
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتعاونيات
الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتعاونيات
حظي موضوع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بأهمية خاصة من لدى الاقتصاديين الليبراليين منذ وقت مبكر، بسبب الهزات الاقتصادية التي عانت منها أوروبا في فترة ما بين الحربين العالميتين، (والأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929، التي خلفت برمتها مآسي اجتماعية لدى مختلف الأسر الأوروبية وغير الأوربية، تنامى الإدراك بحجم الهشاشة التي آلت إليها المنظومة الاقتصادية، وانعكاساتها السلبية على الوضعية الاجتماعية للأفراد والجماعات. وهي ظروف جعلت منظومة الاقتصاد الاجتماعي تتبلور في ظل إيديولوجيات متعددة ظهرت في واقع يتسم باختلال وتفاوت واضح بين فئات اجتماعية استفادت كثيرا من التنمية وبين فئات أخرى تعاني من فقر مدقع ولم تستفد منها. [1]
ظهر مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي يسعى إلى التوفيق ما بين النجاعة الاقتصادية ومبادئ الإنصاف والعدالة الاجتماعية. (وهو يهدف بذلك، إلى جانب تحقيق المكتسبات المادية والربحية، إلى الاستجابة لحاجيات الشرائح المجتمعية المحرومة والمهمشة. الأمر الذي لن يتحقق إلا عبر سيادة علاقة التضامن الاجتماعي وجعلها ضمن الأولويات الأساسية للبرامج الحكومية. بهذا الشكل يساهم الاقتصاد الاجتماعي في دمقرطة الاقتصاد انطلاقا من التزاماته تجاه كافة المواطنين. وهو ما يأتي انسجاما أيضا مع ما يصطلح عليه بالشرعية الدولية للحقوق، التي تتألف علاوة على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي توصي على عدد من المبادئ المهمة لوضع هذه الحقوق موضع التنفيذ). [2]
يشير مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني إلى ممارسة جديدة للنشاط الاقتصادي مبنية على العمل الجماعي، وعلى مبادئ وقيم التعاون والتآزر. وتتعارض فلسفة هذا التوجه مع المنطق الاقتصادي التراكمي المؤسس على النفعية والربح ولغة المصالح في إطار مقاربة تنموية كمية تختزل التنمية في بعدها الاقتصادي الضيق، بينما يؤسس مفهوم الاقتصاد الاجتماعي لرؤية جديدة قائمة على كونه نشاطاً مدراً للدخل، ليس بهدف الربح ومراكمة الثروة، وإنما يهدف أساساً إلى تقوية قيم التعاون والتضامن والتركيز على الأبعاد الاجتماعية، في أفق تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية والحد من الفقر والهشاشة. [3]
يعد الاقتصاد الاجتماعي والتضامني فرعاً من فروع الاقتصاد والعلوم الاجتماعية – (ويرتكز على العلاقة بين السلوك الاجتماعي والاقتصادي كما يُعد هجين بين القطاع التجاري الخاص والقطاع الثالث غير الربحي). لا يوجد تعريف عالمي محدد للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لكن منظمة العمل الدولية استخدمت تعريفاً له في مؤتمرها الإقليمي في أفريقيا لعام 2009 “الاقتصاد الاجتماعي” (واشارت الى هذا المفهوم بانه ما تقوم به المنظمات التي تنتج السلع والخدمات والمعرفة التي تلبي احتياجات المجتمع الذي تخدمه، من خلال السعي لتحقيق أهداف اجتماعية وبيئية محددة لتعزيز التضامن ومن هذه الكيانات، التعاونيات وجمعيات المنفعة المتبادلة والشركات الاجتماعية). [4]
تمثل التعاونيات تجمعاً مستقلاً لعدد من الاشخاص الذين قرروا طواعية التجمع لتلبية احتياجاتهم وتطلعاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشتركة من خلال مشروع مملوك بشكل مشترك، يتم التحكم فيه بشكل ديمقراطي. وتضم التعاونيات أكثر من 1.2 مليار عضو في مختلف دول العالم وتوفر وظائف لحوالي 279.4 مليون شخص أي 9.47٪ من السكان العاملين في العالم. بالرغم من الأهمية المتزايدة للتعاونيات، لا تزال هناك تحديات وأسئلة مهمة فيما يتعلق بالتعريف والقياس والحجم والتأثير والإمكانات حسب ما ذكرته منظمة العمل الدولية. [5]
ويقوم قطاع التعاونيات بدور فعال وكبير في الاقتصاد الاجتماعي حيث يساهم في توفير الوظائف ويؤثر على الناتج المحلي الإجمالي في كثير من دول العالم المتطورة منها والنامية ونشهد نمواً ملحوظاً لهذا القطاع مع تزايد المحفزات والتسهيلات التي تقدمها الدولة لتأسيس التعاونيات. [6]
أدى تراكم الاهتمام بموضوع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وتعدد التجارب التنموية التي اعتمدته عبر العالم إلى توسيع خريطة تطبيقه وانتشاره في الكثير دول العالم. حيث نجد عدداً كبيراً من النماذج والتجارب العالمية المعاصرة تهتم بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وأدى ذلك إلى توسيع الخريطة المعرفية لهذا الموضوع في أبعادها الجغرافية والاقتصادية والسياسية والتنظيمية والاجتماعية والثقافية، (وتشمل هذه الخريطة بشكل خاص مختلف الكتابات والمساهمات والرؤى التي صيغت في حقول معرفية متنوعة وخاصة في حقول العلوم الاجتماعية التي تناولت التجارب التنموية في دول العالم الثالث خاصة في إفريقيا من بينها دول شمال إفريقيا كالجزائر وتونس والمغرب وبعض الدول الآسيوية والأمريكية اللاتينية). [7]
التعاونيات والاقتصاد الاجتماعي – التضامني نظام اقتصادي اجتماعي يربط بين عمليتي الإنتاج والتوزيع، أولويته تقديم الغاية الاجتماعية عن تعظيم الربح، على أساس مقاربة تضامنية تحمل نموذجاً اقتصادياً أكثر أخلاقية يحترم الفرد ويحافظ على البيئة، وتتقاطع عند تفسيره مقاربات نظرية ذات متغيرات فكرية تجمع بين ما هو قانوني مؤسسي، معياري، وتشكل في مجملها حقلاً معرفياً يسهم في فهم السلوك الاجتماعي ضمن النشاط الاقتصادي لفواعل السوق، قياساً بمختلف الظروف والتحولات المحيطة به.
الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
كلية الاقتصاد – جامعة دمشق