عصام تيزيني يتحدث عن انتقال الفساد من مراحله الناعمة إلى الخشنة والوسخة المذهلة ويقترح اختراع طريق ثالث للمعالجة
السلطة الرابعة – سوسن خليفة :على سبتمبر 12, 2024
عصام تيزيني يتحدث عن انتقال الفساد من مراحله الناعمة إلى الخشنة والوسخة المذهلة
ويقترح اختراع طريق ثالث للمعالجة
السلطة الرابعة – سوسن خليفة :على سبتمبر 12, 2024
- أداء متواضع وغير حكيم للإدارات الاقتصادية بمعالجة الأزمات التي زجّت المجتمع بحربٍ جديدة هي حرب اللقمة والكفاف..
- إجراءات خاطئة وفاسدة أحيانا.. فتحت مصارع الأبواب للفساد المالي والنقدي فزاد النفور وبدأت المشاكل المعيشية تتراكم
- المطلوب كفَ يد بعض الصقور الفاسدة والنافذة في الدولة ومنعها من التدخل أو التأثير على القرار
- تيزيني بواقعية وجرأة : لن نستطيع بتر الفساد ولا اختراق حائط الصد عند الفاسدين فلا بد من التماهي معهم لصالح المجتمع
ندوة الثلاثاء الاقتصادية لهذا الشهر التي عقدت في المركز الثقافي في أبو رمانة عنوانها مثير وهي من المواضيع الاشكالية التي لم نصل بها إلى حلول ملموسة . كيف ننقذ اقتصاد سورية من الفساد؟
أعد الباحث عصام تيزيني ورقة بحثية تعتمد على محورين هما واقع فساد الاقتصاد السوري ، وكيف نستطيع أن نتخلص من الفساد وننفي حصوله مستقبلاً.
أجاب الباحث على هذا السؤال بأنه حلم ودرجة اليأس خلال السنوات الأخيرة كبيرة سيما الحياة الصعبة والفقر المالي وضنك العيش وهي من ثمار الفساد الاقتصادي إضافة إلى فقر الانتماء وهو أخطر ما في الأمر. والحلم في الهجرة من الوطن مما يشكل خطورة على بنية المجتمع السوري وأحد أسباب ما حصل هو الفساد. لن نلصق التهمة بالفساد فقط ولم يعد هناك وجود للطبقة الوسطى. والفساد الاقتصادي في الحالة السورية له خصوصية مر عبر مراحل ناعمة قبل الأزمة، وخشنة وسخة في الفترة بين 2011 – 2015 بسبب الفلتان الأمني والفساد الاقتصاد الإداري الذي بدأ يسود المجتمع 2019 حتى الوضع الراهن . ويقول السيد تيزيني لا يخفى على أحد أن الفساد رفيق درب للاقتصاد السوري. كان يتسلل بهدوء، والفاسدين ماهرون ولديهم بعض الأخلاق لممارسة الفساد يترجمون مقولة (فيد واستفيد) والمجتمع كان يتأقلم بهذا الواقع. وكاد الفساد قبل 2011 أن يصبح عرفاً.
وانطلق المحاضر في بحثه من فكرة تأثير الفساد على المجتمع وأثره عليه. والفترة الممتدة من 2011 إلى 2018 أصابت السوريين في مقتل من الناحية الاقتصادية، حيث مرحلة الفساد الخشن التي أصابت الناس بالذهول ولا تزال الطبقة الوسطى قادرة على الصمود والحياة. ولم نكن نشكو من ضنك العيش. وكانت الاجراءات التي تدير الملف الاقتصادي تحافظ على هدوء البنية الاجتماعية والطبقة الوسطى وهي سياسة اقتصادية حكيمة في ظل تطور الاجرام والدمار التي سادت تلك الفترة. وخلال الأعوام من 2015 إلى 2018 عاشت سورية مرحلة الفساد الاقتصادي الذي أدى إلى تراجع بنية المجتمع حيث تحولت نسبة الطبقة الوسطى من حدود 75% إلى 50% .
حرب اقتصادية ضاغطة بحصار الخارج وحصار الداخل معاً
وهكذا استمر الوضع إلى أن بدأ المجتمع يصارع حرباً اقتصادية جديدة ضاغطة تجلت بحصار الخارج وحصار الداخل معاً الخارج بالعقوبات الغربية ذائعة الصيت على سورية وفي الداخل حصار الأداء المتواضع وغير الحكيم للإدارات الاقتصادية بمعالجة الأزمات والذي عاش بسببها المجتمع السوري حينها ولايزال حرباً جديدة وهي حرب اللقمة والكفاف.. فبدأت الاختناقات الكبيرة في توريدات السلع ومستلزمات تشغيل الطاقة كذلك بدأ الضغط على الليرة السورية يتصاعد وبدأت قدرتها على الشراء تتراجع ويتراجع معها مستوى المعيشة لدرجة حدوث خلل كبير ومتسارع في تحول المجتمع السوري من مستوى الوسط الى مستوى الفقر وربما دونه وهنا علينا أن نقر أن الفرق الحكومية الاقتصادية حينذاك لم تقف صداً منيعاً تجاه تلك الاختناقات
فتعاملت برد فعل مضطرب حيث صارت تعالج المشكلات بطريقة رد الفعل فغاب التخطيط وغاب استقراء الأزمات وغابت معه الخطط الاستراتيجية ليكون هذا الأسلوب في الإدارة جزءاً آخراً من أدوات الضغط على المستهلك السوري ناهيك عن أن هذه الفرق الاقتصادية سارعت الى اتخاذ اجراءات خشنة لمواجهة الحصار الخارجي ظنا منها أن مواجهة العقوبات القاسية يحتاج أموالاً وتقشفاً وسعر صرف ثابت للعملة الوطنية فقط … ليصبح تثبيت سعر الصرف هو الهدف ودونه كل الأهداف, فاعتمدت القرارات القاسية بفعل أوامر من المصرف المركزي الذي كانت له اليد الطولى ولأول مرة بتاريخ اقتصاد سورية بتجميد الأموال وتقييد حركتها وتجفيف الكاش وابتكار أساليب قاسية بطرق تمويل مستوردات التجار وغير ذلك الكثير من الإجراءات الخاطئة أحياناً والفاسدة أحيانا أخرى..
الباحث تيزيني : الفساد رفيق درب للاقتصاد السوري.. و90% من المجتمع السوري يقبع تحت خط الفقر
هذه الإجراءات أدت إلى فتح مصارع الأبواب للفساد المالي والنقدي فزاد النفور وبدأت المشاكل المعيشية تتراكم وجفت المدخرات وتراجعت المداخيل وأخرجت الحكومة مئات الآلاف من حزمة الدعم بحجة أنهم يملكون سجلات تجارية ليصبح أغنياء الأمس ومتوسطيهم فقراء اليوم و تدهورت العملة الوطنية وتدهورت الصناعة والتجارة وحتى الحرف والأعمال البسيطة التي يمارسها جل المجتمع وبدأ ضنك العيش.. ليبدأ بعدها بزوغ ظاهرة جديدة لدى المجتمع السوري تتمثل بما أسميه فقر الانتماء..!!! فأصحاب المال والفقراء والشباب صاروا لا يفكرون بالبناء بقدر ما يفكرون بالهجرة.. فالوطن صار لدى السوريين هو المهجر وهذا هو الألم الأكبر, لتتهاوى مع هذه التصرفات ما تبقى من طبقة وسطى وتصبح الفقيرة ومع نهايات 2023 مع أنها المكون الأساس للمجتمع وحسب التقديرات الرسمية تبين أن 90% من المجتمع السوري يقبع تحت خط الفقر.
وانتقل المحاضر إلى تقديم حلول للتخلص من الفساد الحالي واتقاء حدوثه مستقبلاً. ورأى المحاضر خصوصية الحالة السورية ولم يجد من خلال جولاته ولقاءاته في الخارج من يتعامل مع الفساد كما يتعامل القائمون على إدارة الاقتصاد السوري. وتفاءل المحاضر مع تشكيل الحكومة الجديدة أن يكون التعامل مع ملف الفساد بطريقة أكثر واقعية. فالقيادة السورية تبحث عن حلول وما جاء في خطاب السيد الرئيس في مجلس الشعب مؤخراً بما معناه ضرورة العمل بالملف الاقتصادي بطريقة تتماشى مع واقع الناس وخاصة ما يتعلق بتغيير منهجية عمل السلطة التشريعية.
