيار نظام اللامركزية الإدارية الموسّعة.
بسبب تعدد الهويات الثقافية لمكوّناتها الاجتماعية في سوريا، يبدو أنّ التنظيم الإداري الذي يمكن أن يلبي هذا التعدد ويوظّفه باعتباره غنى للجمهورية السورية الثالثة. يتمثل هذا النظام باللامركزية الإدارية الموسّعة، التي تقوم على أساس جغرافي وليس قومياً أو طائفياً، لتتمكن كل شرائح الشعب السوري من إعادة بناء هيكلتها الإدارية المحلية، بصلاحيات واسعة في المحافظات والمناطق والنواحي والبلدات. وعندما تضمن هذه الشرائح تمثيلها في مناطقها، فإنها ستقوم بانتخاب ممثليها وفقاً للمصلحة العامة والكفاءة والفاعلية والمردودية.
الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
كلية الاقتصاد – جامعة دمشق