استراتيجية التنمية لقمة مجموعة العشرين سان بطرسبرغ
استراتيجية التنمية لقمة مجموعة العشرين سان بطرسبرغ |
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري |
في مدينة سان بطرسبرغ الروسية (مسقط رأس الرئيس بوتين) اجتمع قادة مجموعة العشرين الكبار يومي الخميس والجمعة 5 و6 سبتمبر/أيلول 2013، واستعرض قادة المجموعة التطورات الحاصلة خلال السنوات الخمس التي مرت على اجتماعهم الأول لرؤساء دول وحكومات هذه المجموعة. ناقش المجتمعون موضوعات عديدة أهمها النمو الاقتصادي والاقتصاد العالمي، إستراتيجية تحديد أولويات التنمية لدول المجموعة على المدى المتوسط، مساعدة الدول منخفضة الدخل، والأزمة السورية والعدوان الأمريكي الذي كان متوقعاً على سورية. وتتولى روسيا الدولة المضيفة للقمة الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين لعام 2013. في بداية القمة صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمشاركين فيها قائلاً: رغم تحسن الوضع بفضل الإجراءات التي اتخذتها الدول الأعضاء بالمجموعة إلا أنه لا يزال من المبكر للغاية أن نشعر بالرضا، وتكمن المهمة الرئيسة للمجموعة في استعادة النمو المستدام والمتوازن للاقتصاد العالمي. لكن للأسف لم تحل هذه المشكلة بعد فثمة مخاطر وأوضاع منهجية تفضي إلى تكرار حدوث أزمات اقتصادية حادة في العالم. وأكد الرئيس الروسي بوتين بأنه: تم إعداد خطة بطرسبرج للتنمية بهدف تحديد أولويات مجموعة العشرين في تنمية اقتصادات دول المجموعة والنمو الاقتصادي العالمي ومساعدة الدول منخفضة الدخل وضمان الأمن الغذائي وتنمية البنية التحتية ورأس المال البشري وكذلك تعبئة الموارد المحلية. إيجاد حلول لمسائل حساسة جداً: وقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمته خلال افتتاح أعمال القمة، أن قمة العشرين أكدت قدرتها على إيجاد حلول لمسائل حساسة جداً، مذكّراً بالاقتراحات التي تقدمت بها روسيا الاتحادية، والتي من شأنها أن تحول دون اندلاع أزمات اقتصادية ومالية عالمية جديدة، ومن بينها تخفيض عجز الميزانية والحد من حجم دين الدولة في البلدان المتطورة والقضاء على السلبيات في مجال التنظيم المالي وحل مشكلة نقص الموارد. وأشاد بوتين بالخطوات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي بغية تشكيل آلية الاستقرار الأوروبية، وإضعاف العلاقة بين ديون الدولة في بعض الدول الأوروبية والمنظومة المصرفية الراكدة، معتبراً أن الاقتصاد العالمي بحاجة إلى إصلاحات هيكلية شاملة تضمن النمو المستقر طويل الأجل. إستراتيجية سان بطرسبرغ للتنمية: حددت لجنة أعمال التنمية لمجموعة العشرين بالتفصيل إستراتيجية سان بطرسبرغ للتنمية وتتمثل أولوياتها بتدعيم التزام مجموعة العشرين بالتنمية المشتركة وتحسين نهج تحقيق التنمية الذي تسلكه دول المجموعة. وقد أعطت روسيا في وضع إستراتيجية مجموعة العشرين للتنمية الأولوية للجوانب الآتية: • خلق فرص عمل جيدة، • زيادة الاستثمارات، • تحقيق الشفافية والثقة، • وضع قواعد فعالة للنمو الاقتصادي. • تجنب السياسات التي قد تؤدي إلى تباطؤ التعافي أو تعزيز النمو على حساب الدول الأخرى. وكان وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف قد صرح للصحافة قائلاً: نحن بحاجة إلى إجراء مراقبة مستمرة وتوقع العواقب المحتملة واعتماد إجراءات وقائية أخرى على نحو يأتي في حينه على المستويين الوطني والعالمي… ولكن دعونا مرة أخرى نكرر أن الهدف الرئيس يكمن في توفير الشروط الأساسية لانتعاش الاقتصاد العالمي عبر تنمية عالية الجودة… ومن ثم فإن تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل أمران حاسمان بالنسبة لرئاسة روسيا لمجموعة العشرين. الحد من ارتفاع مستوى البطالة: تواجه دول مجموعة العشرين مشكلات في مسألة التوظيف، حيث أفرزت هذه المسألة مشكلات اجتماعية في بعض دول العالم، وإذا لم تتخذ إجراءات حازمة في هذا الإطار فمن المستبعد أن يتغير هذا الوضع، لذلك لا بد من أن تجري حلول وتحركات لعلاج هذه المشكلة. مع التأكيد على ضرورة انتهاج سياسة جديدة تتماشى مع الواقع المحلي لكل دولة بهدف إحداث فرص عمل جديدة لتأمين تطور مستدام، وقد بدأت بعض الدول بتطبيق هذه السياسة، ومنها روسيا التي وضعت هذا العام خطة طموحة للغاية لخلق حوالي 25 مليون فرصة عمل جديدة. وكان من أهم القضايا الاقتصادية التي تمت مناقشتها خلال انعقاد قمة مجموعة العشرين في سان بطرسبورغ، مسألة إيجاد حلول ناجعة لمشكلة البطالة في العالم. وفي هذا السياق دعا رئيس منظمة العمل الدولية غاي رايدر، دول العالم إلى التحرك للحد من ارتفاع مستوى البطالة، والعمل على خلق فرص عمل جديدة مناسبة. وقال رايدر: في بلدان مجموعة العشرين وحدها يوجد حوالي 93 مليون عاطل عن العمل، وهو رقم يوازي عدد سكان ألمانيا، فيما يبلغ العدد الكلي للعاطلين عن العمل في العالم برمته حوالي 200 مليون. وذكر الإعلان المشترك الذي صدر بعد انتهاء القمة التي استمرت يومين في سان بطرسبورغ، إن تعزيز النمو وخلق الوظائف على رأس أولوياتنا وسنلتزم بشكل كامل باتخاذ إجراءات حاسمة للعودة إلى مسار نمو غني بالوظائف وقوي ومستدام ومتوازن. كما أشار الإعلان المشترك لمجموعة العشرين يقع على عاتقنا باعتبارنا قادة اكبر اقتصاديات في العالم مسؤولية مشتركة لتعزيز المنظومة الاقتصادية العالمية المنفتحة والقائمة على القواعد.. نحن ملتزمون بالعمل معا للتعامل مع التحديات الاقتصاديات العالمية الرئيسية. وأكدت منظمة التجارة العالمية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إن هناك حاجة إلى تعزيز التعاون متعدد الأطراف، وطلبت من دول مجموعة الـ20 إظهار القيادة في الحفاظ على أسواقها مفتوحة. وقال الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنجيل جوريا إن إغراءات التوجه نحو الحمائية بلغت الآن أشدها مقارنة بأي وقت مضى حيث مازالت الأزمة تقويض اقتصاداتنا. وأكد انه يتعين على زعماء مجموعة الـ20 الاضطلاع بدور أساسي في تنشيط التجارة المتعددة الأطراف ونظام الاستثمار، قائلا إنه لابد أن تلتزم الحكومات الآن أكثر من أي وقت مضى بتعهداتها المتعلقة بتحقيق استثمارات مفتوحة وشفافة. في ظل العولمة الاقتصادية أصبحت الاقتصادات العالمية مترابطة على نحو متزايد، ومن الممكن أن تؤثر الإجراءات المالية والنقدية التي تتبناها دولة ما على بقية دول العالم. في مثل هذه الظروف، تقتضي الحاجة لتنسيق السياسات أو حتى نظام حوكمة عالمي عادل، بدلاً من المسكنات قصيرة المدى، للمساعدة في تحقيق النمو الاقتصادي المطرد. ومن الضروري التنسيق بين الدول الأعضاء لتيسير إصلاح النظام المالي الدولي وإقامة صيغة جديدة لحصص صندوق النقد الدولي، مشيرين إلى أن عملية الإصلاح وإعادة الهيكلة يمكن أن تتم عندما تستوعب كل دولة عضو المصالح الوطنية والمشتركة. الأزمة السورية تهيمن على قمة مجموعة العشرين في سان بطرسبرج: في بداية أعمال القمة اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مناقشة الملف السوري خلال مأدبة العشاء، وقال إن بعض المشاركين (في القمة) طلبوا مناقشة مسائل السياسة الدولية التي ليست مدرجة على جدول أعمالنا، بما في ذلك الوضع في سورية.. وأضاف أقترح القيام بذلك أثناء مأدبة العشاء.. والآن سنناقش القضايا التي اجتمعنا من أجل بحثها أصلاً، والتي تعتبر رئيسية بالنسبة لدول مجموعة العشرين… شهدت اجتماعات قمة العشرين في سان بطرسبورغ مشاورات مكثفة حول سورية، وسط تأكيدات من جانب دبلوماسيين في الأمم المتحدة أن الزعماء المشاركين سيبذلون قصارى جهدهم لتسريع انعقاد مؤتمر جنيف 2 الذي تحاول الأسرة الدولية منذ أشهر عديدة عقده لإيجاد حل سلمي للأزمة السورية، استكمالاً لمؤتمر سابق عقد في جنيف في 30 يونيو/ حزيران 2012، رغم الاستعدادات العسكرية الجارية بقيادة الولايات المتحدة للعدوان وتوجيه ضربة عسكرية محدودة لسورية. وقال سفير أستراليا لدى الأمم المتحدة غاري كوينلان، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي لشهر سبتمبر/ أيلول لعام 2013: إنه حتى وإن كان الخلاف لا يزال قائماً بين روسيا والغرب بشأن الضربة العسكرية التي تعتزم واشنطن توجيهها لسورية، فإن أعضاء مجلس الأمن متفقون على أنه مازال عقد مؤتمر جنيف 2 أمراً ضرورياً وملحاً. كان من المفترض أن تحتل المشكلات الاقتصادية العالمية صدارة أجندة قمة مجموعة العشرين الكبار، التي تترأسها روسيا حالياً، إلا أن الحدث السوري الساخن فرض بقوة نفسه على جدول النقاش، خاصة مع وجود خلافات كبيرة بين أبرز أعضاء المجموعة حول طريقة التعامل مع الملف السوري. * كلية الاقتصاد – جامعة دمشق alkafry@scs-net.org |