منحنى العرض والطلب .. كيف يفسر تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي حالياً؟

2021/10/30 أرقام - خاص

توابل الطعام في أيامنا المعاصرة تُعتبر تكلفتها معقولة ورخيصة بالنسبة لمتوسط دخل الفرد حول العالم سواء دولة ناشئة أو متقدمة، لكن ومع ذلك قبل آلاف السنين كانت هذه التوابل الرخيصة مثل الكمون والفلفل، سلعاً باهظة الثمن ولا يستطيع شراءها سوى الملوك أو الطبقة الغنية في المجتمعات القديمة، كان ذلك بسبب ندرة المعروض منها مقابل ارتفاع الطلب عليها، أي أن خللاً ما في منحنى العرض والطلب تسبب في قفزة غير طبيعية بأسعار سلعة ما، لكن كيف نشأت هذه المنحنيات؟.

الأسواق كانت الأساس، وبالرغبة في عمل صفقة تجارية، من هنا نشأت معادلة ومنحنيات العرض والطلب ونشأت معها العلاقة بين البائع والمشتري، قبل آلاف السنين كانت تُسمى هذه العملية بالمقايضة فأنت تعطيني سلعة أحتاجها وأتنازل لك عن سلعة لا أحتاجها، أو تعطيني سلعة أحتاجها مقابل أن أعمل لديك لفترة معينة نتفق عليها، أي أنك تقوم باستئجار خدماتي وقوتي العضلية وجزء من وقتي لصالحك.

ثم ظهرت الأموال، وكانت جذور فكرة العملات  خلق مرونة وحرية في اتخاذ القرار الذي أريده دون أن أكون مُجبراً على قبول عملية التبادل السلعية هذه، ليس ضرورياً أن أكون في حاجة إلى السلعة التي يعرضها عليٌ الطرف الآخر، لذلك يعُطيني أموالاً وأقوم أنا بشراء ما أريده بقيمة نتفق عليها، وهنا نشأ السوق المنظم لأول مرة بعد تطور الأموال والعملات.

لكن من يحدد هذه القيمة/السعر/الثمن؟ عبر ترتيبات معينة تحدث بالسوق يتم تحديدها، وكيف تحدث هذه الترتيبات وكيف يعمل هذا السوق؟ بصراع وتوازن قوى العرض والطلب، نظراً لأن العرض والطلب هما قوتا التوازن الطبيعية والتان تتواجدان حولنا في كل شيء في الطبيعة.

البائع يريد أن يغطي تكلفة منتجاته ويبيعها بأعلى ربح ممكن، لكنه ليس وحده في هذا السوق وهناك مُنتجون غيره سوف يبيعونها بسعر أقل وتنافسي، كما أنه ليس بالضرورة أن يوافق المشترون/المستهلكون على السعر الذي يُعرض عليهم، الصراع المكتوم أو غير المرئي بين قوى الإنتاج وقوى الاستهلاك نتج عنه نظريات العرض والطلب، ومنها وُلدت الأسعار.

إذاً السوق المتكافئ هو السوق الذي يتسم بوجود عدد كبير من المنتجين وعدد كبير من المستهلكين، لا يوجد مشترٍ واحد أو بائع واحد يستطيع التأثير بالأسعار بمفرده، والآن لنقوم بتفكيك العرض والطلب لفهم تركيبة كل جانب على حدة.

قانون الطلب: هو العلاقة بين سعر وكمية سلعة ما ومنحنى الطلب يعبر عن نفس الفكرة، عن الكمية المطلوبة من هذه السلعة على سعر توازني خلقته ترتيبات السوق، مع ثبات كل العوامل الأخرى، وكلما انخفض السعر ارتفعت الكمية المطلوبة من هذه السلعة والعكس صحيح.

قانون العرض: هو العلاقة بين سعر وكمية سلعة ما ومنحنى العرض يعبّر عن نفس الفكرة، عن الكمية المعروضة من هذه السلعة على سعر توازني خلقته ترتيبات السوق، مع ثبات كل العوامل الأخرى، وكلما ارتفع السعر ارتفعت الكمية المعروضة من هذه السلعة والعكس صحيح.

قد تبدو الأمور بسيطة للغاية من هذه القوانين والمنحنيات، لكنها تخفي داخلها لهيب معارك ضارية وتعقيدات وتشابكات عنيقة لا تظهر من القشرة الخارجية للمنحنى البسيط.

لمحات من المعارك التي تحت القشرة السطحية للمنحنيات السابقة

العوامل الأخرى التي تؤثر على الطلب بخلاف الكمية والسعر

– سعر المنتجات المرتبطة بالمنتج النهائي.

– جودة القيمة المضافة التي يقدمها المنتج.

– الدعاية والإعلانات والتسويق.

– توقعات الأسعار المستقبلية.

– مستوى دخل المستهلكين.

– توقعات مستوى دخل المستهلكين المستقبلي.

– الزيادة والكثافة السكانية.

– تغيرات تفضيلات المستهلكين.

العوامل الأخرى التي تؤثر على العرض بخلاف الكمية والسعر

– أسعار عوامل الإنتاج.

– أسعار المنتجات المرتبطة بالمنتج النهائي.

– توقعات الأسعار المستقبلية.

– عدد التجار/المنتجين.

– التقنية/التكنولوجيا المتوفرة.

– المناخ أو حالة الطبيعة (أمطار – حرارة – حشرات – كوارث طبيعية).

وفي حال توازنت كل هذه العوامل والعناصر المتشابكة، نصل إلى السوق المتوازن وساعتها يكون هذا السوق كفؤاً وناجحاً ومثالياً، لكن هذا لا يحدث دائماً بطبيعة الحال.

العرض والطلب: أزمات اليوم

ليس أدل على حالات عدم اتزان السوق وفوضى العرض والطلب أفضل وأوضح من الظروف الحالية للأسواق الدولية التي تفتقد للتوازن والتشغيل الأفضل لقوى العرض والطلب، من أسواق الطاقة، للشحن، للتدخلات الحكومية، لسياسات الضرائب، وحتى التغير المناخي، كلها عوامل تحالفت مع بعضها في توقيت متزامن وشكلت سوقاً عشوائياً يفتقد للنظام والديناميكية الصحية.

أزمات اليوم: جانب الطلب

تغير تفضيلات المستهلكين: بسبب الجائحة، تحولت تفضيلات المستهلكين إجبارياً نوعاً ما، تجاه التسوق الإلكتروني بدلاً من التسوق على أرض الواقع من المحال والمنافذ، مما أدى إلى زيادة وتضاعف الإقبال على شركات التجارة الإلكترونية مثل “أمازون” وغيرها، وهذا أدى إلى ازدهار شركات وإفلاس أخرى، هذا التغير في التفضيلات لم تستطع مواكبته الكثير من أنشطة الأعمال التى لم تكن تتمتع بمرونة كافية لاستيعاب هذا التحول المفاجئ.

توقعات الأسعار المستقبلية

مثال على عشوائية منحنى الطلب بسبب التوقعات بارتفاع الأسعار في المستقبل: البيتكوين، هذه العملة شهدت زخماً وإقبالاً كبيراً وتضخماً في قيمتها السوقية وسعرها بعدد مرات تضاعف أكبر من ألف مرة خلال 7 سنوات لعدة أسباب يأتي على رأسها التوقعات المستقبلية بارتفاع السعر وبالتالي جني أرباح هائلة نتيجة هذه المضاربات.

أزمات اليوم: جانب العرض

سعر المنتجات المرتبطة بالمنتج النهائي: مثال على عشوائية منحنى العرض بسبب ارتفاع أسعار منتج تكميلي للمنتج النهائي: الشحن البحري، شهد هذا القطاع قفزات غير مسبوقة في أسعار نقل البضائع والحاويات، والتى هي بدورها تُعد من المنتجات التكميلية الضرورية في تسعير أي سلعة.

المناخ أو حالة الطبيعة: في الشهور الأخيرة تضررت الكثير من المحاصيل في دول زراعية رئيسية في سوق الحبوب والخضراوات والفاكهة مثل الولايات المتحدة التي تعرضت بعض زراعاتها لإعصار “ايدا” وروسيا التي أصاب الجليد مناطق كثيرة منها مخصصة لزراعة القمح والحبوب، وكذلك البرازيل المتفوقة في زراعة السكر والتي تدهورت إنتاجيتها نتيجة الجفاف الأشد من المعتاد، وكل هذه الظروف كانت ناتجة عن التغيرات المناخية القاسية التي تحدث بسبب الانبعاثات الحرارية والتلوث، مما يؤثر على المعروض من سلع زراعية كثيرة وحدوث خلل في السوق الزراعي حول العالم.

https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1505836

المصادر: أرقام –livescience – Geo History – – CrashCourse  – Financial TimesInvestopedia – منظمة الأغذية العالمية.

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار