الرأسمالية كنظام اقتصادي اجتماعي

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

الرأسمالية كنظام اقتصادي اجتماعي

تاريخ النظام الرأسمالي - سطور

Contents

أولاً – تطور أشكال النظام الرأسمالي: 3

1 – الرأسمالية التجارية (المركنتالية): 3

2 – الرأسمالية الصناعية: 4

3 – الرأسمالية المالية: 4

ثانياً – مراحل تطور الرأسمالية بوصفها نظاماً اقتصادياً واجتماعياً 4

ثالثاً – أسس النظام الاقتصادي الرأسمالي: 5

1 – احترام الملكية الفردية: 5

2 – عدم تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي: 6

3 – الحرية الاقتصادية (حرية النشاط الاقتصادي): 6

4 – اعتماد قانون المنافسة: 6

5 – السعي لتحقيق المزيد من الأرباح (حافز الربح): 7

6 – آلية السوق: 7

رابعاً – مزايا النظام الاقتصادي الرأسمالي: 8

خامساً – عيوب ومساوئ النظام الاقتصادي الرأسمالي: 8

سادساً – الليبرالية الجديدة ونقض السياسات الاقتصادية الكينزية: 10

1 – ما هي الليبرالية الجديدة؟ 10

2 – صعود نموذج المحافظين الجدد: 10

3 – الأزمة المالية العالمية وسياسات الليبراليون الجدد: 13

سابعاً – إخفاق آلية السوق وانهيار الليبرالية الجديدة: 15

ثامناً – مستقبل الرأسمالية: 16

الرأسمالية كنظام اقتصادي اجتماعي

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

كلية الاقتصاد – جامعة دمشق

بدأ تاريخ النظام الرأسمالي، عندما توحدت مقاطعات إنكلترا وفرنسا وهولندا وإسبانيا في القرن الخامس عشر، وما حققته من اكتشافات جغرافية وتأسيس مستعمرات لها، فتح لها أسواقاً تجارية خارجية ومصدراً للحصول على المواد الأولية وكميات ضخمة من الذهب والفضة الموجودة في مناجم المستعمرات، مما أدّى إلى تراكم رأس المال والتحوّل في أسلوب الإنتاج الرأسمالي. وكانت الثورة الصناعية هي العامل الأساسي لتطور النظام الرأسمالي في تاريخ النظام الرأسمالي، وعملت على إثراء الطبقة البرجوازية وتمركز رؤوس الأموال فيها، وتعزيز أسلوب الإنتاج الرأسمالي بينها. [1]

وتعود جذور النظام الرأسمالي إلى الأطماع الاستعمارية والحروب، وتراكم الأموال والثروات والرغبة الجامحة لدى  بعض الأشخاص في تحقيق المزيد من الربح، استيقظت أوروبا المفككة والتي عاشت تاريخاً من التخلف والظلام مع أولى الحروب الصليبية على ثروات المشرق، فتتابعت حملات حكام أوروبّا على المشرق، مستغلين في حملاتهم الفلاحين الفقراء الراغبين بالتحرّر من لهيب الإقطاع والفقر الشديد، وبالتالي جلبت الحروب الصليبية لأوروبا مزايا وثروات من المشرق، ساعدت على إحداث انقلابات جذرية، وهيأت الأسباب لظهور الثورة الصناعية في بيئة مناسبة لها.  [2]

ويرى ماركس وفقاً للحتمية التاريخية أن الرأسمالية هي ثمرة التطور الصناعي والنقلة النوعية في وسائل الإنتاج – المتخلفة – في النظام الإقطاعي إلى وسائل متطورة نتيجة الثورة الصناعية أحد أسباب نشوء وتطور الرأسمالية، ونتيجة التوسع الكبير في الإنتاج ظهرت مرحلة الإمبريالية مع ظهور شركات احتكارية عالمية تسعى للسيطرة على العالم فبدأت الحملات العسكرية الهادفة لاحتلال أراضي الآخرين و تأمين أسواق لتلك الشركات وهذا يعرف بالحقبة الاستعمارية. يؤمن النظام الرأسمالي بالفكر الليبرالي أي انتهاج الرأسمالية كنظام اقتصادي (الملكية الفردية، حرية النشاط الاقتصادي، عدم تدخل الحكومات، وحافز الربح)، والديمقراطية كنظام سياسي، وتعد المقولة الفرنسية ( دعه يعمل دعه يمر ) هي الشعار المثالي للرأسمالية التي تعتمد حرية التجارة ونقل البضائع والسلع بين البلدان دون قيود جمركية. [3]

النظام الرأسمالي نظام اقتصادي، سياسي واجتماعي يقدس الحرية ويمجد الملكية الفردية لوسائل الإنتاج؛ فيتيح للفرد حرية استخدام وسائل الإنتاج لتحقيق أقصى ربح ممكن؛ ولد هذا النظام من رحم الثورة الصناعية، حيث يعد الفيلسوف الإنجليزي آدم سميث صاحب كتاب (ثروة الأمم) الأب الروحي للفكر الليبرالي وشعاره (دعه يعمل أتركه يمر) ويتصف الفكر الليبرالي بالديمقراطية والحرية المطلقة في الاقتصاد.

تحدد مفهوم الرأسمالية في بداية القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر حيث تشكلت مدرسة اقتصادية تدين بالحرية الاقتصادية المطلقة ويتميز هذا النظام بالأخذ بمبدأ الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج بشكل غير محدود ويعتمد على المصلحة الشخصية (المنفعة) وعدم تدخل الدولة في الإنتاج والتوزيع إلا في حدود ضيقة وقد أدخلت على النظام الرأسمالي بعض التعديلات للحد من مساوئه كالتأمينات الاجتماعية والنقابات والتي لا تعتبر من صميم هذا النظام. [4]

هدف الإنتاج الرئيس في النظام الرأسمالي التبادل، وتحقيق الربح. وتعود ملكية وسائل الإنتاج فيه إلى فئة قليلة من المجتمع هم الرأسماليون، أما باقي أعضاء المجتمع وهم الأكثرية، فلا تملك سوى قوة عملها وأفرادها يشتغلون عمالاً أجراء يُشَغِّلون وسائل الإنتاج التي يملكها الرأسماليون.

تعود ملكية وسائل الإنتاج في النظام الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي إلى فئة قليلة من أفراد المجتمع هم الرأسماليون، أما باقي أعضاء المجتمع وهم الأكثرية لا تملك سوى قوة عملها فهم يشتغلون عمالاً أجراء لتشغيل وسائل الإنتاج التي يملكها الرأسماليون، ويتم الإنتاج في هذا النظام من أجل التبادل، وهو ما يسمى بالإنتاج البضاعي، ويتميز هذا النظام بحرية النشاط الاقتصادي. ويتم تخصيص الموارد الاقتصادية في النظام الرأسمالي عن طريق آلية السوق، وتتخذ القرارات الاقتصادية في إطار من اللامركزية. ولا تتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي الذي تقوم به المؤسسات والأفراد إلا بصورة غير مباشرة. كما يفترض النظام الرأسمالي أن الوحدات الاقتصادية تسعى دائما لزيادة كمية الربح في حالة المنتج وزيادة المنفعة في حالة المستهلك. فالفرد يلعب دوراً مزدوجا في النظام الاقتصادي مرة كمنتج ومرة كمستهلك ولكنه دائما مدفوع بالدافع الاقتصادي أو تحقيق مصلحته الشخصية (المنفعة) وذلك لأنه يتصف بالرشاد والعقلانية. ويقوم النظام الاقتصادي الرأسمالي على آلية السوق التي لا يمكن أن تؤدي وظائفها بكفاءة إلا إذا اتصفت بالحرية والمنافسة التامة وعدم تدخل الحكومة، عندئذ لا يكون في مقدور أي من المنتجين أو المستهلكين بصفته المنفردة التأثير على الأسعار السائدة في السوق.

فالرأسمالية نظام اقتصادي – اجتماعي يسمح لكل فرد من أفراد المجتمع أن يسعى وراء مصلحته الخاصة محاولا الحصول على أكبر دخل، بمعنى أن الفرد في النظام الرأسمالي حر في اختيار نوع النشاط الذي يمارسه و حر في اختيار ما يستثمره وما يستهلكه وتؤمن الرأسمالية بأن ملكية الأفراد لوسائل الإنتاج هي أكبر حافز على بذل أقصى جهد في سبيل إنتاج الثروة التي تنعكس آثارها على كل أفراد المجتمع .

أولاً – تطور أشكال النظام الرأسمالي:

تطورت الرأسمالية عبر ثلاثة أشكال كبرى، هي: الرأسمالية التجارية والرأسمالية الصناعية والرأسمالية المالية. وقد ارتبط ظهور الرأسمالية بحركة الاكتشافات الجغرافية في القرن السادس عشر، التي فتحت طرقا تجارية جديدة أمام التجار الأوروبيين وفرصا لتحقيق الأرباح من خلال استقدام السلع المتنوعة ومراكمة الثروات.

عرف تاريخ النظام الرأسمالي عدداً من أشكال الرأسمالية أهمها: الرأسمالية التجارية، والرأسمالية الصناعية، والرأسمالية المالية. [5]

1 – الرأسمالية التجارية (المركنتالية): خلال الفترة (1500- 1776م)

ظهرت الرأسمالية التجارية في القرن السادس عشر بعد زوال الإِقطاع. الرأسمالية التجارية نشأت حضن النظام الإقطاعي، ونمت في مرحلة الإنتاج البسيط، وكان يحصل في ورشات صغيرة، والعامل هو من يقوم بكل مراحل العملية الإنتاجية. ومرحلة الإنتاج (المانيفاكتوري) وكان يحصل في مشاغل كبيرة، بشيء من التخصص وتقسيم العمل. وازدادت أهميتها، فيما بعد، فأصبح رأس المال التجاري يلعب دوراً أساسياً في تراكم رأس المال النقدي، وأخذ التجار يشغلون الحرفيين لحسابهم وبتمويل عمليات الإنتاج، فنتج عنه ظهور نظام “الممولين”. ساهم في ظهورها تقدم الصناعة وظهور الآلة البخارية، والمغزل الآلي، وقيام الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. وهي تقوم على أساس التمييز بين رأس المال وبين العامل والفصل بينهما، أي الفصل بين الإِنسان والآلة.