وتمحورت حلول المحاضر لمكافحة الفساد في تسعة نقاط. مفادها ليس حتمياً لمن يتصدى للشأن الاقتصادي أن يكون أكاديمياً بل أن يحمل المسؤول فكراً نقدياً لا تجميلياً دفاعاً عن ذاته. وما نلمسه شخصياً في اللجنة الاقتصادية وجود صقور وحمائم. والمطلوب كفَ يد بعض الصقور الفاسدة والنافذة في الدولة ومنعها من التدخل أو التأثير على القرار المتخذ.. طبعاَ هناك رجالات أكفاء في سوريا وللأسف بسبب صقور الفساد لا تستطيع أن تنجز. للأسف هذا ما نعانيه, وعند صدور مراسيم وقوانين كثيراً ما نصادف مخالفة لجوهر القانون وعلينا البحث عن التوافق ما بين الطرفين. وعلينا في الحالة السورية أن يكون هناك دعامة ثالثة لمكافحة الفساد وهي المجتمع إضافة للمال والسلطة.
ولا يريد المحاضر هنا أن يطور الفساد ولكنه أن يجعل المجتمع يستفيد. وبطريقة هادئة وحكيمة تحقق مصالح الجميع كما كان عليه الحال قبل 2011.. ( أقول هادئة وحكيمة لأنه عادة ما يكون الفاسدون متربصين لأي إجراء يزعج ثرواتهم ) … كما كان علية الحال قبل 2011 وبذلك تعود طبقة المجتمع الوسطى للتشكل من جديد وهذا إن حصل يعتبر إنجاز..!!!..
ويرى المحاضر ضرورة البحث والاجتهاد في تطوير الإدارة وأتمتتها ومحاولة ابتعاد العنصر البشري عن التواصل وخصوصاً في القضايا المالية للوصول إلى مكافحة الفساد الإداري.
وطالما أن الفساد أمر واقع يقترح المحاضر تقييم دوري لأداء المسؤول وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب. فالمعضلة الأساسية في العمل الاقتصادي الحكومي في سوريا أن المسؤول يعمل ولا يتم تقييم أدائه. وهذا ما يسبب من تراخي وتلاشي شريحة المبدعين المخلصين لأنهم لا يجدون تقديراً لجهدهم..
وختم المحاضر تقديم حلوله برؤية أن يكون هناك نوع من التماهي والتفاعل مع الفاسدين لأننا أمام حائط صد لا نستطيع اختراقه . والتعامل مع الفاسد بطريقة ما نحقق مصالحه مع تحقيق صالح المجتمع مع اصراري بأن الحل يجب أن يكون في بتر الفساد وهذا ما لا نستطيع تحقيقه. وأرى أن إعادة الانتاج تعيد الطبقة الوسطى ويكون للفاسدين حصة0.
واشترط تيزيني آلية تنفيذ الحلول من خلال أمانتي رئاسة الجمهورية ومجلس الشعب تضم خبراء ومستشارين ومراقبين يعملون على تنفيذ القرارات بموضوعية.
عصام تيزيني المشاغب الجميل
أدار الندوة فؤاد اللحام أمين سر جمعية العلوم الاقتصادية، الذي رأى بأننا لم نصل إلى حلول ملموسة في مكافحة الفساد ، ويبقى السؤال هل ضعف الراتب مبرر يدفع الناس إلى الفساد ..؟ وكيف نخرج من عنق الزجاجة ونبلور الحلول المقترحة..؟ مشيراً إلى أن عصام تيزيني من المشاغبين ومنتج لأدوية بيطرية وأمين سر غرفة صناعة حمص وعضو مجلس إدارة منطقة حسياء الصناعية ، كلامه مثير للإهتمام وعادة يغرد خارج السرب.
وعقب لحام على المحاضرة بقوله تذكرت قولاً لجبران خليل جبران : يحتاج الحق لرجلين ، رجل يقول، ورجل يسمع ليس بأذنه وإنما بفعله.
المداخلات
أثار الموضوع المقترح قريحة الحضور والمهتمين للنقاش .
البداية كانت مع الدكتور نبيل سكر الذي قال: محاضرتك ركزت على أثر الفساد على الفقر وتوزيع الدخل بينما كنت أتمنى إعطاء حالات للفساد في سورية وكيفية التعامل معها. بينما الحلول المقدمة عامة. وما هو دور هيئة الرقابة والتفيش في مكافحة الفساد. والحكومة نفسها ترتكب حالات من الفساد. فهل نشهد مكافحة للفساد من فوق إلى تحت؟
السيد عماد نداف:
الفساد يتطلب منهجية عمل، والمحاضر اعتمد طريقة السرد وهي ليست دقيقة وغير صحيحة.
السيد محمد الحلاق:
موضوع الفساد حساس ما لم يتم قياسه لا يمكن إدارته. وذكر من الحلول أن نطبق عفى الله عما مضى ومن الآن وصاعداً، هناك ترتيب جديد.
السيد شادي أحمد:
تجرأت وتكلمت عن أحد الفاسدين بقيت سنة في المحاكم. لماذا لا يكون هناك تشريع يضمن حرية الكرامات ويحمي عند الكلام على الفساد.
الدكتور فيصل العطري – رئيس الجالية السورية في الصين:
بدل أن يكون هدفنا تنمية الاقتصاد أصبح الهدف الحفاظ على سعر الدولار. أنا مع مقولة دعه يعمل دعه يمر.
السيد مازن حمور – قال:
ما تم الحديث عنهم أعرفهم وهم فراخ وليسوا صقوراً، وبالنسبة للقرارات التي تصدر هناك خبثاء يجلسون مع المسؤول يطبخون له الطبخة في حال صدور القرار نحقق كذا مليار. وأخالف مقولة عفا الله عما مضى ، لأن من يسرقني آخذ حقي من عيونه. فكيف من سرق تراب الوطن. وهناك طرق لإعادة المال المسروق، ومحاسبة المسيء. ولنكف عن المجاملات والنفاق. فأنا أغلقت معملي كي لا أذهب إلى المنصة. وختم مداخلته بقول يحبه ويعتز به إذا فقدت القيم والأخلاق في المجتمع وانهار الضمير وتسطحت المفاهيم فما عليكم إلا الرجوع إلى أبناء البيوت فهم الدواء لكل داء.
السيد محمود المفتي:
كيف أمنع الفساد عن موظف راتبه 300 ألف ويحتاج إلى مليوني ليرة للعيش . يجب أن أغير من واقعه.
الصحفية ابتسام مغربي:
الفساد محلي ترعاه الحكومة من خلال قراراتها0. عطلت القطاع العام على سبيل المثال ولدينا خبرات واكاديميين قادرين على وضع الحلول للمشكلة دون انتظار ما تم تطبيقه من تجارب.
الردود
الباحث عصام تيزيني أجاب على المداخلات بالقول : ليس استسلاماً ولا انبطاحاً أن ندخل المجتمع كدعامة ثالثة. أتكلم بواقعية لا نقفز فوق الواقع ونعطي حلولا والضرب بيد من حديد وتعليق المشانق لن يحدث هذا. أنا أطرح فكرة واقعية0. طالما لم نستطع بتر الفساد علينا أن نلجأ إلى طريق آخر ونخرج أفكاراً غير اعتيادية . لا أقدم نهجاً انبطاحياً أريد أن نخرج من هذه الحالة. الحالة السورية فريدة من نوعها، فنحن أمام حالة من الفساد لا يمكننا الخروج منها لذلك أقترح حلاً خارج السياق العام طالما أن الأساليب المتبعة خلبية لم تعط نتيجة وإذا أردت أن أحدث عنفاً لا أصل إلى حل.
تصوير: هدى الشعار