لماذا نزداد فقراً؟ كتاب جديد يرصد اختلالات الاقتصاد العالمي

كتاب "لماذا نصبح أكثر فقراً" لكاهال موران

لماذا نزداد فقراً؟ كتاب جديد يرصد اختلالات الاقتصاد العالمي

2025/11/30أرقام

في عالمٍ يزداد اضطراباً وتتسع فيه الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون، يطلّ سؤالٌ ملحّ يتردد في العواصم ومراكز الأبحاث وغرف المعيشة على حدّ سواء: هل يمكن تنظيم الاقتصاد العالمي بطريقة أكثر عدالة؟

هذا السؤال يقف في قلب كتاب “لماذا نصبح أكثر فقراً” لكاهال موران، الذي يخوض مواجهة فكرية مع البنية الاقتصادية الراهنة، كاشفاً اختلالاتها المتجذّرة من وهم الجدارة، إلى سياسات التضخم المضللة، إلى هشاشة سلاسل الإمداد التي تهدد استقرار الدول والمجتمعات.

وفي زمن تتوالى فيه الأزمات- من الحروب إلى التضخم، ومن تآكل الطبقات الوسطى إلى انهيار منظومات العمل- يقدّم موران قراءة جريئة تفكّك أسطورة النمو وتعيد فتح النقاش حول الخيارات التي دفعت الملايين إلى هوامش الاقتصاد.

يقدّم كتاب “لماذا نصبح أكثر فقراً: دليل واقعي للاقتصاد وكيف نصلحه” ، الذي يندرج ضمن تيار الاقتصاد غير التقليدي، قراءة نقدية لمنظومة الاقتصاد العالمي، مشخّصاً جذور التفاوت المتصاعد واقتراحات لإعادة بناء نموذج اقتصادي أكثر عدالة واستدامة.

عالم مضطرب واقتصاد مختلّ

يأتي الكتاب في سياق عالمي يشهد تصاعداً في الحمائية، الحرب الروسية–الأوكرانية، المجازر الإسرائيلية المستمرة في غزة، تصاعد العنصرية، وتنامي العداء للمهاجرين.

يرى موران أن هذه الاضطرابات ليست أحداثاً منعزلة، بل انعكاساً مباشراً لاقتصاد عالمي أنتج فجوات شاسعة في الدخل، وتفاوتاً بنيوياً، وتضخماً مُنهِكاً، وبيئة عمل غير مستقرة.

وينطلق المؤلف من مناهج اقتصادية بديلة، متماشياً مع أعمال جوزيف ستيغليتز وها-جون تشانغ وأليكس توماس، ليقدّم نقداً جذرياً لبنية الاقتصاد العالمي التي تميل لصالح رأس المال على حساب العمل.

بنية اقتصادية غير عادلة

يرى موران أن النظام الاقتصادي الحالي صُمّم بحيث يستحوذ أصحاب رؤوس الأموال على معظم الثروة التي ينتجها العمال.

ويشير إلى أن النخب الاقتصادية راكمت نفوذاً سياسياً مكّنها من تعديل القوانين بما يخدم مصالحها، ما أدى إلى إضعاف قوة العمال التفاوضية وتفاقم عدم المساواة.

ويستشهد المؤلف بالأرقام: فقد ارتفع عدد المليارديرات عالمياً من 273 شخصاً بثروة 582 مليار دولار عام 1991 إلى 3,028 ملياردير بثروة 16.1 تريليون دولار عام 2025، بينهم ألف ملياردير جديد خلال عقد واحد.

ويشيد موران بالنموذج الألماني الذي يمنح العمال دوراً في إدارة الشركات وتحديد الأجور، معتبراً أن هذا النموذج يحدّ من تغوّل رأس المال.

سقوط وهم الجدارة

يدحض المؤلف الفكرة الشائعة بأن الجهد الفردي وحده يحدد النجاح الاقتصادي. فالحراك الاجتماعي تحدده منظومة معقّدة تشمل الفقر، والتحيزات الاجتماعية، والتعليم غير المتكافئ، والعلاقات.

ويضرب مثلاً بالمملكة المتحدة، حيث يكسب العامل من خلفية ميسورة 25% أكثر من نظيره القادم من طبقة مهمشة.

ويرى موران أن تحسين شبكة الحماية الاجتماعية هو شرط أساسي لتحقيق المساواة في فرص النجاح والوصول إلى الطبقات الأعلى.

