التشرذم الجغرافي – الاقتصادي يهدد الأمن الغذائي وفرص التحول إلى الطاقة النظيفة

التشرذم وأسواق السلع الأولية

البلدان منخفضة الدخل ستتحمل الجزء الأكبر من التكلفة الاقتصادية

مقدمة

أدت الحروب والاضطرابات في مختلف دول العالم  إلى تشرذم أسواق السلع الأولية الرئيسة، وقد تؤدي التوترات الجغرافية – السياسية بين بعض الدول إلى تفاقم الوضع.

يستعرض الفصل الثالث من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي كيف يمكن لزيادة الاضطرابات في تجارة السلع الأولية أن تؤثر على أسعار السلع الأولية، والنشاط الاقتصادي، وتحول الطاقة.  ويخلُص هذا الفصل إلى أربع استنتاجات:

الأول – السلع الأولية معرضة بصفة خاصة لمخاطر التشرذم بسبب تركز عمليات الإنتاج، وصعوبة إيجاد بدائل لاستهلاكها، ودورها الحيوي في التكنولوجيا.

الثاني – زيادة التشرذم قد تؤدي إلى تذبذبات كبيرة في أسعار السلع الأولية والمزيد من التقلبات.

الثالث – اضطرابات تجارة السلع الأولية قد تتفاوت آثارها إلى حد كبير عبر مختلف البلدان، وإن كانت الخسائر على مستوى العالم تبدو معتدلة نظراً لما يصاحبها من آثار موازنة في مختلف البلدان. لكن من المتوقع أن تتحمل البلدان منخفضة الدخل، الجزء الأكبر من التكلفة الاقتصادية نتيجة اعتمادها الكبير على الواردات الزراعية.

الرابع – تشرذم أسواق الموارد المعدنية سيجعل تحول الطاقة أكثر تكلفة، مما سيؤدي إلى تراجع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية بواقع الثُلث بحلول عام 2030 حسب السيناريو التوضيحي. غير أن اتفاقات ممرات الشحن الخضراء يمكن أن تضمن تدفق الموارد المعدنية الحيوية عبر أنحاء العالم.

ومن شأن الاتفاقات المماثلة حول السلع الغذائية الأساسية أن تحقق الاستقرار في الأسواق الزراعية. وستتيح مثل هذه الاتفاقات حماية الأهداف العالمية المعنية بتجنب آثار تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي.

التشرذم وأسواق السلع الأولية مواطن الضعف والمخاطر

أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تشرذم أسواق السلع الأولية الرئيسية، وقد تؤدي التوترات الجغرافية – السياسية إلى تفاقم الوضع.

يستعرض الفصل الثالث من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي من إعداد صندوق النقد الدولي، [1] كيف يمكن لزيادة الاضطرابات في تجارة السلع الأولية أن تؤثر على أسعار السلع الأولية، والنشاط الاقتصادي، وتحول الطاقة.  ويخلُص هذا الفصل إلى أربع استنتاجات:

الأول – السلع الأولية معرضة بصفة خاصة لمخاطر التشرذم بسبب تركز عمليات الإنتاج، وصعوبة إيجاد بدائل لاستهلاكها، ودورها الحيوي في التكنولوجيا.

الثاني – زيادة التشرذم قد تؤدي إلى تذبذبات كبيرة في أسعار السلع الأولية والمزيد من التقلبات.

الثالث – اضطرابات تجارة السلع الأولية قد تتفاوت آثارها إلى حد كبير عبر مختلف البلدان، وإن كانت الخسائر على مستوى العالم تبدو معتدلة نظراً لما يصاحبها من آثار موازنة في مختلف البلدان. لكن من المتوقع أن تتحمل البلدان منخفضة الدخل، الجزء الأكبر من التكلفة الاقتصادية نتيجة اعتمادها الكبير على الواردات الزراعية.

الرابع – تشرذم أسواق الموارد المعدنية سيجعل تحول الطاقة أكثر تكلفة، مما سيؤدي إلى تراجع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية بواقع الثُلث بحلول عام 2030 حسب السيناريو التوضيحي. غير أن اتفاقات ممرات الشحن الخضراء يمكن أن تضمن تدفق الموارد المعدنية الحيوية عبر أنحاء العالم.

ومن شأن الاتفاقات المماثلة حول السلع الغذائية الأساسية أن تحقق الاستقرار في الأسواق الزراعية. وستتيح مثل هذه الاتفاقات حماية الأهداف العالمية المعنية بتجنب آثار تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي.

وقد سلط تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2023 الضوء على كيف يمكن أن تؤثر المزيد من الاضطرابات في تجارة السلع الأساسية على أسعار السلع الأساسية، والنشاط الاقتصادي، وتحول الطاقة.

على الرغم من انخفاض أسعار السلع الأساسية في الآونة الأخيرة، إلا أن إنتاج السلع الأساسية (خاص بالأرض إلى حد كبير) وكذلك خصائص الاستهلاك (التي يصعب استبدالها، ولكنها ضرورية لمعدات التكنولوجيا الفائقة وانتقال الطاقة) أدت إلى تجارة السلع الأساسية.

ويظهر التحليل أن التغييرات في التحالفات العسكرية بسبب التوترات الجيوسياسية المتزايدة يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في التدفقات التجارية وتجزئة تجارة السلع الأساسية. حرفياً، يرتبط تزايد مسافة التحالفات العسكرية بانخفاض أكثر من 35% في تجارة المعادن. [2]

علاوة على ذلك، يؤكد خبراء صندوق النقد الدولي أنه من المتوقع أن ترتفع أسعار السلع الأساسية، مما يؤدي إلى استثمار “أقل من اللازم” بنسبة تصل إلى 30٪ في مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية بحلول عام 2030.

 

التشرذم الجغرافي – الاقتصادي يهدد الأمن الغذائي وفرص التحول إلى الطاقة النظيفة

توفير ممرات للسلع الغذائية الأساسية والموارد المعدنية الحيوية يمكن أن يمنع وقوع أزمات الغذاء ويساعد على بقاء التحول الأخضر على المسار الصحيح.

خورخيه الفاريز، مهدي بن عطية الأندلسي، مارتن شتومر

3 أكتوبر 2023

أدت الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022 إلى تشرذم أسواق السلع الأولية الرئيسية. وفرضت بلدان العالم منذ ذلك الوقت قيودا على التجارة في السلع الأولية، بزيادة التدابير الجديدة على مستوى السياسات بما يتجاوز الضعف مقارنة بعام 2021.

وتعتبر السلع الأولية، لا سيما الموارد المعدنية ذات الأهمية البالغة للتحول الأخضر وبعض السلع الزراعية المتداولة على نطاق واسع، عرضة بصفة خاصة للمخاطر في حالة ازدياد حدة التشرذم الجغرافي-الاقتصادي، حسبما نوضح في أحد فصول أحدث إصداراتنا من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي.

وقد تؤدي زيادة التشرذم إلى اضطراب أسواق السلع الأولية، مما يتسبب في حدوث تقلبات كبيرة في الأسعار. وبينما ستظل الخسائر الاقتصادية العالمية على المدى الطويل البالغة نحو 0,3% محدودة نسبيا نتيجة الآثار الموازنة بين البلدان المنتجة الصافية والبلدان المستهلكة الصافية، فإن البلدان منخفضة الدخل وغيرها من البلدان المعرضة للمخاطر سوف تتحمل العبء الأكبر. وتبين نماذج المحاكاة التوضيحية التي أعددناها أن هذه البلدان قد تتحمل خسائر على المدى الطويل في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 1,2% في المتوسط، نابعة إلى حد كبير من الاضطرابات في الواردات الزراعية.

وقد تتجاوز الخسائر 2% في بعض البلدان، مما قد يؤدي إلى تفاقم المخاوف بشأن الأمن الغذائي، نظرا لأن البلدان منخفضة الدخل تعتمد بصفة خاصة على واردات الغذاء لإطعام شعوبها.

تشرذم الأسواق القيود التجارية على السلع الأولية سجلت طفرة في 2022

وتُعزى هذه الآثار المعاكسة جزئيا إلى التركز الشديد في إنتاج السلع الأولية، الناتج غالبا عن المزايا على مستوى المناطق في ثروات الموارد الطبيعية. فأكبر ثلاثة بلدان موردة للموارد المعدنية، على سبيل المثال، تمثل 70% تقريبا من إنتاج التعدين العالمي في المتوسط. وقد تستغرق زيادة طاقة التعدين والمعالجة سنوات طويلة، وهو ما يترتب عليه بطء الاستجابة للإشارات السعرية.

وفي الوقت نفسه، نجد أن بعض السلع الأولية كالغذاء والطاقة لها دور محوري في استهلاك الأسر، في حين أن كثيرا من الموارد المعدنية تمثل مستلزمات إنتاج رئيسية في التكنولوجيا والصناعات التحويلية الحيوية. وينشأ عن هذا المزيج من العرض المركز والطلب واسع النطاق ازدياد كثافة التجارة في السلع الأولية، حيث تعتمد بلدان كثيرة بشدة على الواردات من عدد قليل فقط من البلدان الموردة. وهذا ما يجعل السلع الأولية أكثر عرضة للمخاطر في حالة فرض القيود التجارية.

تركز الإنتاج قلة من البلدان توفر الجانب الأكبر من كل سلعة من السلع الأولية في العالم.

وتفيد دراستنا البحثية باحتمال حدوث تقلبات كبيرة في الأسعار نتيجة تشرذم أسواق السلع الأولية العالمية بحيث تنقسم إلى كتلتين افتراضيتين على أساس جغرافي-سياسي، استنادا إلى التصويت في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر مارس 2022 على مطالبة روسيا بإنهاء الحرب التي شنتها على أوكرانيا. وقد يتسبب هذا التشرذم أيضا في فروق كبيرة في الأسعار بين الكتلتين، ولا سيما أسعار الموارد المعدنية ذات الأهمية البالغة للتحول الأخضر والسلع الزراعية المتداولة على نطاق واسع.

وقد يزداد تقلب الأسعار كذلك في عالم يتسم بالتشرذم. فالأسواق التي تعاني من التشرذم لن توفر سوى القليل من هوامش الأمان لاستيعاب صدمات السلع الأولية في المستقبل، مثل مواسم الحصاد الضعيفة أو الظواهر المناخية المتطرفة. وعلاوة على ذلك، فإن مجرد قيام بلد واحد منتج للسلع الأولية بتحويل ولائه الجغرافي-السياسي يمكن أن يتسبب في تقلبات هائلة في الأسعار.

مخاطر تحول الطاقة

تشرذم السلع الأولية يمكن أن يعرقل تحول نظام الطاقة في العالم. ففي سبيل تحقيق مستهدفات الصفر الصافي لانبعاثات الكربون، من المنتظر أن يرتفع الطلب على الموارد المعدنية عدة أضعاف في السنوات القادمة. ولتلبية هذا الطلب يتعين تحقيق زيادة سريعة في الإمدادات. ولما كانت الرواسب الطبيعية المربحة من الناحية الاقتصادية مركزة في بلدان قليلة فإن التجارة تصبح ضرورية لضمان الوصول لمثل هذه الموارد. وتشرذم الأسواق يمكن أن يؤدي إلى تعقيد الأمر.

ومن خلال السيناريو الافتراضي الذي وضعناه والذي تتعرض فيه تجارة الموارد المعدنية الحيوية بين الكتل التجارية للاضطراب، من الممكن أن ينخفض الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية بنسبة تصل إلى 30% بحلول عام 2030، مقارنة بعالم لا يتسم بالتشرذم. وقد يؤدي ذلك إلى تباطؤ جهود تخفيف آثار تغير المناخ.

آثار غير متوازنة التشرذم يلحق ضررا أشد بالبلدان منخفضة الدخل وقد يعوق الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية.

الدعوة إلى التعاون متعدد الأطراف

تستعرض استنتاجاتنا حجة أخرى داعمة للتعاون متعدد الأطراف في السياسات التجارية. وإذا ظل التعاون الكامل بعيد المنال، فلا بد من البحث عن حلول عملية للتعامل مع التحديات الأكثر إلحاحا، وهي التخفيف من مخاطر انعدام الأمن الغذائي ودعم التحول إلى الطاقة الخضراء.

ويتعين بذل الجهود العاجلة لضمان تدفق الغذاء دون عائق وتقليص مخاطر انعدام الأمن الغذائي إلى أدنى حد في البلدان منخفضة الدخل، وخاصة في ظل زيادة تواتر وكثافة الظواهر المناخية والكوارث الطبيعية.

وبالمثل، ينبغي أن تركز الجهود متعددة الأطراف على إعطاء الأولوية لإنشاء “ممر تجاري أخضر”، ينطوي على حد أدنى من الاتفاق بالحفاظ على تدفق الموارد المعدنية الحيوية. ومن شأن ذلك أن يساعد على تجنب آثار تغير المناخ.

وبينما يعكف صناع السياسات على التخفيف من حدة مخاطر التشرذم، بإمكان البلدان اتخاذ خطوات استباقية للحد من التداعيات الاقتصادية المحتملة. وقد تشمل الاستراتيجيات في هذا الشأن تنويع مصادر إمدادات السلع الأولية، وزيادة الاستثمار في التعدين والتنقيب وإعادة تدوير الموارد المعدنية.

وينبغي أن تنظر البلدان في اعتماد سياسات أوسع نطاقا لتعزيز الصلابة في مواجهة الصدمات، بما في ذلك:

أطر أكثر صلابة للسياسات الاقتصادية الكلية والهيكلية وسياسات المالية العامة

احتياطيات وقائية وفيرة على مستوى المالية العامة والقطاع المالي

شبكات أمان معززة

التأهب للاضطرابات المفاجئة في إمدادات السلع الأولية

ومن شأن استحداث مبادرة دولية لتحسين تبادل البيانات وتوحيدها في أسواق الموارد المعدنية أن يحد أيضا من أجواء عدم اليقين السوقية.

وقد يتسبب تشرذم أسواق السلع الأولية في خلق بيئة عالمية أكثر اختلالا، مما يشكل تهديدات على الأمن الغذائي والنمو الاقتصادي وتكلفة جهود التخفيف من آثار تغير المناخ. وتعرض استنتاجاتنا حجة أخرى داعمة للتعاون متعدد الأطراف في السياسات التجارية لمنع حدوث مثل تلك النتائج.

تستند هذه التدوينة إلى الفصل الثالث بعنوان “التشرذم وأسواق السلع الأولية: مواطن الضعف والمخاطر” من عدد أكتوبر 2023 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي. وقام بتأليف هذا الفصل خورخيه الفاريز، ومهدي بن عطية الأندلسي، وكريستوفر إيفانز، وكيارا ماغي، وماريكا سانتورو، وألكسندر سولاكي، ومارتن شتومر، بمساهمة كل من مارين بولهاوس، وتياتشين شن، وبنجامين كيت، وسون مو تشوي، وبيتر نيغول، وأليساندرا سوتسي، وبتوجيه من بيتيا توبالوفا.

https://www.imf.org/ar/Blogs/Articles/2023/10/03/geoeconomic-fragmentation-threatens-food-security-and-clean-energy-transition

[1] – يعرض هذا التقرير تحليل خبراء الصندوق وتوقعاتهم بشأن تطورات الاقتصاد العالمي في مجموعات البلدان الرئيسية (التي تصنف حسب المنطقة ومرحلة التطور، إلخ)، وفي كثير من البلدان المنفردة. ويركز التقرير أيضا على أهم قضايا السياسة الاقتصادية وتحليل تطورات الاقتصاد وآفاقه المتوقعة. وعادة ما يتم إعداد هذا التقرير مرتين سنويا في سياق إعداد الوثائق المطلوبة لاجتماعات اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية، كما يستخدم باعتباره الأداة الرئيسية لأنشطة الصندوق في مجال الرقابة الاقتصادية العالمية.

[2] – أنظر أليزا بشيجيتسكا، Eliza Przezdziecka S G H

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

خمسة عشر − إحدى عشر =

آخر الأخبار