اليورو تساوى مع الدولار.. ما السبب؟ وكيف تتأثر دول الشرق الأوسط؟

 مصطفى هاشم – واشنطن، 12 يوليو 2022

اليورو تساوى مع الدولار.. ما السبب؟ وكيف تتأثر دول الشرق الأوسط؟

واحد مقابل واحد.. اليورو يتساوى مع الدولار لأول مرة منذ 20 عاماً ...الإمارات

 مصطفى هاشم – واشنطن، 12 يوليو 2022

 

تراجع سعر صرف العملة الأوروبية اليورو أمام الدولار الأميركي في تعاملات، الثلاثاء، إلى  مستوى دولار واحد، وذلك للمرة الأولى منذ ديسمبر 2002، قبل أن يرتفع ارتفاعا طفيفا، مما يثير التساؤلات بشأن أسباب ذلك، وتداعياته على الاقتصاد الأميركي، وكذلك دول الشرق الأوسط.

ويقول أستاذ السياسات العامة في جامعة “جورج ميسون”، موريس كغلر لموقع “الحرة” إن “هذا يعني أن هناك سحبا على الدولار، وأن المستثمرين يريدون أن تكون أصولهم مقومة بالدولار الأميركي، الذي أثبت قوته في مواجهة جائحة كورونا”.

ويؤكد كغلر أن ارتفاع قيمة الدولار الأميركي جاء مدفوعًا بارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بشكل كبير، بعد أن ظلت خلال جائحة كورونا قريبة من الصفر.

فيما تعزو أستاذة الاقتصاد في الجامعة الأميركية بالقاهرة، عالية المهدي، في حديثها مع موقع “الحرة” ارتفاع قيمة الدولار الأميركي بهذا القدر إلى ارتفاع سعر الفائدة الكبير الذي حصل في الولايات المتحدة ولا يزال.

واعتبر كبير محللي السوق في منصة التداول Markets.com، نيل ويلسون، أن “اقترب اليورو من التكافؤ مع الدولار للمرة الأولى منذ عام 2002، جاء بعد أن كانت العملة الأوروبية في حالة انخفاض لأشهر، ولكنها هوت  إلى مستوى منخفض جديد مع تصاعد المخاوف بقطع إمدادات الغاز الروسي عن أوروبا هذا الشتاء”، وفقا لما ذكرت صحيفة “الغارديان“.

وتتلقى العملة الأوروبية ضغوطا بسبب مخاوف من حدوث ركود اقتصادي في منطقة اليورو، وسط أزمة الطاقة المستمرة، والتوقعات برفع سعر الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي (ECB) في اجتماعه القادم في يوليو 2022.

وفي المقابل، تلقى الدولار دعما من توقعات بأن مجلس الاحتياطي الاتحادي سيرفع أسعار الفائدة بوتيرة أسرع وأقوى من أقرانه.

وأشار كغلر في حديثه مع موقع “الحرة” إلى أن قوة الدولار تعود إلى حالة نفسية لدى المستثمرين، الذين يرون أن الدولار له قوة أكبر من اليورو خاصة مع توقعات بان يكون هناك ركود أعمق في الاتحاد الأوروبي.

اليورو ينخفض أمام الدولار بشكل قياسي منذ 20 عاما

“الحقيقة شيء آخر”

ويتوقع كغلر في حديثه مع موقع “الحرة” أن يستمر المستثمرون “في الهروب إلى بر الأمان نحو قائمة الأصول المقومة بالدولار، وبالتالي استمرار قوة الدولار الأميركي”.

كما أن انخفاض قيمة اليورو مقابل الدولار “سيعطل السياحة الأوروبية بشكل واضح، وخاصة في الولايات المتحدة”، على ما حذر وليام دو فيجلدر، الخبير الاقتصادي في مصرف “بي إن بي باريبا”، بحسب ما نقلت عنه “فرانس برس”.

وبما أن السياح يحتاجون إلى المزيد من اليورو لتسديد نفس المبلغ بالدولار، سترتفع فاتورة إقامتهم في الولايات المتحدة وكذلك في البلدان التي ربطت عملتها بالدولار (قطر والأردن وغيرهما).

في المقابل، يستفيد السياح الأميركيون وكذلك القطريون والأردنيون من تبديل العملة، حين إقامتهم في منطقة اليورو، إذ يمكنهم أن يستهلكوا أكثر بنفس المبلغ من الدولارات.

لكن المهدي، ترى في حديثها مع موقع “الحرة” أنه بقدر ما يبدو ما حدث في الظاهر تطورا جيدا للدولار، فإنه مضر للولايات المتحدة وتجارتها الخارجية خصوصا، “لأن هذا يعني أن أسعار المنتجات الأميركية ستصبح الأغلى في العالم، وهذا ما سيزيد من حالة الركود الاقتصادي داخليا، ولن يحسن الوضع”.

وأوضحت أنه “كلما زادت قيمة الدولار، قلت القدرة على تصدير الولايات المتحدة لمنتجاتها، وبالتالي يزيد المخزون، وهذا يعني حالة من الركود الاقتصادي، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات البطالة”.

يتفق معها كغلر الذي يقول إنه “بالفعل، المشكلة أن ارتفاع قيمة الدولار يضر بالمصدرين ويزيد من الواردات، وهذا يعني نشاطا اقتصاديا أقل”.

ويرى اقتصاديون أن مخاطر الركود تتزايد بالفعل في الولايات المتحدة حيث يرفع الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض ويستنفد المستهلكون المدخرات التي جمعوها خلال الوباء، وفي هذا الصدد يقول الأكاديمي الاقتصادي في جامعة كورنيل ومعهد بروكينغز، إسوار براساد، “إن قوة الدولار لن تفيد المصدرين الأميركيين بالتأكيد”.

من  جانب آخر، تراجع الجنيه الإسترليني أيضًا أمام الدولار ، إلى 1.185 دولار صباح الثلاثاء ، وهو أدنى مستوى منذ مارس 2020، متأثرًا بعدم اليقين السياسي والتشاؤم الاقتصادي.

ويأتي ذلك مع احتدم السباق لاختيار خلفية لرئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، حيث وعد العديد من المرشحين بتخفيضات ضريبية.

وفي هذا الصدد قال، نيلسون: “الضغط على اليورو والجنيه الإسترليني يعكس القلق البالغ بشأن التوقعات الاقتصادية”.

وزاد: “مع ارتفاع معدل التضخم وعدم وجود خطة للسيطرة عليه، فإن العملات تتراجع”.

سياسة غير ناجحة

تجادل المهدي بأن رفع البنك المركزي الأميركي سعر الفائدة، لا يعني بالضرورة انخفاض التضخم كما يريد، “هذه السياسة غير ناجحة هذه المرة”.

وأوضحت “لا يعني ارتفاع قيمة الدولار وبالتالي قلة المنتجات المصدرة، ووجودها على الأرفف، أن تنخفض الأسعار داخل الولايات المتحدة”، مشيرة إلى أن البنك المركزي رفع سعر الفائدة عدة مرات لتقليل التضخم ولم ينجح في ذلك، بل زاد التضخم ووصل إلى حوالي تسعة في المئة”.

وأضافت “التضخم أحيانا يحدث لأسباب هيكلية ولن ينخفض إلا عندما يتوسع الإنتاج والسوق يتشبع وتهدأ المخاوف”.

“الركود قادم”

وتوقعات الركود تأتي رغم أن البنك المركزي الأميركي، وافق في 16 يونيو الماضي، على رفع سعر الفائدة بمقدار 0.75 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ عام 1994، لإبطاء النمو الاقتصادي، من أجل خفض معدلات التضخم التي بلغت أعلى مستوياتها منذ 40 عاما، وسط تحذيرات في عالم الاقتصاد من تبعات هذا القرار على الأسواق العالمية.

ومع بلوغ التضخم معدل 8.6 في المئة في شهر مايو الماضي، وهو الأعلى منذ عام 1981، ارتفعت كافة الأسعار في الولايات المتحدة، ويأمل الاحتياطي الفيدرالي أن يبطئ رفع أسعار الفائدة من التضخم ويخفف ارتفاع الأسعار.

وأشار رئيس البنك المركزي الأميركي، جيروم بأول، إلى أنه قد يكون هناك زيادة أخرى بمقدار 50 أو 75 نقطة أساس في يوليو الجاري.

وفي مذكرة بحثية، صدرت الأسبوع الماضي، تتوقع شركة “نومورا” للسمسرة، حدوث ركود ضعيف في الولايات المتحدة، ولكنه طويل لمدة 15 شهرا تقريبا، بدءا من الربع الأخير من عام 2022، في حين توقعت ركودا أعمق في دول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى مثل أستراليا وكندا وكوريا الجنوبية.

وأدى خفض روسيا مؤخرًا لإمدادات الغاز الطبيعي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وأثار مخاوف من قطع كلي قد يجبر الحكومات على تقنين الطاقة للصناعة لتجنيب المنازل والمدارس والمستشفيات، وفقا لموقع “فورتين” الاقتصادي.

وقدر الاقتصاديون في بنك بيرنبرغ أنه وفقًا لمعدلات الاستهلاك الحالية، ستكون فاتورة الغاز المضافة 220 مليار يورو (224 مليار دولار) على مدى 12 شهرًا، أو ما يعادل 1.5٪ من الناتج الاقتصادي السنوي.

وغرد كبير الاقتصاديين في معهد مجموعة التجارة المصرفية الدولية المالية، روبن بروكس، على تويتر هذا الأسبوع، قائلا: “هذه الحرب هي”ضربة مادية لأوروبا.. إنه يقوض نموذج النمو الألماني الذي يعتمد على الطاقة الروسية الرخيصة”.

وقد يؤدي التباطؤ الأوروبي في النهاية إلى منح البنك المركزي الأوروبي مهلة أقل لرفع أسعار الفائدة وتعديل النمو الاقتصادي لمعالجة مشكلة التضخم الخاصة به.

وكان البنك المركزي الأوروبي  قال إنه سيرفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار ربع نقطة عندما يجتمع في وقت لاحق من هذا الشهر وربما بما يصل إلى نصف نقطة في سبتمبر، وذلك في وقت يغذي ضعف اليورو الضغوط التضخمية بجعل الواردات إلى أوروبا أكثر تكلفة.

“إجراءات حاسمة”

تشير المهدي إلى أن “المسؤولين في البنك المركزي الأميركي منذ بداية العام وهم يرفعون سعر الفائدة والأسعار ترتفع أيضا، لذلك، لابد أن يبحثوا عن طرق بديلة تساعد على خفض معدل التضخم”.

تشير المهدي إلى أن هذه البدائل قد تكون في صورة “خفض معدلات الضرائب على سبيل المثال، وقد تكون نهج سياسات مالية قد تكون مفيدة في هذه الحالة وليس انتهاج سياسات نقدية”.

وكان كبير الاقتصاديين في “نومورا”، روب سوبارامان، حذر الأسبوع الماضي، خلال مقابلة له مع شبكة “سي أن بي سي” من أنه “إذا لم تشدد البنوك المركزية السياسة النقدية لخفض التضخم الآن، فإن التوابع السلبية التي ستلحق بالاقتصاد ستكون كبيرة، وسيطول التضخم، وسيذهب إلى مدى بعيد”.

تأثير كبير على الشرق الأوسط

بالنسبة لتأثير ارتفاع قيمة الدولار الأميركي على أسواق الشرق الأوسط، فهو “أمر مضر جدا”، بحسب المهدي في حديثها مع موقع “الحرة”، موضحة أن “هذا يعني خروج مستثمرين أكثر من بلادنا”.

وأضافت “عندما يرتفع سعر الدولار، وكذلك الفائدة في الولايات المتحدة، تخرج الأموال الساخنة في أسواق الشرق الأوسط، والاستثمار في البورصات وتتجه إلى الولايات المتحدة، للاستفادة من سعر الفائدة”.

يشير كغلر إلى أن ارتفاع قيمة الدولار يضر بالدول النامية، التي تستدين من أجل شراء الموارد الأساسية لمواطنيها.

وقال إن “ارتفاع قيمة الدولار وأسعار الفائدة في الولايات المتحدة يضرب البلدان التي ربطت عملتها بالدولار وتقترض من أسوال المال الدولية بشدة، لأن هذا يؤدي إلى تكلفة أكبر بكثير لخدمة الدين، هذا يعني أن الائتمان يصبح أكثر تكلفة، فضلا عن استثمار أجنبي أقل”.

الدول النامية يمكن أن تستفيد

ولمواجهة الأزمة الحالية في الدول النامية وأسواق الشرق الأوسط، ترى المهدي أنه “من الصعب التعامل معها إذا كان اقتصاد الدولة يعتمد على رؤوس الأموال الساخنة”.

لكنها أكدت في الوقت ذاته، أن هناك فرصة للدول النامية للاستفادة من ارتفاع قيمة الدولار، “هذا يعني أن عملتك حاليا نسبيا أرخص، وبالتالي يمكنك فتح أسواق جديدة للتصدير”.

وأوضحت “على أي دولة نامية الآن أن تستفيد من ارتفاع سعر الدولار، وتصدر أكثر، وهذا يعني أنها ستكسب أكثر وتشغل عمالة أكثر وتقلل من نسبة البطالة، هذا ما تفعله الصين واليابان وهما دولتان ناجحتان في التعامل مع الأزمة الاقتصادية الحالية، ولم ترفعا  أسعار الفائدة”.

مصطفى هاشم – واشنطن

https://www.alhurra.com/business/2022/07/13/%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%B1-%D8%B5%D9%86%D8%AF%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A8%D9%84%D8%A9

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار