العقوبات الاقتصادية على سورية استهدفت الشعب السوري قبل النظام
الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
العقوبات الاقتصادية على سورية استهدفت الشعب السوري قبل النظام
يتم عادة فرض العقوبات الاقتصادية كأداة لمعاقبة الدولة المستهدفة ومؤسساتها ومواطنيها، وقد تأخذ العقوبات بعداً سياسياً، وقد تكون العقوبات شاملة تستهدف كيان الدولة بجميع قطاعاتها، أو انتقائية تطال مصالح كيانات أو أفراد ينتمون للدولة المستهدفة. وقد تلجأ الدول إلى فرض العقوبات بشكل تدريجي، أو فرضها بشكل مباشر دون الولوج في ممارسة ضغوط تدريجية على الدول المستهدفة.
– ما هي العقوبات الاقتصادية:
العقوبات الاقتصادية إجراء تلجأ إليه الدول أو المنظمات إقليمية ودولية أو هيئاتها لوقف المعاملات التجارية مع دولة أخرى ورعاياها بقصد الضغط الاقتصادي عليها. وتشمل العقوبات الاقتصادية وقف العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية وكذلك الاستثمارية مع الدولة المستهدفة والأفراد والمؤسسات التابعة لها.
وقد تصل العقوبات الاقتصادية إلى مرحلة الحظر الاقتصادي الذي يعني: (فرض عقوبات على التعامل مع الشركات التابعة للدول المستهدفة بالعقوبات، ومنع الاستثمار في بعض قطاعاتها الحيوية كالنفط والصناعات الحيوية، وحظر تصدير بعض السلع إليها سيما الاستراتيجية منها، ويضاف لما سبق الحظر المالي والجوي والعسكري، وتعتبر العقوبات الدولية المفروضة على إيران على خلفية برنامجها النووي بين 2006-2015 من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي وكذلك الولايات المتحدة الامريكية مثالاً على الحظر الاقتصادي، حيث تم فرض عقوبات على الشركات ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني، ومنع ضخ الاستثمارات في القطاع النفطي، وحظر تصدير المعدات ذات الاستخدام المزدوج. أما الحظر الجوي والعسكري فمثاله ذلك الذي فرض على ليبيا بموجب قرار مجلس الأمن رقم 748 لعام 1992 على خلفية قضية لوكربي). [1]
يعد قيام دولة ما أو مجموعة دول باستخدام العقوبات والحصار الاقتصادي وأدوات التدخل السلبي في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية الداخلية لدولة مستقلة بدون وجه حق، سلوكاً جرمياً غير مشروع. وينضوي هذا تحت عنوان “الإرهاب الاقتصادي الدولي”، خاصة إذا ما كان يتعارض مع القوانين والأعراف الدولية والدبلوماسية، طالما أن هذه العقوبات الاقتصادية كانت قسرية ومؤذية، وتؤثر على شرائح عريضة من الناس بمن فيهم النساء والأطفال والشيوخ؛ والعقوبات الاقتصادية لا تقل إيلاما عما تسببه الحروب والإرهاب. [2]
– العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية:
العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية مستمرة منذ سبعينيات القرن الماضي نتيجة مواقف سورية محددة نذكر على سبيل المثال ما يسمى (قانون محاسبة سورية) الأمريكي. وفي عام 2004 عُززت العقوبات بعد رفض سورية الاحتلال الأمريكي للعراق ودعمها المستمر للمقاومة في لبنان، بعدها فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على تصدير النفط والمعاملات المصرفية ومنع التعامل مع مصرف سورية المركزي، وتجميد الأرصدة السورية وأوقف تمويل المبادلات التجارية الحكومية. الأمر الذي ترك آثاراً سلبية على الاقتصاد السوري، لاسيما على معدلات البطالة وأسعار الصرف وإنتاج وتصدير النفط وكان قطاع التجارة الخارجية الأكثر تأثراً بالعقوبات الاقتصادية على سورية. [3]
تاريخ العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على سورية:
تخضع سورية لعقوبات اقتصادية تراكمية منذ عام 1979، وكانت هذه العقوبات في مرحلة ما قبل عام 2011 تتصف بانتقائيتها ومحدودية نطاق الجهات المستهدفة، وطبيعتها كعقوبات محددة وفرضها من قبل دولة واحدة (الولايات المتحدة الأمريكية)، في حين اكتسبت العقوبات الاقتصادية بعداً دولياً منذ عام 2011 من حيث تعدد أنماطها واتساع نطاق الجهات المستهدفة بها والجهات المنخرطة في فرضها.
(وتعود العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على سوريا إلى العام 2011، عندما أصدر الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، في 29 نيسان/ أبريل 2011، أمراً تنفيذياً بفرض عقوبات جديدة على سوريا، وسّع فيه العقوبات المفروضة عليها بموجب القرارات المتخذة في أيار/ مايو 2004، في إطار ما سُمّي حينها “قانون محاسبة سوريا”، وكذلك القرار المتخذ في نيسان/ أبريل 2006، والقرار التنفيذي في شباط/ فبراير 2008.
العقوبات التي فُرضت في 2011 شملت شركة تسويق النفط السورية “سادكوب”، والشركة السورية للنفط، وتجميد كل الأصول السورية الموجودة في الولايات المتحدة أو التي تقع تحت طائلة الاختصاص القضائي الأمريكي، فحظرت الاستثمارات والخدمات الأمريكية في سوريا، واستيراد المنتجات النفطية السورية، بالإضافة إلى صادرات وواردات السلع والمعدات الطبية والأدوية والمواد الكيميائية والتجهيزات والمعدات الإلكترونية بما فيها الحواسب والبرمجيات، وتنمية الموارد النفطية وبيع المشتقات النفطية، والطائرات ومحركاتها وقطع غيارها). [4]
حجم خسائر الاقتصاد السوري نتيجة للعقوبات الاقتصادية:
خسائر كبيرة جداً ومدمرة مُني بها الاقتصاد السوري أهمها:
- قدر المركز السوري لبحوث السياسات خسائر الاقتصاد السوري بحوالي 254 مليار دولار.
