الاقتصادات العربية في عصر المربكات الكبرى

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

الاقتصادات العربية في عصر المربكات الكبرى

في ظل حالات الاضطراب وعدم اليقين والحراك السريع الذي يشهده العالم شديد التغير، نجد الاقتصادات العربية تتعرض لما يمكن أن نطلق عليه “تغيرات في عصر المربكات الكبرى”، متمثلة في نزوح البشر وكثرة اللاجئين وموجات الجفاف وتغير المناخ وغيرها.

وصل حجم خسائر الدول العربية في النشاط الاقتصادي بسبب الحروب والنزاعات والصراعات في المنطقة العربية، إلى أكثر من 900 مليار دولار، لتضيف عبئاً على تراكمت من قبل، ربما نجحت بعض الأقاليم الاقتصادية حول العالم بتخفيض نسبة من يعانون من الفقر المدقع، إلا أن هذه النسبة قد زادت عربيا إلى الضعف، من 2.6% إلى 5% خلال الفترة 2013 – 2015. وبذلك يبقى الإقليم الاقتصادي العربي، هو الإقليم الأسوأ، من حيث العدالة في توزيع الدخل، إذ يستحوذ أغنى 10% من السكان على نسبة 61% من الدخل القومي، في حين لا يتجاوز نصيب الـ10% الأغنى في أوروبا 37%، وفي الصين 41% والهند 55%.

ويعاني الاقتصاد العربي من أعلى نسبة بطالة في العالم، إذ وصلت هذه النسبة إلى 10.6% وهي تقترب من ضعف نسبة البطالة العالمية، ومقدارها اليوم 5.7%، وهي أشد تركزا بين شباب العرب وأعلى بين النساء مقارنة بالرجال. لذلك يحتاج الاقتصاد العربي إلى توليد 10 ملايين فرصة عمل جديدة كل عام، ليتمكن من التصدي لمعدلات البطالة المرتفعة، على أن تتاح هذه الفرص وفقا لسياسات نمو شاملة، تعزز من فرص مشاركة النساء في سوق العمل، إنصافاً للمرأة العربية، وتقديراً لكفاءتها كلما أتيحت لها الفرص ودعماً لتنمية مستدامة، لا تفتئت على حقوق الناس أو تهدر نصف طاقته البشرية عبثاً.

أن تمويل التنمية لا يأتي من خلال صفقات مالية متناثرة او إنفاق مشتت، بل يجب أن يستند لنهج متكامل قوامه سياسات متناسقة ومؤسسات ذات كفاءة، ولا يغني ذلك عن منع نزيف خسائر الكيانات الاقتصادية المملوكة للدولة، وطرق استخدام الأصول المعطلة في زيادة الموارد، لأن المحور الأول من محاور تمويل التنمية يعتمد على تعبئة الموارد المحلية بكفاءة وإنفاقها بفاعلية وحسن استخدام مجالات الإنفاق العام.

حير تذبذب أسعار النفط الاقتصاديين والقائمين على الموازنات العامة، فبعد أن كان سعر النفط في حدود 100 دولار في الفترة من 2011 إلى 2014، أصبح أقل من 50 دولار خلال الفترة من 2015 إلى 2018، ثم مقدر أن يحوم السعر حول 60 إلى 70 دولار خلال العام الحالي 2019، والعام القادم 2020، ورغم جهود التنويع والتحسين والإصلاح، إن هذه التغيرات لا تقدر على احتواء الآثار السلبية، لكنها تتفاوت مع تغيرات اتجاهات الأسعار صعودا وانخفاضا.

هناك حاجة إلى تحصيل الموارد الضريبية العربية، فالمتوسط في الدول العربية حاليا هو 11% وهذا يقل عن المتوسط العالمي والمتوسط الموصى به 15%، لذا يستلزم التغيير.

ولا بد من إتاحة فرص العمل والتشغيل من خلال مشاركة القطاع الخاص، وفي خطة تمويل التنمية المستدامة أيضا محورا للتدفقات المالية الخارجية، ما زال الاقتصاد العربي مصدراً للتمويل إلى الخارج، وهو يقلل من فرص التمويل بالاعتماد على الموارد المالية الذاتية.