 الضرورة المؤجلة

يُشكّك موران في أرقام البنك الدولي حول انخفاض الفقر من 30% عام 1990 إلى 8.5% عام 2024، معتبراً أنها مضخّمة.

ويقترح الدخل الأساسي الشامل كحل يضمن حداً أدنى من الدخل لجميع الأسر، لكنه يقرّ بأن هذا الخيار غير مناسب لكل الدول، خصوصاً إذا كان سيُموَّل على حساب الصحة أو التعليم أو الأمن الغذائي.

ويرى أن الحل الأكثر استدامة هو ضمان حق العمل اللائق دستورياً لكل مواطن، بدل الاعتماد الكلي على التحويلات النقدية.

حدود الحوكمة الاقتصادية

في ظل عالم متعدد الأقطاب، تراجعت قوة المؤسسات الدولية، وأصبحت قراراتها غالباً غير قابلة للتنفيذ.

ورغم ذلك، يدعو موران إلى إصلاحات واسعة تشمل تعزيز ديمقراطية المؤسسات مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية لتعمل بأنها أجهزة حوكمة عالمية حقيقية.

لكن المراجعة ترى أن هذه الفكرة مثيرة للجدل، إذ يمكن أن تسمح للدول الغنية بالتدخل أكثر في سياسات الدول النامية، بما قد يزيد اختلال موازين القوة بدل موازنتها.

تشخيص الاختلالات

 يتناول الكتاب عدة ملفات أصبحت أساسية في النقاش الاقتصادي العالمي:
1- أزمة الإسكان العالمية

 

 يعتبر موران أن ارتفاع أسعار السكن والأراضي والرهون والديون جعل السكن حقاً بعيد المنال. ويقترح:

– فرض ضريبة على الأراضي لكبح الاحتكار.

– بناء إسكان اجتماعي حكومي.

– وضع سقوف للأسعار والإيجارات.

– اعتماد نماذج تقدم السكن مجاناً كما في فنلندا.

2-التضخم والسياسات النقدية

 

 ينتقد موران الاعتماد على رفع الفائدة لكبح التضخم، معتبراً أنها: تقلل التوظيف، وتؤذي الفئات الأكثر هشاشة، وتفشل في معالجة الأسباب الحقيقية للتضخم.

ويقترح بدائل تشمل: دعم السلع الأساسية، وفرض سقوف على الأرباح والأسعار، وزيادة الاستثمار لرفع القدرة الإنتاجية.

3- هشاشة سلاسل الإمداد العالمية

 

 يوضح موران أن التركز الشديد للإنتاج العالمي جعل النظام التجاري هشاً، فالصين تنتج80%  من الألواح الشمسية، و50%  من لوحات الدوائر الإلكترونية،، بينما تصنع شركة تايوانية واحدة (TSMC) نصف أشباه الموصلات في العالم.

هذا التركز يجعل أي اضطراب – كما حدث خلال جائحة كورونا – قادراً على شلّ الاقتصاد العالمي. لذلك، يدعو إلى بناء مرونة في سلاسل الإمداد، وتشجيع التكرار والتوزيع الجغرافي للإنتاج.

نحو تصور جديد للاقتصاد

في الجزء الأخير، يحث موران على إعادة تصميم النظام الاقتصادي عبر الاعتراف بالعلاقة العضوية بين السياسة والمجتمع والاقتصاد.

ويدعو إلى دمقرطة الاقتصاد بجميع مستوياته. غير أن التركيز الكبير على الاقتصادات الغربية يترك فجوة في تقييمه لتأثير السياسات الغربية على الدول النامية.

ورغم ذلك، يُعدّ الكتاب مساهمة مهمة في توسيع أفق النقاش الاقتصادي، إذ يجمع ممارسات عالمية بديلة ويسعى لمعالجة قضايا محورية مثل: التفاوت، وأزمة السكن، والتضخم، وتداعيات سلاسل الإمداد المفرطة الاعتماد.

ويخلص إلى أن معالجة المشكلات الاقتصادية العالمية تتطلب إطاراً مختلفاً عن السائد، إطاراً يعيد توزيع القوة والثروة ويجعل الاقتصاد أكثر قدرة على خدمة الإنسان لا العكس.  المصدر: موقع “إل إس إي. يو كيه”

https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1861614

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار