تاريخ سك العملة

 تاريخ سك العملة

تُعد صناعة المسكوكات جانباً متقدماً من أوجه الحضارة الإنسانية، بعدما عاشت البشرية عصورا طويلة في تاريخها القديم بدون تعامل بالمسكوكات، حيث لم تكن الحاجة إليها كسلعة وسيطة قائمة، ومع خطوات الانسان الأولى صوب الاستقرار ونشأة الحضارات أصبحت الحاجة إلى السلع الوسيطة لتكون اساساً لقيمة السلع المتبادلة.

واستقرت الحضارة العراقية القديمة على اعتماد  الشعير والفضة كسلعة وسيطة تحل مقام النقود في المعاملات المالية المختلفة، وكان ذلك في عهد الملك السومري اورنمو مؤسس سلالة اور الثالثة (2111- 2003 ق .م) ، واستمرت أيضا في عهد حمورابي سادس ملوك السلالة البابلية الأولى (1894- 1594 ق .م)، وفي العهد الأشوري الحديث( القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد) تطور شكل معدن الفضة وأصبح عبارة عن أقراص دائرية الشكل ذات أوزان ثابتة، وكان يعرف بــ”شيقل” و “نصف شيقل” وبعضها الآخر على هيأة (يد) نسبت إلى الآلهة الاشورية عشتار وأطلقوا عليها اسم (رؤوس عشتار)، ويعد ذلك العهد هو البداية الحقيقة لصناعة المسكوكات فلأول مرة يتم  سك عملات مختومة ومنقوشة وموزونة و تصدرها الدولة أي أنها كانت رسمية.

ثم تطورت صناعة المسكوكات على يد الليديين “سكان المناطق الساحلية في أسيا الصغرى” فكانت الدَّنانير الليديَّة خليط من معدني الذهب والفضة، بشكلٍ غير منظمٍ، العديد منها بيضويَّة الشَّكل مع وزنٍ ثابتٍ حدَّد قيمة العملة، ونقش عليها شكل الأسد فاتح فمه (على اليسار) ويقابله الثور (على اليمين) وهو شعار المدينة، بعد نجاح الدينار الليدي، عمدت باقي الإمبراطوريات إلى تقليده لتصدر عملاتها الخاصة بشعار محدد، مثل اليونان والفرس والاخمينيين.

شيقل                                                           الدينار الليدي

بينما تميزت المسكوكات اليونانية بوجود صورة الالهة أثينا على أحد وجهيها والاله هرقل على الوجه الآخر، في حين أن مسكوكات الاسكندر الأكبر والحكام السلوقيين تميزت بصورة الملوك على أحد وجهيها وصور الآلهة أو رموزها على الوجه الآخر، مثل تلك العملة التي تحمل صور الإسكندر بقرون الكبش على الوجه الأول. وعلى الوجه الآخر صورة زيوس جالسا على العرش، ممسكا بالصاعقة بيده اليسرى، والنسر بيده اليمنى.

مسكوكة من عصر الإسكندر الأكبر

الدينار البيزنطي:

وبعد انتقال الدولة الرومانية الشرقية(البيزنطية) إلى الدين المسيحي في القرن الرابع الميلادي تم سك الدينار البيزنطي وهو عبارة عن قطعة ذهبيه مستديرة الشكل بوجهين مختلفين بالرسوم البارزة، الوجه الأول يحمل صوره للملك البيزنطي (هرقل) يتوسط ولديه (قسطنطين وهيرقليس) وعلى رأس كل واحد منهم تاج يعلوه صليب، وكل واحد منهم ماسكا بصليب طويل، واما الوجه الثاني يتوسطه المدرج الذي يعلوه الصليب والحرفين I – B. وتحيط به عبارات بالخط اللاتيني تتضمن اسم الملك وتاريخ السك وعبارات دعائية.

الدينار البيزنطي

وفي بعض النقود نقش على الوجه الأول هرقل مع أحد ولديه دون الآخر، وعلى هامش الصورة دونت عبارات دعائية باللاتينية مثل VICTORIA، أما الوجه الأخر فنقش في مركزه مدرج يعلوه صليب وأسفله الحروف الأولى من كلمة القسطنطينية بصيغة CONO B وهى ترمز إلى مكان ضربها.

 

الدينار البيزنطي

الدرهم الساساني:

الدرهم بصفة عامة مصنوع من الفضة ومستدير الشكل نقش على وجهه صورة نصفية لكسرى، ووجهه في وضع جانبي، وعلى رأسه التاج الساساني المجنح، وأمام وجهه كتب اسمه وألقابه باللغة الفارسية القديمة “البهلوية”، وخلف رأسه كتابات دعائية، وعلى الهامش أربعة أشكال نجمية داخل أربعة أهلة ترمز إلى الرخاء والازدهار الذي كانت تعيشه الإمبراطورية الفارسية، أما الظهر فقد نقشت في مركزه الشعلة المقدسة التي ترمز إلى معبد النار، يحرسها حارسان مسلحان، وعلى يمين ظهر الدرهم كتابات بهلوية تحدد مكان الضرب، وعلى اليسار كتابات تحدد تاريخ الضرب.

الدرهم الساساني

مفهوم السكة:

هناك من يرى أن هذه التسمية كانت تطلق في الأصل على النقود المضروبة سواء الدنانير الذهبية أو الدراهم الفضية أو الفلوس النحاسية والتي كانت تسك وتطبع وتختم بواسطة حديدة تسمى المعّلمة « قوالب السبك»، ويقصد بلفظ «السكة» أحيانا تلك النقوش التي نزين بها هذه النقود على اختلاف أنواعها، كما يطلق أيضا على الوظيفة التي تقوم على سك العملة تحت إشراف الدولة. ويقدم العلامة العربي ابن خلدون تعريفا جامعا للسكة فيقول: «السكة، هي: الختم على الدنانير والدراهم للتعامل بها بين الناس بطابع حديد، ينقش فيها صور وكلمات مقلوبة، ويضرب بها على الدينار والدرهم، فتخرج رسوم تلك النقوش عليها ظاهرة مستقيمة، وبعد تقدير أشخاص الدرهم والدينار بوزن معين يصطلح عليه، فيكون التعامل بها عددا، وإذا لم تقدر أشخاصها يكون التعامل بها وزنا.

نقود العرب قبل الإسلام:

ولم يمتلك العرب في شبه الجزيرة العربية نظاماً نقدياً مستقلاً بهم، بل تداولوا أنظمه نقديه متعددة لدول أخرى، ونظرا لاشتغال قريش بالتجارة فتداولوا النقود البيزنطية والساسانية في اسواقهم، أمثال سوق نجران وسوق عكاظ …الخ، كما تداولت الدنانير البيزنطية في مصر، وبلاد الشام، ومناطق شمال افريقيا، بينما تداولت النقود الفضية الساسانية في مناطق العراق، وما جاورها، والنقود التي تحمل الخط المسند في منطقة اليمن.

أهمية المسكوكات في العصر الإسلامي:

تُعد النقود الإسلامية مصدراً مهمًا من مصادر التاريخ والآثار والحضارة الإسلامية، حيث تعد السكة مظهرا من مظاهر سلطة الخليفة أو السلطان أو الحاكم، ووسيلة التخاطب الرئيسية بينه وبين رعيته يبث من خلالها مبادئ حكمه والأسس التي يقوم عليها، وأهم شاراته التي حرص على اتخاذها بعد اعتلائه للحكم مباشرة، فكان على الخليفة أو الحاكم أن يقوم بأمور رئيسية للإعلان عن توليه الحكم، هي؛ ضرب السكة وتسجيل اسمه عليها، ثم الدعاء له في خطبة الجمعة، ثم نقش شريط الطراز باسمه..

تعد النقود وثائق رسمية لا يمكن الطعن فيها، وذلك فيما يتعلق بالأسماء أو العبارات الدينية المنقوشة عليها، إلى جانب كونها سجلا حافلاً للكنى والألقاب والنعوت فقد سجل الحكام وبعض معاونيهم أسماءهم وكناهم وألقابهم ونعوتهم على النقود التي قاموا بسكها، كما القت الضوء على كثير من الأحداث السياسية، التي تثبت أو تنفي تبعية الولاة أو السلاطين للخلافة أو للحكومات المركزية في التاريخ الإسلامي. ولذلك، تعد النقود التي سكت في صدر الإسلام في دمشق وبغداد والقاهرة مستندات رسمية تؤكد على الوحدة السياسية والاقتصادية للعالم العربي.

