قد يكون الليل مبهجاً للبعض ممن يحيونه سهراً ورقصاً… لكنه في مكان ما هو الموعد اليومي للكثير من المواطنين للحصول على مخصصاتهم من مادة الخبز!
زياد غصن
قد يكون الليل مبهجاً للبعض ممن يحيونه سهراً ورقصاً… لكنه في مكان ما هو الموعد اليومي للكثير من المواطنين للحصول على مخصصاتهم من مادة الخبز!
زاويتي الأولى في موقع السلطة الرابعة….
تحت جنح الظلام!
زياد غصن
حتى الخبز بات يوزع على المواطنين تحت جنح الظلام…!
إذ يضطر آلاف السوريين اليوم إلى الانتظار حتى ساعات الفجر الأولى للحصول على مخصصاتهم من مراكز البيع الخاصة… والأكثر إيلاماً أن هناك من يعود بعد كل هذا الانتظار إلى أطفاله وأسرته إما بخبز سيئ… أو أنه لا يعود بالخبز أساساً!
الأمر نفسه، وإن كان بشكل أقل حدة، يسري على مادة البنزين، حيث يضطر كثيرون للانتظار في طوابير أمام محطات الوقود حتى ساعات الليل المتأخرة لتعبئة سياراتهم بوقود، هو حالياً المسبب الرئيس لأعطال السيارات في البلاد!
وهذا ليس بغريب على طريقة عمل الحكومة، فكل القرارات المصيرية المرتبطة بمعيشة المواطن لا تزال تتخذ تحت جنح الظلام… الظلام الكوني الذي يجسده الليل، والظلام الإداري والمؤسساتي الذي تجسده السرية والتفرد.
في الحالة الأولى، تحضر قرارات رفع أسعار السلع المدعومة كالمازوت والبنزين والخبز، والتي غالباً لا تتخذ إلا في ساعات الليل..
وفي الحالة الثانية، يمكن تصنيف معظم القرارات الحكومية الأخرى، التي تتخذ في سرية تكاد تكون مطلقة أو ضمن دائرة ضيقة من المسؤولين وأصحاب القرار، ومن دون أدنى مشاركة للمواطن والمعنيين بهذا الملف أو ذاك.
والنتيجة أن المواطن في كلا الحالتين يدفع ثمن السلبيات العميقة لتلك القرارات، بشكل مباشر، كتحمله تكلفة زيادة أسعار السلع المدعومة، في وقت يستمر تدهور القيمة الشرائية لدخله، أو بشكل غير مباشر، كمعاناته جراء قصور بعض القرارات الحكومية، وضعف بعضها الآخر، وتسرع بعضها الثالث.
قد تكون هناك حاجة لساعات الليل لتخفيف حالة الازدحام على بعض المواد، لكن ليس هناك أي مبرر يدفع الحكومة بمؤسساتها المختلفة للعمل تحت “جنح الظلام”، لاسيما في إعدادها للمشروعات والتشريعات، في قراراتها وإجراءاتها، في اجتماعاتها ونقاشاتها…إلخ.
في حين أن المطلوب هو العمل تحت الضوء… الضوء الذي يتيح للحكومة رؤية كل جوانب العمل، مقاربة جميع الخيارات، الاستفادة من مختلف وجهات النظر، وتالياً اتخاذ الموقف والقرار السليم… والأهم أن ذلك يعيد ترميم الثقة بين المواطن والحكومة ومؤسساتها.
مثلاً…
ما الذي يضر الحكومة لو أنها سمحت للمجتمع المحلي بمشاركتها باختيار المشروعات الإنتاجية والخدمية المراد تنفيذها هذا العام؟
ما الذي يخيف الحكومة من فكرة طرح بعض مشروعات القوانين والسياسات ذات الأثر الشعبي على الرأي العام قبل إقرارها، من قبيل مثلاً مشروع تعديل قانون العاملين، دراسة مستقبل الدعم الحكومي…إلخ؟
ما الذي يعيق الحكومة عن مشاركة بعض المواطنين من أصحاب الخبرة والاختصاص في الاجتماعات الخاصة ومناقشة المشروعات الكبرى؟
ولماذا لم تقتنع الحكومة بإجراء قياس دوري لتوجهات الرأي العام حول الملفات الداخلية عبر استبيانات الرأي؟
قد يكون الليل مبهجاً للبعض ممن يحيونه سهراً ورقصاً… وقد يكون مصدراً لغنى البعض الآخر ممن يعملون في أنشطة غير شرعية…
لكنه غدا في هذه المرحلة متعباً، مقلقاً، ومخيفاً لشريحة شعبية واسعة تخشى أن يحمل لها كابوساً مرعباً… كأن تستيقظ على موجة غلاء جديدة، أو أزمة معيشية أخرى، تضطرها إلى الانتظام في طابور إضافي…!