الظروف التي تمر بها الدول العربية من تحولات اقتصادية واجتماعية أثرت بشكل كبير على الخطط التنموية التي تبنتها هذه الدول في الفترة السابقة، الأمر الذي أدى إلى خلق تحديات كبيرة في مختلف مناحي الحياة، والتي كان من شأنها شحذ الهمم من أجل الارتقاء بالمواطن العربي على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية وتوفير الحياة الكريمة له، وأخذاً في الاعتبار ما تشهده منطقتنا العربية من انتشار ظاهرة الإرهاب وتبعاتها التي أثرت سلباً على التنمية الشاملة للمجتمعات العربية، وما خلّفه ذلك من تزايد أعداد النازحين واللاجئين في الدول العربية، فضلاً عن تزايد أعداد البطالة والفقر، وما يتطلبه ذلك من ضرورة التركيز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 في ضوء الاحتياجات العربية، وإدراكاً بأن ذلك كله يتحقق من خلال التطوير الشامل في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية بالتعاون مع كافة الشركاء الدوليين والإقليميين ومنظمات المجتمع المدني والأمم المتحدة، في إطار سعي متكامل ومتناسق، يأخذ في الاعتبار أسباب للشعوب العربية التّواقة إلى تغيير واقعها نحو الأفضل وإصلاح أوضاعها وضمان مستقبل أجيالها بما يضمن خلق فرص عمل واستثمارات اقتصادية واجتماعية على حد سواء، بما يحقق الرخاء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية المنشودة لكافة فئات المجتمع. [1]

(إن قمة بيروت تنعقد في وقت أصبح فيه العالم أكثر تقلبا من الناحية السياسية، وأكثر هشاشة من الناحية الاقتصادية. يحتاج العرب اليوم رميات موفقة نحو التقدم والتنمية المستدامة، فقد ضعفت معدلات نمو الاقتصاد العالمي، وتزايدت حالات التوتر والنزاعات في التجارة الدولية، وازدادت المخاطر المحدقة بالاقتصاديات المختلفة مع احتمالات ارتفاع تكلفة الاستيراد، مشيرا إلى أننا نشهد تغيرات كبرى في موازين القوى الاقتصادية العالمية والإقليمية، التي تصارعت وتيرة تغيرها مع الأزمة المالية العالمية ).[2]

وتأكيداً على أن تحسين نوعية الحياة للجميع وخاصة الأطفال يعد سبيلاً لتقدم الأوطان، واستشعاراً بأهمية توفير الحياة الكريمة للأطفال وخاصة من هم في مناطق النزوح واللجوء والمناطق التي تعاني من انتشار ظاهرة الإرهاب والنزاعات المسلحة والتي أثرت سلباً لا محالة على الأطفال، باعتبارهم من أكثر الفئات ضعفاً، فقد اعتمدنا “الاستراتيجية العربية لحماية الأطفال في وضع اللجوء/ النزوح بالمنطقة العربية”، كوثيقة استرشادية وإنفاذ حقوقهم بهدف التصدي لأوضاع الأطفال اللاجئين أو النازحين في المنطقة العربية والتعامل مع ظروفهم المعيشية، مع ضرورة أن يعمل كافة الشركاء المعنيين معاً في مجال حماية الطفل لإيجاد الحلول وإنقاذ جيل بأكمله من الضياع.

وتأكيداً على أهمية أن الاستثمار في الإنسان هو أقصر طريق لتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب، وانطلاقاً من التطورات المتسارعة التي أثرت سلباً على المكتسبات التنموية العربية في ظل التحديات التي تواجهها الدول العربية والتي أدت إلى زيادة نسب معدلات الفقر والبطالة، فقد اعتمدنا الإطار الاستراتيجي العربي للقضاء على الفقر متعدد الأبعاد 2020-2030 كإطار يعزز من الجهود العربية الرامية لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة في المنطقة العربية، بهدف خفض مؤشر الفقر متعدد الأبعاد بنسبة 50% بحلول عام 2030، مؤكدين على أهمية متابعة تنفيذه، وندعو القطاع الخاص العربي ومؤسسات المجتمع المدني لتقديم كافة أوجه الدعم اللازمة بما ينعكس إيجاباً على الإنسان العربي.

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

كلية الاقتصاد – جامعة دمشق

Email: moustafa.alkafri@gmail.com

[1]  – صحيفة اليوم السابع، القاهرة، https://www.youm7.com/story/2019/1/20/%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8%B1-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%85%D8%A9

[2]  – كلمة الدكتور محمود محيي الدين النائب الاول لرئيس البنك الدولي،

https://www.youm7.com/story/2019/1/20/%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%8A%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

8 + 9 =

آخر الأخبار