تعد مرحلة الرأسمالية التجارية بداية التفكير في منهج تكوين الدولة بمفهومها الحالي ومعناها الحديث، ونهاية حكم الاقطاع الذي ساد في أوروبا لفترة طويلة، بداية المركنتالية التي أدت إلى تأسيس الفكر الاقتصادي الأوروبي وتطوره باستمرار حتى ظهور نظرية آدم سميث في انكلترا. وتعني الرأسمالية التجارية حكومة قوية مسيطرة على الافراد المقيمين ضمن حدود البلاد وسيادة دولة الملك وليس رجل الدين او الاقطاعي وبمعنى آخر الدولة ذات الحدود الدولية كما في شكلها القائم في البلدان العربية حالياً.

تميزت هذه المرحلة بظهور الشركات التجارية كشركة الهند الشرقية الإنجليزية في آسيا التي احتكرت التوابل والشاي؛ وإقامة مشاريع اقتصادية كبرى. تتجسد مبادئ فكر المدرسة التجارية:

  • تثمين المعدن النفيس وايلاءه اهمية كبيرة.
  • تحقيق الفائض في الميزان التجاري.
  • تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية.
  • ضرورة ترتيب اوجه النشاط الاقتصادي حسب مردودها من المعادن النفسية وزيادة السكان.

2 – الرأسمالية الصناعية:

(1770- 1870) في النصف الثاني من القرن الثامن عشر انتقلنا من الرأسمالية التجارية إلى الرأسمالية الصناعية، نتيجة للثورة الصناعية التي بدأت في إنجلترا، حيث تم اكتشاف تقنيات جديدة للإنتاج (كالمحرك البخاري وآلة الغزل) وانتشرت هذه التقنيات في بقية أرجاء أوروبا. وظهر الإنتاج الصناعي الآلي وحلت الآلة في المصانع الكبيرة محل أدوات العمل البسيطة. فأدى ظهور المصانع في أوروبا إلى بروز طبقة جديدة في المجتمع هي طبقة البورجوازية التي لعبت دوراً هاماً في تطوير الإنتاج الصناعي والترويج للأفكار الرأسمالية وإحداث قطيعة مع النظام الإقطاعي السائد من قبل. وتميزت هذه المرحلة بظهور الثورة الصناعية في أوروبا وإقامة مشاريع صناعية كبرى وتزايد الحاجة إلى الموارد الطبيعية والعمالة والبحث عن أسواق خارجية.

3 – الرأسمالية المالية:

بدأت هذه المرحلة مع نهاية القرن التاسع عشر في عام  1870، وتوصف بأنها مرحلة الرأسمالية المالية. بسبب ظهور المؤسسات المصرفية العالمية الكبرى والشركات القابضة وانتعاش أسواق الأوراق المالية، ووقعت الشركات الصناعية تحت هيمنة القطاع المصرفي.

واستمرت المرحلة حتى الآن وتميزت هذه المرحلة ببروز المؤسسات الكبرى مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وسيطرة المؤسسات المالية على النشاط الاقتصادي.

وفيها يندمج رأس المال المصرفي مع رأس المال الصناعي، ونتيجتها ظهر “رأس المال المالي” أو ما يعرف “بالطغمة المالية”، وهي ما عملت على زيادة تركّز الثروة في أيدي عدد قليل من الناس وبقيت الغالبية العظمى فقراء.

ثم تخلت الرأسمالية عن المال والتجارة والصناعة، واستندت إلى تطوير الإنتاج بناء على العلم والتكنولوجيا، فيما عرف “بالثورة الصناعية الثالثة”.

ثانياً – مراحل تطور الرأسمالية بوصفها نظاماً اقتصادياً واجتماعياً

أما مراحل تطور الرأسمالية بوصفها نظاماً اقتصادياً واجتماعياً، فقد عرف تاريخ النظام الرأسمالي مرحلتين الرأسمالية ما قبل الاحتكارية و الرأسمالية الاحتكارية:

1 – الرأسمالية ما قبل الاحتكارية (المنافسة):

وهي المرحلة الأولى من تاريخ النظام الرأسمالي التي ظهرت في القرن التاسع عشر واستمرت خلاله، وتعرف برأسمالية المنافسة وكانت بريطانيا قد هيمنت فيها على الاقتصاد العالمي. كان يغلب على هذه المرحلة المنافسة بين المشاريع والأنشطة منافسة تامة، وحرية الممارسة، وقد أكدت المدرسة التقليدية الكلاسيكية على ضرورة إزالة كل الحواجز أيّا كان نوعها من أمام التطور العفوي للرأسمالية.

2 – الرأسمالية الاحتكارية:

وهي المرحلة الثانية من تاريخ النظام الرأسمالي، وتعرف بالإمبريالية، ظهرت أواخر القرن التاسع عشر، حيث ظهرت الاحتكارات الضخمة كالاحتكارات النفطية والمعدنية في الولايات المتحدة، والشركات متعددة الجنسية، وطارت هذه المرحلة هي شكل النظام الدولي الحديث الذي استقر وثبت بعد الحرب العالمية الثانية، ليعكس مصالح الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، ومع ظهور مصطلح رأس المال المالي دخلت الرأسمالية رسمياً مرحلة الإمبريالية، وتلاحمت مصالح الطغمة والاحتكارات مع سلطة الدولة.

ثالثاً – أسس النظام الاقتصادي الرأسمالي:

يعتقد أنصار النظام الرأسمالي أن قوة تراكم رأسمال هي السبيل الأهم لتحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال تمويل الاستثمارات الضخمة والمشاريع الكبرى. ويراد برأس المال النقود التي يمكن استثمارها بقصد جني الأرباح. ولا يقتصر الأمر على النقود فقط بل يتعداها إلى كافة الأصول التي يمكن توظيفها في عملية الإنتاج، من عقارات ومنقولات ومعدات وسلع ومواد أولية وأوراق مالية وحقوق ملكية فكرية، فضلا عن الأصول السائلة. ويعد الربح المادي في النظام الاقتصادي الرأسمالي محفزاً للأفراد على المبادرة والمخاطرة واستثمار رؤوس الأموال لكسب المزيد من الأرباح ومضاعفة الثروات.  [6] ومن أهم أسس النظام الاقتصادي الرأسمالي:

1 – احترام الملكية الفردية:

في النظام الرأسمالي تكون الملكية ونقل الملكية من شخص لأخر على أي شكل وفي أي وقت؛ فهي عملية حرة لا تتدخل فيها الحكومة، فالمنتج أو الفرد له مطلق الحرية في الانفراد أو المشاركة مع الآخرين في كل ما يملكه من موارد إنتاج أو سلع أو خدمات، سواء كانت رأسمالية أو استهلاكية.

يقوم النظام الرأسمالي على احترام الملكيَّة الخاصَّة بالفرد، أي الحرية المطلقة في النشاط الاقتصادي وتكوين الثَّروة والتَّصرُّف فيها ما دام ذلك لا يتعارض والقوانين السَّائدة، والملكيَّة الفرديَّة تساعد الإنسان على حفظ الثَّروة، وعدم تبذيرها؛ “فأرضه لا يغفل عن تخصيبها حتَّى لا تبور، وآلته لا يَكِلُّ عن صيانتها حتَّى لا تتلف، ومبانيه لا ينتظر عليها الخلل حتَّى لا تهدم، وهذا ينمِّي الثَّروة العامَّة، ويحافظ عليها، ويخفض من التَّكاليف الاجتماعيَّة النَّاشئة عن التَّسيُّب والإهمال الَّذي يظهر في الملكيَّة العامَّة”. [7]

2 – عدم تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي:

يمتاز هذا النظام بحرية النشاط الاقتصادي. في النظام الرأسمالي أو اقتصاد السوق الحر يترك أمر الإنتاج والبيع والشراء للمستهلك والمنتج دون أي تدخل من قبل الحكومة في تحديد أسعار السلع أو أنواعها. وينحصر دور الحكومة في الرقابة للتأكد من التزام الجميع بالقواعد القانونية العامة أهمها استمرار المنافسة فيما بين المنتجين، كذلك ينحصر دور الحكومة في إنتاج سلع معينة محرمة، وإلزام شروط محددة في السلع المنتجة مثل منع إنتاج وبيع المخدرات، وشروط السلامة في السيارات وغيرها. ولا تتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، الذي تقوم به المؤسسات والأفراد، تدخلاً مباشراً.

3 – الحرية الاقتصادية (حرية النشاط الاقتصادي):

الحرية الاقتصادية كما يؤكد تاريخ النظام الرأسمالي على الحرِّيَّة الاقتصاديَّة، التي هي نتاج احترام الملكيَّة الخاصَّة، فالأفراد أحرار في تحقيق مصالحهم الشَّخصيَّة، واختيار حرفتهم ونشاطهم الذي يمارسونه، وهم أحرار في التَّملُّك، وفي العمل. وللفرد مطلق الحرية في الإنتاج، والاستهلاك، والتَّعاقد بما يتفق والقوانين السَّائدة، التي يحشر التَّدخُّل الحكوميَّ في أضيق زاوية، ما لم يتعارض مع مصلحة الدولة، كون النَّظرة الرَّأسماليَّة للإنتاج تقوم على أن ينظم الإنتاج نفسه بنفسه، وأنَّ الدَّولة تحكم، ولا تملك. [8]

4 – اعتماد قانون المنافسة:

يمتاز النظام الرأسمالي بكثرة وتعدد المنتجين مع صغر حجم كل منتج في جانب الإنتاج، أي انه لا يكون للمنتج دور مهيمن على التأثير في عملية الإنتاج والتحكم بالوحدات التي يتم عرضها في السوق أو تحديد مستوى السعر. إلا انه من حق المنتج أن يقوم بإنتاج أي سلعة يرغب في إنتاجها وبالكمية التي يريدها، أو حتى الامتناع عن إنتاج سلعة معينة.

