تختلف الأقوام بعض الاختلاف في تاريخ حياتهم العقلية
( قد تختلف الأقوام بعض الاختلاف في تاريخ حياتهم العقلية تبعًا لعوامل كثيرة أهمها العوامل الاقتصادية: من قوم يعيشون على الصيد، وآخرين على زرع الأرض وهكذا، فيختلف — بناءً على ذلك — كيفية تدرجهم في الرقي، ولكن — على الرغم من ذلك — فالقوانين العامة لمراحل الرقي العقلي واحدة وإن اختلفت الجزئيات، فمن الحق أن الأمم تعيش في بيئات طبيعية مختلفة، وأن هذه البيئات قد تعجل بتقدُّم القوم في سبيل الرقي العقلي وقد تؤخر سيرهم، ولكن اتجاه الطريق واحد على كل حال — هذه البيئات المختلفة قد تلوَّن الحياة العقلية ببعض ألوان فرعية خاصة، ولكن الألوان الأصلية واحدة، ومَثَل الأطوار العقلية في الأمم مثل حياة الأفراد، فالإنسان ينشأ طفلًا يافعًا فشابًا فكهلًا فشيخًا، ويمرُّ الأفراد بهذه المراحل وإن اختلفوا — فيما بينهم — في بعض التفاصيل من ألوان وعادات وطبائع وأخلاق.
وقد اتجه بعض الباحثين المحدَثين في نشوء العقل البشري إلى ربط المظاهر العقلية وتطوُّرها بالحياة الاقتصادية، ورأوا أن تطوُّر العقل تابع للتطوُّر الاقتصادي، وأن ما يطرأ على الأمة من تغير في العادات والأخلاق والحياة العلمية والفنية والفلسفية ليس إلا نتيجة طبيعية لما طرأ عليها من تغير اقتصادي؛ مثال ذلك أن نظام رأس المال الاقتصادي نشأ عنه تقدم المخترعات من سكك حديدية وأمثالها، فكان لذلك كله أثر في الثقافة لا يقدر — وبناءً على ذلك قسُّموا العصور التي مَّر بها الإنسان إلى أقسام اقتصادية وأبانوا خصائص كل عمر من الناحية العقلية، وليس يعنينا هنا بسط هذا الرأي ومناقشته وبيان أن الحالة الاقتصادية ليست إلا عاملًا من العوامل في الثقافة وليست كل شيء ).
أحمد أمين : ضحى الإسلام الجزء الثاني