التطور الاقتصادي التاريخي للمجتمع البشري

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

التطور الاقتصادي التاريخي للمجتمع البشري

ما هي المادية العلمية ؟ | المادية العلمية

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

يبدو تاريخ البشرية ما هو إلا سلسلة مترابطة من المراحل التاريخية ولكنها متباينة من حيث مستوى التطور الاقتصادي، لذلك لا بد من تقديم دراسة تاريخية حول تطور الأنظمة الاجتماعية الاقتصادية التي سبقت ظهور الأنظمة الاقتصادية الحديثة (الرأسمالية والاشتراكية)، للأسباب الآتية: [1]

  • ضرورة دراسة المجتمعات الاقتصادية القديمة بهدف معرفة نشوء الحياة الاقتصادية وتطورها الاقتصادي عبر التاريخ.
  • تساعد معرفة القوانين الاقتصادية في الأنظمة الاقتصادية القديمة، على فهم طبيعة وقوانين الأنظمة الاقتصادية الحديثة والظواهر والعلاقات الاقتصادية المختلفة.
  • تسهم دراسة الأنظمة الاقتصادية القديمة، في فهم الكثير من الظواهر والعلاقات الاقتصادية القائمة بين العديد من البلدان، مع الوضع في الحسبان الأوضاع التاريخية والعالمية الراهنة.

إن دراسة الأنظمة الاقتصادية التي سبقت النظام الرأسمالي، وتوضيح الجوانب والسمات الأساسية لهذه الأنظمة، أسهل بكثير من دراسة الأنظمة الاقتصادية الحديثة، وذلك بسبب عدم تشعب العملية الاقتصادية وتداخلها في هذه الأنظمة. ومن خلال دراسة تاريخ تطور الأنظمة الاقتصادية الاجتماعية تتوضح لنا العلاقة بين علم الاقتصاد والتاريخ.

مستوى تطور القوى المنتجة:

يحدد مستوى تطور القوى المنتجة في أي تشكيلة اجتماعية اقتصادية طابع علاقات الإنتاج السائدة في ظـل هذه التشكيلة، إلى جانب شكل ملكية وسائل الإنتاج. ومن أجل وصف جوهر علاقات الإنتاج، لا بد، قبل كل شيء، من تحديد شكل ملكية وسائل الإنتاج، وما هو الأسلوب الذي اتبع في تحقيق الملكية، ثم كيف يتم توزيع المنتوجات، وأخيراً تحديد وضع مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية وعلاقتها المتبادلة أثناء عملية الإنتاج.

تكشف لنا قصائد هوميروس في رائعته “الالياذة”، في اليونان القديم (الادوات الحديدية المتقنة ومنفاخ الحدادة والطاحونة اليدوية، ودولاب الفاخوري وصناعة الزيت والنبيذ وشغل المعادن المتطور وبسبيل التحول الى حرفة فنية، العربة البضاعية والعربة القتالية وبناء السفن من الجذوع والالواح الخشبية وبداية المعمار بوصفه فناً والمدن المحاطة بأسوار مسننة وابراج). [2] ذلك هو التراث الرئيس الذي نقله اليونانيون من البربرية الى الحضارة.

زيادة انتاجية عمل الانسان:

اسفر تطور القوى المنتجة عن زيادة محسوسة في انتاجية عمل الانسان وفي سيطرة الانسان على الطبيعة، ووفر له المزيد من منتجات الاستهلاك ولكن القوى المنتجة الجديدة في المجتمع لم يعد في وسعها ان تبقى في إطار علاقات الانتاج القائمة، فإن إطار الملكية المشاعية الضيق وتوزيع منتجات العمل بالتساوي اخذا يعرقلان تطور القوى المنتجة ولم يبق أي مبرر لضرورة العمل المشترك وظهرت ضرورة العمل الفردي، وإذا كان العمل المشترك قد تطلب الملكية (المشتركة) لوسائل الانتاج فان العمل الفردي تطلب الملكية الخاصة (الفردية) لوسائل الإنتاج، وهكذا ظهرت الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ونشأ مع ظهورها الاستغلال والتفاوت في الثروة بين الناس سواء بين العشائر ام داخل العشيرة بالذات وانقسم المجتمع إلى فئتين الاغنياء والفقراء، ومع نمو القوى المنتجة شرع الانسان ينتج من مقومات المعيشة اكثر مما ينبغي للقيام بالأود، وفي هذه الحال اصبح من الممكن ان يستخدم فرد في استثماراته الخاصة شغيلة آخرين يعطي عملهم كذلك فائضاً من المنتجات، واصبح من الممكن تكريس المنتج الفائض ومبادلته بسلع غير متوافرة في الاستثمار الخاص، وهؤلاء الشغيلة كانت تؤمنهم الحرب فأخذوا يحولون الاسرى الى أرقاء، في البدء ارتدى الرق طابعاً بطريركياً (بيتياً) ثم غدا اساس وجود النظام الجديد، (إن ضم العبيد الى هذه العائلة والسلطة الابوية هما العلامتان الجوهريتان اللتان تميزان هذه العائلة، ولهذا كانت العائلة الرومانية النموذج النهائي الكامل لهذا الشكل من العائلة. ان كلمة Familia لا تعني في الاصل المثال الاعلى للبرجوازي الصغير التافه المعاصر الذي يجمع في ذاته بين العاطفية والمشاجرات البيتية، بل أنها لا تعني بادئ ذي بدء عند الرومانيين الزوج والزوجة والاولاد، بل تعني العبيد فقط. ان كلمة Famulus تعني العبد البيتي وكلمة Familia تعني مجموعة من العبيد الذين يخضعون رجلاً واحداً، وحتى زمن غايوس كانت Familia id est patrimonium (أي الميراث) تورث بالوصية وقد استنبط الرومانيون هذا التعبير لأجل تعريف الهيئة الاجتماعية الجديدة التي كان رئيسها سيداً على المرأة والاولاد وعدد معين من العبيد وكان يملك بحكم السلطة الابوية الرومانية حق الحياة والموت على جميع هؤلاء الاشخاص الخاضعين له). [3]

يقول ماركس حول هذا الموضوع “إن العائلة العصرية لا تنطوي على جنين العبودية وحسب بل ايضاً على جنين القنانة لأنها مقرونة منذ بادئ بدء بفروض (خدمات) زراعية وهي تنطوي بشكل مصغر على جميع التناقضات التي تطورت فيما بعد على نطاق واسع في المجتمع وفي دولته”. [4]

تطور إنتاج الخيرات المادية:

ولأجـل فهم التطور الاقتصادي التاريخي للمجتمع البشري، من الضروري قبل كل شيء اعتماد العامل الحاسم ألا وهو تطور إنتاج الخيرات المادية، من خلال تطور أدوات العمل المستخدمة في عملية الإنتاج وعلاقات الإنتاج وتطور قوى الإنتاج الاجتماعية.

الإنتاج هو عملية تقانية – اقتصادية، أزلية ومستمرة، وكذلك عملية التوزيع (توزيع خيرات ونتائج العملية الإنتاجية)، بهدف تلبية الحاجات الإنسانية وإشباعها. وتتكون العملية الاقتصادية من الإنتاج والاستهلاك بافتراضهما الشكلين الأساسيين لنشاط الإنسان. والسبب في قيام الإنسان بعملية الإنتاج هو أن الطبيعة لا تلبي له حاجاته بصورة مباشرة، لذلك يتطلب تكييف الثروات الطبيعية جهوداً معينة لتتحول إلى سلع وخيرات تلبي حاجات الإنسان. والتوزيع والاستهلاك ناجمان عن ضرورة تقسيم نتائج عملية الإنتاج بين أعضاء المجتمع، حيث لا يسهم جميع أفراد المجتمع في الإنتاج الاجتماعي. ولا تكتمل عملية إنتاج الخيرات المادية والسلع إلا باجتماع عناصر الإنتاج الرئيسة الثلاثة، مواضيع العمل، أدوات العمل والعمل.

كلية الاقتصاد – جامعة دمشق

[1] – انظر: – د. محمد سعيد نابلسي، الاقتصاد السياسي، جامعة دمشق 1985، ص47-48.

[2]  –  د. خليل اندراوس، حول أساليب الانتاج قبل الرأسمالية – والحتمية التاريخية للأزمة العامة، 5 كانون الأول/ديسمبر 2018، http://www.khalil-andrawes.com/index.php/blog/item/166-2018-12-05-08-18-16

[3]  – انجلز – كتاب أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة – كتاب مختارات ماركس وانجلز مجلد 3 – صفحة 221.

[4]  – ماركس. انجلز المجلد 9 – ص 31.

آخر الأخبار