كما كانت النقود المعيار الحقيقي للنظام الاقتصادي للدولة حيث أن الدولة ذات الاقتصاد القوي تمتاز بجودة المعيار وثبات الوزن والعكس صحيح. فضلا عن أن العقيدة الإسلامية قد أسهمت بقسط كبير وملموس في تطور صناعة السكة في العالم الإسلامي بفضل اهتمام الشريعة الإسلامية بالنقود، لكونها تدخل في ميدان العبادات، وتحدد المعاملات، وذلك لصلتها المباشرة والوثيقة بالزكاة والصداق والعقود والوقف والعقوبات وغيرها.

حرص الحكام على دقة وزن النقود فكانت تضرب في «دار السكة» أو «دار الضرب»، وهي منشأة صناعية تتبع السلطان أو الحاكم، وتقوم بإصدار عملات نقدية ذهبية أو فضية أو نحاسية أو برونزية، كما حرصوا أيضا على محاربة تزيف النقود وكشف تزيفها عبر العديد من الطرق المختلفة مثل الحك، أو استخدام الكثافة النوعية للمعدن، أو استخدام ميزان خاص يعرف بــ “ميزان الحكمة”. و كان يوجد شخص في الأسواق يختص بعملية فحص النقود وتمييز الجيد من الرديء عرف بــ “النقاد”، الذي ينقد الدنانير والدراهم، ومنها أخذ مصطلح النقود.  كما كان يتم تحذير الناس من غش النقود وتزييفها، من خلال تسجيل عبارات تحث على الالتزام بوزن النقود والبعد عن الغش والتزييف مثل «أمر الله بالوفاء والعدل»، و «هذا الدرهم ملعون من يغيره»، وغيرها..

ومن منطلق ان النقود الجهاز الإعلامي للدولة الاسلامية فكانت تبث الأخبار المهمة والأحداث العظيمة التي تشهدها البلاد، حيث تُسك النقود تخليداً للعديد من المناسبات المهمة مثل: تأسيس الدول أو زوالها، واعتلاء الحكام للعرش، والمبايعة بولاية العهد، والزواج والمصاهرة، والوفاة، والانتصارات العسكرية، والاضطرابات التي تشهدها البلاد، والمناسبات الدينية كالأعياد، والاحتفال بشهر رمضان المعظم، وغرة الشهور العربية الأخرى، وللدعاية للمذاهب الدينية المختلفة.  وكان يطلق على تلك النقود التذكارية «نقود الصلة» لأنها كانت توزع كهدايا وصلة لأولى الأرحام والفقراء واليتامى، والأمراء وكبار القواد ورجال الدولة.

ويتجلى دور النقود كوسيلة مهمة من وسائل الإعلام في العصر الإسلامي من خلال استخدامها في الوعظ والإرشاد ونشر المبادئ الأخلاقية بين الناس، ومن هذه المبادئ ما يخص الفرد مثل: «بركة العمر حسن العمل»، «الدنيا ساعة فاجعلها طاعة»، «ضمن الله رزق كل أحد». ومن هذه القيم ما يخص الحاكم وأعوانه مثل: «ثبات الملك بالعدل»، «بركة الملك في إدامة العدل».

واستخدمت الحكومات الإسلامية النقود لحث الناس على التكافل الاجتماعي وأداء الزكاة والإنفاق في سبيل الله، لذلك سجل عليها بعض الكتابات التي تحث الناس على هذا الأمر مثل: «نفقة في سبيل الله»، «لزكة الله»، كما سجلت بعض الكتابات التي تحذر الناس من البخل مثل الاقتباس القرآني: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ والاقتباس القرآني: ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء).

النقود في عهد الرسول “ص”:

استمر تداول النقود البيزنطية والساسانية في عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) بالإضافة إلى بعض النقود المحلية الأخرى، وقد وردت أسماء بعض النقود المتداولة في القرآن الكريم كالدينار والدرهم”، واستمرار الحال كذلك في عهد الخليفة ابو بكر الصديق رضى الله عنه، والخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ويذكر البعض ان عمر قام بإضافة بعض العبارات الإسلامية البسيطة على الدراهم الساسانية مثل: الله أكبر_ بسم الله. وان كان ذلك الأمر مشكوك في صحته لعدم وصول نقود لدينا تأكد صحة تلك المقولة، أما في عهد عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضى الله عنهما فقد سكوا بعض الدراهم الساسانية وعليها عبارات دينية مثل ” الله أكبر_ بسم الله”

تعريب النقود:

أولا- تعريب الدنانير:

