البحث العلمي في الدول العربية ومنهجية البحث العلمي الغربي في العلوم الإنسانية والاجتماعية

الأستاذ الدكتور مصطفى محمد العبد الله الكفري

البحث العلمي في الدول العربية ومنهجية البحث العلمي الغربي

في العلوم الإنسانية والاجتماعية

طريقة البحث العلمي عند ابن الهيثم

الأستاذ الدكتور مصطفى محمد العبد الله الكفري

حدث تحول جذري خلال العقدين الأخيرين في الدراسات المتصلة بالبلاد العربية في الغرب واتسم هذا التحول بالتخلي عن مناهج المستشرقين التقليدية، وإدخال مناهج العلوم السياسية الاقتصاد وعلم الاجتماع والأنثربولوجيا والتاريخ الحديث لفهم التحولات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى وعملية التحديث في المجتمعات العربية. وتكونت معاهد ومراكز وبرامج في الغرب متخصصة بهذه الدراسات. واعتمدت في عملها البحثي تكوين فرق العمل وورش العمل وجلسات وحلقات النقاش للتنسيق بين الباحثين المشاركين وتنظيم أعمالهم. وتولت مؤسسات حكومية وخاصة تمويل هذه الدراسات. كان تأثر البلاد العربية بهذا التحول واضحاً، ونشأ جيل من الباحثين العرب اقتفى آثار الباحثين الغربيين وتبنى منهجيتهم في دراساته. وقاد هذا الجيل عملية التغيير في معاهد ومراكز البحث العلمي في الجامعات العربية. ولكن جهوده ما زالت في بدايتها، وتواجه عراقيل ومصاعب إدارية ومالية وسياسية تعيقه عن تحقيق الغايات المنشودة.‏

بدأت عملية الاحتكاك بالفكر الغربي منذ زمن بعيد. ونشير إلى تجربة محمد علي في مصر عندما قام بإرسال بعثات علمية إلى فرنسا وإيطاليا وإنكلترا كانت تهدف إلى خدمة نظامه وإقامة دولته الحديثة. وقد استطاع رفاعة الطهطاوي في كتابه (تخليص الإبريز في تعريف باريز) شرح الدساتير الغربية والنظام السياسي الليبرالي الذي كان مجهولاً في مصر. وبذلك دخل الفكر الليبرالي إلى مصر ودخل معه النظام الاقتصادي والبنوك التي تتعامل بالفائدة (الربا) في حين أن النظام الإسلامي يحرم الربا. وفي محاولة لفهم منهجية البحث العلمي الغربي حول الوطن العربي، لابد من مناقشة الموضوعات الرئيسة التالية:‏

1- اعتماد الوطن العربي في البحث العلمي على الأدوات البحثية المستخدمة في الغرب.‏

2- المدارس الغربية والمؤسسات والمعاهد والمراكز البحثية الغربية والمتخصصة بدراسة الوطن العربي.‏

3- إشكاليات تقييم نشاط البحث العلمي وأوضاعه ومشاغل الباحثين في مؤسساته العربية.‏

4- التعاون بين مراكز البحث العلمي العربية والأوربية.‏

أولاً – اعتماد الأدوات البحثية المستخدمة في الغرب:‏

منذ البدايات الباكرة للبحث الاجتماعي العلمي في بعض الدول العربية تم الاعتماد على الأدوات البحثية المستخدمة في الغرب، دون محاولة لمناقشة مدى ملاءمة هذه الأدوات للدراسة الميدانية للمجتمعات العربية. وعندما اتسع نطاق الدراسات الميدانية الاجتماعية، في معظم الدول العربية، بدأت منذ منتصف الثمانينات حركة نقدية عربية تعنى باختيار هذه الأدوات البحثية في الميدان، على ضوء الخبرات المتراكمة خلال العقود الخمسة التي خلت. وفي هذا السياق عقدت بعض الندوات العلمية كما حفلت بعض الدوريات بعدد مرض من المقالات، التي تناقش مدى ملاءمة الأدوات البحثية الغربية ومدى نجاحها في فهم ودراسة الظاهرة الاجتماعية في بعض الدول العربية.‏

ولابد من لفت الانتباه إلى جدوى الوسائل التقنية والعلوم المساعدة (اللسانية أساساً) ومنها المعاجم في إمكانية تطوير الدراسات حول حركة النهضة العربية- الإسلامية خلال النصف الثاني للقرن التاسع عشر وذلك من خلال مؤلفات أعلامها وروادها. إن الدراسة اللغوية للنص الخطابي تفرض الإلمام إلماماً تاماً بكامل المعجم الذي يتألف منه النص الموضوع للبحث، وإقامة مثل هذه المعاجم التي ستحتوي على الآلاف من المفردات ليتعدى طاقات وإمكانيات الباحث من حيث الوقت والجهد، فكان لابد من الالتجاء إلى الإعلامية كوسيلة متممة للبحث العلمي على أهميتها إلى ما توفره من دقة تمكن من الإحاطة إحاطة شاملة بمكونات الفكر النهضوي في تلك الفترة في ظاهره وباطنه وبالتالي معرفة مدى تطابقها أو عدم تطابقها مع الواقع الاجتماعي لتلك الفترة. إن التأكيد على هذه الآليات ناتج عن الشعور بعدم تمكن البحث من انتهاج هذا المسار رغم مرور أكثر من عشرين سنة على الفرضيات التي حددتها بعض الدراسات التي تناولت هذا الموضوع.‏

اهتمامات المدارس والمراكز البحثية والجامعات الغربية بشؤون الوطن العربي:‏

لابد من تقييم طبيعة وأهمية الدراسات التاريخية حول الوطن العربي في مجال التعليم خارج الدول العربية، وبخاصة في الغرب. هناك مقررات عامة تعطي للطلبة المبتدئين لتعريفهم بتاريخ العرب عموماً وبالفترة المعاصرة في هذا التاريخ على وجه الخصوص. وتتلو ذلك مقررات أكثر تخصصاً وعمقاً حول قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية. ويدرس عادة هذه المقررات الطلاب الراغبون في إعداد شهادتي الماجستير أو الدكتوراه. وتثير عناوين المقرر العام تبايناً بالنسبة لمفرداتها والامتداد الجغرافي لحدود المقرر وللفترة الزمنية التي يغطيها سواء ذلك في الدول العربية أو خارجها. فالعنوان المتعارف عليه في الأقطار العربية هو تاريخ العرب الحديث والمعاصر، وفي غير هذه الأقطار غالباً ما يكون تاريخ الشرق الأوسط الحديث، ويضم عادة هذا الاسم دول المشرق العربي بالإضافة إلى تركيا وإيران. وتركز معظم المقررات العامة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث على القرن التاسع عشر وبصورة أكبر القرن العشرين مهملة القرون الثلاثة السابقة على أهميتها في توضيح ما حدث في القرنين الأخيرين. كما أن الاتجاه السائد في هذه المقررات العامة هو أن تدرس الأقطار العربية قطراً بعد قطر دون إظهار البعد العربي للأحداث التي انتظمت الأقطار العربية من فترة إلى أخرى كرد فعل على وضع الدول العثمانية ككل. ويلاحظ كذلك أن البحوث القيمة التي تتم في رسائل الماجستير والدكتوراه قلما تدمج نتائجها في كتب التدريس العامة للاستفادة من بحوثها الجديدة.‏

رابط البحث في المجلة:  الأدب-العلمي-117-أيار-internet-2 (1)بحثي حول البحث العلمي في الدول العربية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار