اقتصاديات الدول العربية ( والعمل الاقتصادي العربي المشترك )
جامعة دمشق
كلية الاقتصاد
اقتصاديات الدول العربية
( والعمل الاقتصادي العربي المشترك )
تأليف:
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
الأستاذ في قسم الاقتصاد- كلية الاقتصاد
المقدمة
النشاط الاقتصادي نهر يعبر العالم منذ بدء الخليقة … فهو يمر خلال المدن والقرى، يغذي نشاطها بمنتجاته وطاقته الأبدية، وهو يتدفق في أرض كل شعب، ومجال كل فرد، يفيض من الساعات اليومية التي لا تغيض، ولكنه في بعض الأحيان يصير ( ثروة ) في مجال محدد، وفي حين آخر يتحول عدماً في مجال آخر. فهو يمر خلال الحياة، ويصب في الأرض والتاريخ المنتجات والقيم التي منحها للبشرية من خلال ما أنجز من أعمال. ويحتل النشاط الاقتصادي مركزاً أساسياً في بناء الحضارة الإنسانية، ومواجهة التخلف لقهره وتجاوزه. فهو يدعو إلى تعريف الثقافة الاقتصادية على ضوء حالتنا الراهنة، وحسب مصيرنا. ويحدد لنا العناصر الجوهرية اللازمة لبناء الحضارة.
تمثل الأفكار الاقتصادية البدايات لحل مشاكل الناس الحياتية. ويتضمن النشاط الاقتصادي أربعة عناصر رئيسة لاستمرار الحياة البشرية هي: الإنسان، والطبيعة، ورأس المال والوقت. وهذا يعني أن بناء الحضارة الإنسانية مشروط بهذه العناصر الأربعة. وحاصل البحث أن قضية رفاه الفرد وتطور المجتمع منوطة بفكرة التوجيه في النواحي التالية:
أولاً – توجيه الثقافة الاقتصادية،
ثانياً – توجيه العمل،
ثالثاً – توجيه رأس المال،
رابعاً – توجيه التنمية المستدامة.
و تعني فكرة التوجيه والإدارة: قوة الأساس وتوافقاً في السير ووحدة في الهدف، وتجنب الإسراف في الجهد والوقت والموارد.
( .. العالم لا تحركه السياسة، ولا الحروب والنزاعات، ولا مشاريع الهيمنة والاستحواذ، ولا مفاعيل القوة، .. وإنما تحركه قوة الاقتصاد، وتنقله من مكان ظليل إلى آخر ظليل أو غير ظليل.. عجلة الاقتصاد.. لا بل الكتاب يقول صراحةً إن كل شيء متحرك في هذا العالم لا يتم إلاَّ حسب الاستراتيجيات الاقتصادية. فالاقتصاد اليوم، ومستقبلاً، هو الأبوة المسيطرة على كل قرارات العالم، وهو الجاذبية المطلقة التي تؤاخي بين البلدان فتكون صداقات، وهو الجاذبية المطلقة التي تنفّر البلدان بعضها من بعض فتكون العداوات. فلا شيء، كما يقول الكتاب، خارج حياض الاقتصاد، فالاقتصاد لا يعني التجارة، والأسواق، والاتفاقيات، والأرباح المادية كما يظن الكثيرون، وإنما يعني العولمة بوصفها الحامل للثقافات الوافدة، والعادات، والتقاليد، والسلوكيات، والتصورات. أي هو بيئة اجتماعية جديدة تحيّد بيئة اجتماعية قارّة فتحلُّ في مكانها وتأخذ أدوارها فتغير منظومة القيم والمرجعيات المعرفية وفق مصالحها وتوجهاتها وأهدافها البادية والمضمرة. إذن، الاقتصاد، وحسب ما يقوله الكتاب، هو المرآة التي تمشي وفقها الجماعات، والمجتمعات، والدول، وهو الهدف المباشر والأبعد لكل ما يحدث فوق هذا الكوكب ). [1]
تضمن كتاب اقتصاديات الدول العربية المقرر لطلاب السنة الثالثة من قسم الاقتصاد في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، الملامح الفيزيقية للاقتصاد العربي والمؤسسات الإقليمية القائمة بتنفيذ العمل العربي المشترك خاصة جامعة الدول العربية ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية، وفي هذا الشأن تضمن موضوع العمل الاقتصادي العربي المشترك من حيث أهميته ومعوقاته وإستراتيجيته، وتناول موضوعات في غاية الأهمية مثل التجارة العربية البينية، ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وتحديات التنمية الاقتصادية في الدول العربية ومناخ الاستثمار ومحفزاته في الوطن العربي ومؤسسات العون الإنمائي في الوطن العربي، وقد اشتمل هذا الكتاب على عرض أهم التحديات الاقتصادية الراهنة في الدول العربية.
( إننا نرى في حياتنا اليومية جانباً كبيراً من اللافاعلية في أعمالنا، إذ يذهب جزء كبير منها في العبث والمحاولات الهازلة وإذا ما أردنا حصراً لهذه القضية فإننا نرى سببها الأصيل في افتقادنا الضابط الذي يربط بين عمل وهدفه، بين سياسة ووسائلها، بين ثقافة ومثلها، بين فكرة وتحقيقها: فسياساتنا تجهل وسائلها، وثقافتنا لا تعرف مثلها العليا، وإن ذلك كله ليتكرر في كل عمل نعمله وفى كل خطوة نخطوها ). [2]
يمثل افتقاد مجتمعاتنا للمنطق العملي، وللفاعلية مشكلة كبرى لم تعالج حتى الآن علاجاً جدياً. لذلك فإن أزمة الدولة والمجتمع لدينا تنبع من كونها تفتقد إلى الفاعلية، وإلى الدستور الخلقي، والذوق الجمالي، والمنطق العملي، والمنهجية العلمية في التعاطي مع قضايا التنمية وبخاصة تنمية الإنسان.
أسأل الله التوفيق.
دمشق 2009.
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
[1] – حسن حميد، مقدمة كتاب: عولمة الاقتصاد والتحول إلى اقتصاد السوق في الدول العربية، تأليف الدكتور مصطفى العبد الله الكفري، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق 2008.
[2] – مالك بن نبي، شروط النهضة، ترجمة عبد الصبور شاهين، دار الفكر، طرابلس لبنان 1979، ص 96.