في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان الذي ولي الخلافة في الفترة ( 65- 86 هـ ) ، تم تعريب النقود وقد اختلفت الروايات حول سبب التعريب، ودون الحديث عن تلك الروايات الضعيفة، إلا أن الدافع الذي دفع عبد الملك لتعريب النقود إنما كان نابعا من السياسة التي انتهجها، وهي صبغ المظاهر السيادية للدولة بالصبغة العربية توطيدا لسلطة الدولة، والتي كانت أهم شاراتها السكة. ومن خلال النقود التي وصلتنا نجد أن تعريب السكة قد مر بمراحل تدريجية حتى وصل إلى الصورة التي كان عليها الدينار العربي الذي تمثل المأثورات القرآنية قوامه الأساسي.

في سنة 74ه / 693م أبدل الخليفة عبد الملك وضع الحرفين I – B إلى B -I ، ويعتقد بعض المختصين أن هذين الحرفين يرمزان للرقم 12، وحين أبدلهم أصبح العدد21 ، ومهما يكن من تفسيرات ، لكن يبدو أن الغاية منذ ذلك كان لمجرد تمييز الدنانير الإسلامية عن الدنانير البيزنطية.

شمل التغيير الثاني شكل الصليب الموجود في ظهر الدينار، فحذف الجزء الأعلى منه ليصبح على شكل حرف (T) تحيط به عبارات التوحيد بالخط العربي.

المرحلة الأولي لتعريب الدينار البيزنطي

في سنة 76ه -695م، سك دنانير عليها صورة الخليفة عبد الملك بدلا من صورة الملك البيزنطي هرقل وكتب عليها البسملة وتاريخ الضرب بالخط الكوفي، ولكن أبقى على بعض الشارات المسيحية، حيث يظهر عبد الملك واقفاً يرتدي الزي العربي، وبيده السيف وهو يهم باستلاله والسيف دليل الإمامة ورمز الجهاد في سبيل الله، وقد اعتمر كوفية تتدلى على كتفيه وله لحية طويلة وتحيط به الكتابة التالية بالخط الكوفي :(بسم الله لا إله إلا الله وحده محمد رسول الله) لكن جمهور المسلمين رأى في ظهور صورة الخليفة على النقش مخالفة للسنة، لذلك عدّل الدينار ومسحت صورة الخليفة.​

المرحلة الثانية لتعريب الدينار البيزنطي

وفي عام 77ه كانت الخطوة الأخيرة لتعريب الدنانير وهي تخلصهامن كافة الشارات المسيحية وكافة التأثيرات الأجنبية عندما حملت نصوصا عربية خالصة من القرآن الكريم على النحو التالي:

  • مركز الوجه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
  • الطوق: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله.
  • مركز الظهر: بعض آيات من سورة الإخلاص: الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد”.
  • الطوق: بسم الله ضرب هذا الدينار في سنة سبع وسبعين.

الدينار الأموي

وكان وزن الدينار العربي مثقال واحد أي ما يعادل 4.25 جرام من الذهب. وقد أمر عبد الملك بن مروان بضرورة التعامل بهذه الدنانير، وإبطال التعامل بالنقود الرومانية.

“ثانيا تعريب الدراهم”

لقد حملت الدراهم الفضية بعض الكلمات العربية في نهاية عهد الخلفاء الراشدين واستمرت على هذا النحو حتى خلافة عبد الملك بن مروان، عندما نقش  الحجاج بن يوسف الثقفي اسمه على الدراهم الساسانية ( الحجاج بن يوسف) وعلى الطوق نقش عبارة ( بسم الله لا إله إلا الله وحده محمد رسول الله) وذلك سنة 76ه. وكانت تلك الخطوة الأخيرة نحو التعريب الكامل والذي وصل إلينا درهم واحد نادر من  سنة 78ه وكان محفوظ في المتحف العراقي، ولكن السنة اللاحقة 79ه شاعت الدراهم العربية وسكت في العديد من المدن العربية مثل ( دمشق- والبصرة- والكوفة-….) وكانت على النحو التالي:

  • طوق الوجه: بسم الله ضرب هذا الدرهم مكان ….. وسنة  الضرب
  • مركز الوجه: لا إله الا، الله وحده، لا شريك له
  • مركز الظهر: سورة الإخلاص (الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد)
  • طوق الظهر: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

الدرهم الأموي

http://www.cairo.gov.eg/ar/pages/VarArticle.aspx?ArtID=1367

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

20 − ستة عشر =

آخر الأخبار