- الإسكوا تحدثت عن خسارة 35 سنة من عمر التنمية في سورية.
- أكثر من 40% من أصول رأس المال نتيجة الدمار وتهريب المصانع السورية إلى تركيا،
- انكمش الاقتصاد السوري بحدود 30- 45%
- خسرت سورية حوالي مليون فرصة عمل.
- ارتفع معدل التضخم إلى مستوى ما بين 100 – 300%.
- تراجع صرف الليرة بنسبة 90%.
- هجرة الشباب والمستثمرين ورؤوس الأموال،
شملت العقوبات الاقتصادية على سورية نقل الحسابات المصرفية للمواطنين السوريين إلى لبنان ومصر والأردن وتركيا والإمارات. جميعها حقائق لا يمكن تجاهلها. [5]
(آليات العقوبات الأمريكية على سوريا تبدأ من حجز الأموال الخاصة بالأشخاص والمؤسسات المستهدفة، وصولاً إلى منع التبرعات لهذه الجهات، ومنع إيصال أي مواد وخدمات أمريكية أو أي مواد يوجد فيها أكثر من 10 في المئة من التكنولوجيا الأمريكية، ومنع أي استثمار أمريكي في سوريا، ومنع استيراد النفط السوري من قبل أمريكا وتوريد النفط الأمريكي إلى سوريا، ومنع أي شركة ترسو سفنها في الموانئ الأمريكية من نقل النفط السوري أو نقل النفط إلى سوريا). ومن بين المؤسسات السورية المعاقَبة، بحسب المدير التنفيذي لمؤسسة بيتنا، أسعد العشي، البنك المركزي السوري، مما سبب صعوبات بالغة للقطاع المصرفي السوري وعرقلة الحوالات البنكية من خارج سورية وإليها بسبب ارتباطها بنظام سويفت. [6]
ما جرى من عقوبات اقتصادية على سورية وشعب سورية ظالمة تستهدف التقدم والتطور الذي وصلت إليه سورية وخاصة خلال العقد الأول من الألفية الثالثة نتيجة الانفتاح الاقتصادي وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني، وزيادة معدلات النمو، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص لممارسة دوره الوطني وتوفير بيئة مناسبة للاستثمار. حيث دخلت سورية ميدان صناعات جديدة لاسيما صناعة السيارات وتحقيق قيم مضافة عالية، ومضاعفة ايرادات الخزينة العامة، وزيادة الودائع المصرفية وزيادة عدد المدن الصناعية وإعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية وترخيص شركات التطوير العقاري والتمويل وانخفاض عجز الموازنة إلى درجات كبيرة وتراجع حجم المديونية إلى الصفر، هذا يشكّل نقاط قوة كانت تحسب للاقتصاد السوري، مع وجود نقاط ضعف في الاقتصاد السوري تمثلت في انخفاض معدلات النمو لبعض القطاعات، وزيادة معدلات النمو السكاني وهي مؤشرات قد تعيق عملية التنمية الشاملة والمستدامة.
تشهد سورية منذ سنة 1979 عقوبات اقتصادية ظالمة تستهدف الحجر والشجر والبشر، أسفرت عن دمار إنساني واجتماعي واقتصادي كبير، وتعطل إنتاج السلع والخدمات وتوزيعها بشكل كبير، وتعوق النشاط الاقتصادي. مع استمرار الضرر المادي، وتراجع تأمين الغذاء والخدمات الصحية، وتنامي البطالة، والفقر، وتراجع تقديم الخدمات العامة ذات التأثير الكبير على مجمل السكان.
كان هدف الحصار الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية على سورية والشعب السوري المزيد من حالة التردي الاقتصادي والاجتماعي، ومعاقبة الدولة والشعب قبل النظام السياسي.
الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
كلية الاقتصاد – جامعة دمشق
[1] – http://www.nusuh.org/51-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A3%D8%AB%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%85%D9%88%D8%B0%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%AF%D9%88%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84%D9%87%D8%A7
[2] – مداخلة الدكتور مصطفى العبد الله الكفري، في الندوة الحوارية حول الحرب الاقتصادية على سورية ودور الإعلام، المصدر السابق.
[3] – مداخلة الدكتور قحطان السيوفي، في الندوة الحوارية حول الحرب الاقتصادية على سورية ودور الإعلام، أقامها المجلس الوطني للإعلام في فندق الشام، بداية أيار 2016، أنظر، صحيفة تشرين، 04/05/2016.
[4] – https://raseef22.net/article/1091873-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D9%85-%D8%AA%D8%B1%D9%81%D8%B9-%D8%B9%D9%86-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%83%D9%84-%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%AA%D9%87-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AE%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AB%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9
[5] – مداخلة الدكتور مصطفى العبد الله الكفري، في الندوة الحوارية حول الحرب الاقتصادية على سورية ودور الإعلام، أقامها المجلس الوطني للإعلام في فندق الشام، بداية أيار 2016، أنظر، صحيفة تشرين، 04/05/2016.
[6] – المدير التنفيذي لمؤسسة بيتنا، أسعد العشي، خلال حديثه لرصيف22. https://raseef22.net/article/1091873-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D9%85-%D8%AA%D8%B1%D9%81%D8%B9-%D8%B9%D9%86-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%83%D9%84-%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%AA%D9%87-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AE%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AB%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9