المنافسة من الأسس الرئيسة في النِّظام الرَّأسماليِّ، فهي تساعد على زيادة الكفاءة الاقتصاديَّة والإنتاجيَّة، فالمنتجون يعتمدون قانون المنافسة لجذب أكبر عدد من المستهلكين، وهذا يؤدي إلى خفض أسعار المنتجات (السلع والخدمات) وخروج المنتجين من أصحاب الكفاءة المنخفضة، واستخدام الأفضل للموارد.

تؤدي المنافسة إلى حصول المستهلك على السلع والخدمات الَّتي يريدونها بالسعر المناسب؛ وتتناسب مع المنفعة المتحصلة من السِّلعة. يعد المستهلك الحر جزءا أساسيا في السوق والعملية الاقتصادية التي تحاول بإيجاد أفضل الحلول للمشكلة الاقتصادية، رغبات المستهلك ونمط الاستهلاك الذي يرغب فيه هو الذي يحددها يختارها و يسعى لتحقيقها، وله مطلق الحرية في اختيار نوعية السلع والكمية التي يشتريها، والفترة الزمنية التي يرغب باقتناء السلعة أو الخدمة فيها . أي انه ليس هناك أي تأثير إجباري على سلوك المستهلك في السوق. وتُتَخذُ القرارات الاقتصادية في إطار اللامركزية. [9]

5 – السعي لتحقيق المزيد من الأرباح (حافز الربح):

حافز الربح من أهم الأسس التي يقوم عليها النظام الرأسمالي، لأنه المحرك الرئيس لزيادة الإنتاج، وهو الموجه لأيِّ قرار يتَّخذه المنتجون، وكل فرد في النِّظام الرأسمالي المنتج والمستهلك يتحرك بما يتفق ومنفعته الشَّخصيَّة. وبما أن الرِّبح هو الفرق بين الإيرادات والتَّكاليف؛ فهو يدفع المنتجين إلى اختيار النَّشاط الاقتصاديَّ المناسب لاستغلال الموارد بأفضل طريقة وبأقل التكاليف، مما يحقق أقصى أرباح. والرِّبح هو عائد المخاطرة لصاحب المشروع أي تحقيق الربح أو الخسارة؛ وبالتالي عليه أن يقوم: “بإنتاج السِّلع الَّتي يزداد الطَّلب عليها، وبذلك فهو يلبِّي حاجة المجتمع لهذه السِّلعة، كما أنَّه يحقِّق المزيد من الأرباح”. [10]

يهدف النظام الرأسمالي من خلال العملية الإنتاجية الى تحقيق اقصى الارباح الممكنة. مما يؤدي إلى التفاوت الكبير و الواسع في مستويات الدخل بين افراد المجتمع.

6 – آلية السوق:

تُخصص الموارد الاقتصادية في النظام الرأسمالي عن طريق آلية السوق، حيث يعد السوق الملتـقى الذي يلتقي فيه المستهلك مع المنتج، و يلعب سعر السلعة دوراً في الإفصاح عن أهمية ورغبة المستهلك في اقتناء السلعة، و هو بذلك يكشف عن الرغبات التي يريد المنتج توفيرها بالسلعة، وإذا ترك أمر تحديد السعر للمستهلكين والمنتجين، فإنهم إذا ما اتفقوا عليه، فان السعر يوجه الموارد إلى أفضل استخدام لها، سواء في منظور المستهلكين الذين ينفقون أموالهم، أو من منظور المنتجين الذين يخصصون مواردهم للإنتاج [11]

اعتماد النظام الاقتصادي الرأسمالي على آلية السوق التي لا يمكن أن تؤدي وظائفها بكفاية إلا إذا اتصفت بالحرية والمنافسة التامة وعدم تدخل الحكومة، عندئذ لا يكون في مقدور أي من المنتجين أو المستهلكين بصفته المنفردة التأثير في الأسعار السائدة في السوق.

فرضية الرشد والعقلانية في سلوك الأفراد والمشروعات عند اتخاذهم للقرارات الاقتصادية. فالوحدات الاقتصادية في النظام الرأسمالي تسعى دائماً لزيادة كمية الربح للمنتج وزيادة المنفعة للمستهلك. فالفرد هنا يقوم بوظيفة مزدوجة في النظام الاقتصادي مرة بصفته منتجاً ومرة بصفته مستهلكاً، ولكنه دائماً مدفوع بالدافع الاقتصادي أي تحقيق مصلحته الشخصية.

رابعاً – مزايا النظام الاقتصادي الرأسمالي:

من محاسن الرأسمالية توفير الحاجيات اللامتناهية للأفراد واستغلال الكفاءات والزيادة في الإنتاج كماً ونوعاً، وتعني الحرية الاقتصادية حرية الأفراد في التملك والممارسة الاقتصادية الحرة “الليبرالية”. أي أن الـفـرد حـر فـي الـمـلـكـيـة والـعـمـل والإنتاج والاسـتـهـلاك. فـهـو حـرّ في امتلاك كـل شـيء مـادام تـحـصـل عـلـيـه بـالـطـرق الـقـانـونـيـة. ولـه حـريـة الاخـتـيـار فـي الـعـمـل الـذي يـنـاسـبـه والإنتاج الـذي يـريـده. دون تدخل الدول في الشؤون الاقتصادية. ومن أهم مزايا النظام الاقتصادي الرأسمالي:[12]

يعترف القانون بالملكية الفردية أي ملكية الأفراد لوسائل الإنتاج ورؤوس الأموال ويحميها.

اعتماد المنافسة الحرة بين المنتجين يؤدي إلى زيادة الإنتاج كماً ونوعاً، كذلك تحقق المنافسة مصلحة المستهلك وتخفيض الأسعار.

الربح هو المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي في النظام الرأسمالي حيث يحدد الربح نوع النشاط الاقتصادي الذي يفضله الأفراد الذين يتخذون القرارات الإنتاجية بغية الحصول على أكبر عائد ممكن.

يعتمد النظام الرأسمالي بشكل رئيس على آلية السوق في حل المشكلة الاقتصادية حيث تتحدد آلية توزيع النتائج مع تحقيق التوازن بين المتغيرات الاقتصادية من خلال الأسعار.

خامساً – عيوب ومساوئ النظام الاقتصادي الرأسمالي:

ومن أهم عيوب النظام الاقتصادي الرأسمالي تجميع الثروة في يد فئة قليلة من المجتمع “البرجوازية” وزيادة الفوارق الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء. لأن النظام يسمح بتفاوت كبير في الدخل والثروة، بل تقود آلية السوق إلى مزيد من تركز الثروة.  فالرأسمالية تجعل من الحياة ساحة لسباق مسعور، يتنافس فيه الجميع في للحصول على النصر، والغلبة للأقوى، مما يعني إفلاس كثير من المصانع والشركات بين عشية وضحاها.

لا يحقق النظام الاقتصادي الرأسمالي عادة المستوى الأمثل للادخار كما أنه يعاني صعوبات كثيرة في توجيه الادخار نحو الاستثمار المنتج.

يركز النظام الاقتصادي الرأسمالي على السلع والخدمات الخاصة من دون العامة لأنها أكثر ربحاً وأسرع من حيث المردود.

أدت الملكية الخاصة إلى تكون الطبقات الاجتماعية (الغني الحر المتحكم في التجارة) فانهارت الروابط الاجتماعية.

سوء توزيع الدخل والملكية: واستخدام الآلات بدل العمال، جعل معيشة العمال عند مستويات متواضعة.

وتحت ضغط التطورات التقنية الحديثة وتركز الثروة تؤدي آلية السوق إلى انحسار المنافسة وانتشار الاحتكار، وتحول السوق من المنافسة إلى الاحتكار وزيادة الإنتاج إسرافاً. نظام الثمن لا يكفل التوظيف الكامل للموارد الإنتاجية.

يتسم النظام الاقتصادي الرأسمالي بالتقلبات الدورية في النشاط الاقتصادي وحدوث الأزمات الاقتصادية والمتمثلة بظاهرتي التضخم والبطالة. نتيجة أخطاء تنبؤات المنتجين بالكميات المطلوبة يحدث الانقلاب من الرواج إلى الكساد أو العكس.

الرأسمالية والاستعمار: زيادة حركة الاستعمار واستغلال ثروات الشعوب. بدافع البحث عن الأسواق الخارجية لترويج بضائعها، وعن المواد الأولية، قامت الدول الرأسمالية باستعمار الشعوب والأمم استعماراً اقتصاديّا أولاً وتبعه استعمار سياسي وفكريًّ وثقافي ثانياً، إضافة إلى استعباد الشعوب وتسخير الأيدي العاملة فيها لمصلحتها. وتلك نتيجة طبيعية للاستعمار الذي أنزل دمّر أمم الأرض، وعاملها بوحشية، وسلب خيراتها.

لا يحقق النظام الاقتصادي الرأسمالي عادة المستوى الأمثل للادخار كما أنه يعاني من صعوبات كثيرة في توجيه الادخار نحو الاستثمار المنتج.

يركز النظام الاقتصادي الرأسمالي على السلع والخدمات الخاصة دون العامة لأنها أكثر ربحية وأسرع من حيث المردود.

ابتزاز الأيدي العاملة: فالنظام الاقتصادي الرأسمالي يجعل من الأيدي العاملة سلعة خاضعة لمفهومي العرض والطلب، وتجعل العامل عرضة للاستبدال بمن يأخذ أجراً أقل ويقدم عملاً أكثر وخدمة أفضل.

الحياة المحمومة: فالصراع في الرأسمالية بين طبقتين إحداهما مهتمة بجمع المال أياً كانت الطريقة، وأخرى مسحوقة تبحث عن المقومات الأساسية لحياتها، دون أن تحصل على شيء من التراحم والتعاطف في حياتها.

الأنانية: فنسبة قليلة من الأفراد يتحكمون بالأسواق تحقيقاً لمصالحهم الذاتية، دون أن يقدروا حاجات المجتمع أو المصلحة العامة.

الربوية: فالرأسمالية تقوم على الربا الذي هو جوهر المشاكل التي يعاني منها العالم. المادية: فالرأسمالية تشيء الإنسان، فهو شيء مادي، بعيداً عن ميوله الروحية والأخلاقية، وهي تفصل بين الاقتصاد والأخلاق.

حرق البضائع الفائضة: فهي تحرقها أو تلقيها في البحر خوفا من انخفاض الأسعار مع كثرة العرض، في الوقت الذي تعاني فيه بعض الشعوب من المجاعات.

الاهتمام بالكماليات: وإقامة الدعايات الضخمة لها، بغض النظر عن الحاجات الأساسية للمجتمع، فهم يهتمون بالربح والمكسب أكثر من غيره.

ويوضح آدم سميث آلية حدوث التوازن العفوي على أساس التفريق بين نوعين من الأسعار: السعر الطبيعي (وهو مساوٍ لكلفة إنتاج البضاعة أو مساوٍ لقيمة البضاعة)، والسعر الجاري (وهو السعر الذي يتكون بفعل العرض والطلب في السوق). ويظل السعر الجاري يحوم حول السعر الطبيعي ويقترب منه ليساويه في أغلب الأحيان عن طريق التوازن العفوي الذي يجري في السوق بين العرض والطلب، وإذا كان هناك أي اختلال فإنه زائل لا محالة لتعود حالة التوازن من دون شك في ذلك. هذا التوازن العفوي لا يخلخله إلا عدم تطبيق مبدأ المنافسة الحرة.[13]

سادساً – الليبرالية الجديدة ونقض السياسات الاقتصادية الكينزية:

كانت جامعة شيكاغو خلال فترة الستينات من القرن الماضي الأمريكية المكان الرئيس لتأسيس (الليبرالية الجديدة)، متأثرة بأفكار كل من الاقتصادي الكبير ميلتون فريدمان أستاذ مادة النظرية الاقتصادية، وليو شتراوس أستاذ فلسفة السياسة. [14]

1 – ما هي الليبرالية الجديدة؟

قدم ميلتون فريدمان أحد أهم مؤسسي الليبرالية الجديدة، منظوراً اقتصادياً مناقضاً لكل مسار السياسات الاقتصادية الكينزية التي سادت لمدة تزيد عن أربعة عقود بعد الأزمة الاقتصادية العالمية في سنة 1929، معارضاً بذلك أي تدخلية تنظيمية – تخطيطية للدولة، وداعياً إلى إلغاء نظام الاحتياط الفيدرالي، [15] ومعتبراً أن تصرفات الأفراد في السوق كافية وحدها لإدارته وتنظيمه وتصحيح مساره، حيث كان يرى، بخلاف مينارد كينز (1883- 1946)، أن الانكماش الاقتصادي لا يكافح عبر الدولة والتخطيط والضرائب العالية، والتضخم لا يتراجع ويتم القضاء عليه من خلال سياسات الانكماش النقدي، بل بواسطة زيادة تدفق النقد في السوق، معتبراً إياهما ظاهرة نقدية محضة، مقترحاً حلاً لهما من خلال ترك السوق حراً إلى مداه من خلال حركته الذاتية، مع خفض الضرائب إلى الحدود القصوى.

أما ليو شتراوس فقد قدم منظوراً فلسفياً جديداً لليبرالية يقوم على رؤية فكت الارتباط بين أفكار مؤسس الليبرالية جون ستيوارت ميل، وأفكار عصر الأنوار الفرنسي مع أوغست كونت مؤسس الفلسفة الوضعية، ليربط الليبرالية مع إدموند بيرك الفيلسوف الإنكليزي المحافظ الذي قدم كتاباً نقدياً فلسفياً لأفكار الثورة الفرنسية (1789) بعد عام من قيامها، وليقوم بربطها مع فلسفة للسياسة تعود إلى أفلاطون متخطياً (نفعية) و (أداتية) النظرية السياسية الحديثة، التي سادت في اليمين واليسار معاً خلال القرون الأربعة الماضية، من خلال نيكولا مكيافيللي وتوماس هوبز، داعياً إلى سياسات تعتمد ( الهجوم الأخلاقي )، المسلح بالروحانيات والقيم الديمقراطية.

2 – صعود نموذج المحافظين الجدد:

كان الاقتصاد عاملاً هاماً في حسم الحرب الباردة لصالح الرأسمالية ضد الاشتراكية، وهو ما أنجز في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان. وأدى انتصار الليبرالية العالمي والتحول من نظام القطبين إلى نظام القطب الواحد، أدى إلى تكريس نظريات ميلتون فريدمان في الاقتصاد وصعود نموذج (المحافظين الجدد)، الذين تبنوا فلسفة ليو شتراوس السياسية، مركزين، على تحويل الديمقراطية إلى (أيديولوجية تبشيرية) بالترافق مع نشر العولمة وإعادة رسم خارطة العالم أميركياً في القرن الواحد والعشرين.

كانت السياسة في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش تطبيقاً لتلك الوثيقة التأسيسية الصادرة في حزيران/ يونيو 1997 والهادفة إلى (بناء القرن الجديد “القرن الواحد والعشرين” بما يتفق والمبادئ والمصالح الأميركية)، وتصرفت واشنطن، وتحديداً بعد 11 أيلول، وكأن لا أحد في العالم سواها، متجاهلة مصالح واعتبارات الكثير من الدول الكبرى عالمياً وإقليمياً لا بل متجاهلة أحياناً مصالح حلفائها، في أكثر من مكان في العالم، إضافة إلى تجاهل المصالح المحلية لكثير من البلدان الصغيرة وسكانها. [16]

كما كانت هناك خلطة سياسية اقتصادية لليبراليين الجدد تجمع بين سياسة ليو شتراوس واقتصاد ميلتون فريدمان، فتحول الاقتصاد المالي، من خلال نظام البنوك الاستثمارية، إلى عنصر رئيس ضمن البنية الاقتصادية الأميركية، خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، الذي نافس نظام البنوك التقليدية من حيث حجم أصوله. وقد حصلت فورات شبيهة بالانتعاش الذي حصل في عهد الرئيس ريغان، رجّحت الكفة لمصلحة نظريات فريدمان حول دور النقد في السوق (والاقتصاد عموماً)، خصوصاً مع الفورة العقارية الأميركية التي بلغت قيمتها الدفترية حوالي 62 تريليون دولار قبل حدوث الأزمة.[17]

أتيح المجال لفريدمان تجريب سياساته الاقتصادية في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، بعد أن أصبح من المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض عام1981، وأدى رفع نسبة الفائدة في البنوك الأميركية على الودائع، خلال ست سنوات من عهد ريغان، إلى دخول 656 بليون دولار إلى خزائن البنوك الأميركية أتت من الخارج، ما قاد إلى إنهاء حال الانكماش الاقتصادي والتضخم، التي كان خبراء الاقتصاد الكنزيون يرون أن سببهما كان ارتفاع أسعار النفط بعد عام 1973، وترافق ذلك عند ريغان مع إلغاء الكثير من إجراءات الضمان الاجتماعي والصحي والكثير من النفقات الحكومية في المجالات الاجتماعية، مع اتجاه راديكالي إلى خفض الضرائب على الأفراد.

وظن فريدمان أن الخسارة الأولى للقطاع العقاري الأميركي، المسجلة في أيلول / سبتمبر 2006 خلال مسار عشر سنوات هي خسارة طارئة ومؤقتة، من دون أن يحسب أن مالاً يسجل في أسهم البورصات اعتماداً على تلك القيمة الدفترية الهائلة للعقارات، بواسطة أسهم البنوك الاستثمارية الضامنة والراهنة لبيوت ملايين الأميركيين مباشرة أو عبر نظام تبديل الديون العاجزة (The Credit Default Swap c.d.s.) لمصلحة البنك الاستثماري من جانب الفرد أو الشركة العقارية بعد شراء البيت أو العقار من البنك، مقابل فائدة قدرها 6 في المائة لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات يدفعها للبنك أحد الأخيرين ( الفرد أو الشركة العقارية )، الذي يرهن العقار لمصلحة البنك ريثما يتم التسديد خلال المدة المتفق عليها.

وهذا لا يعبر عن اقتصاد حقيقي ما دامت القيمة الفعلية لتلك العقارات لم تكن في آب / أغسطس 2008 تتجاوز ثمانية تريليونات دولار، هلك نصف قيمتها في أيلول من نفس العام. كما أن تلك الفورة ستقف عند حد معين سيحولها لمجرد فقاعة عبر ممر اسمه الأزمة، التي بدأت بالظهور في آذار / مارس2008 مع أزمة بنك (بير سترنز)، ثم بنك (إندي ماك) في تموز / يوليو 2008، وصولاً إلى انهيار أسهم البنوك الاستثمارية الكبرى، مثل (ميريل لنش) و (ليمان براذرز) في أيلول/سبتمبر 2008، أي إعلان الدخول في أزمة اعتبرها ألان غرينسبان، حاكم البنك الفيدرالي الأميركي السابق، الأخطر منذ أزمة 1929 العالمية.

إن دروس الأزمة والانهيار الكبير وعِبَره المؤلمة وانعكاساته لمن يريد استخلاصها كثيرة، ومن أهمها:

بعد لجوء الدول الرأسمالية الكبرى إلى تأميم بعض المصارف والشركات الاستثمارية، والعودة إلى سياسة التدخل في النشاط الاقتصادي لضمان الاستقرار للأسواق، أصبح من غير المقبول في أي بلدٍ نامٍ اللجوء إلى خصخصة المشاريع العامة والانسحاب نهائياً من الحياة الاقتصادية بحجة عدم التدخل في حرية السوق (المقدسة) وتنفيذ وصايا قوى العولمة. [18]

تبين بعد الانهيار الكبير أن محاباة الفئات الثرية، والرساميل المالية عن طريق التخفيضات الضريبية كان له تأثير كبير على تنامي العجز الذي عانت منه الموازنات المالية في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث بلغت نسبة العجز الذي عانت منه الموازنات المالية في أمريكا حوالي 75%.

خلفت سياسة محاباة الفئات الثرية على الفئات المتوسطة والفقيرة شعور عام بالغضب، إذ أدت هذه السياسة إلى تقليص مكتسبات الفئات المتوسطة والفقيرة، وأصبح ثلاثة أرباع العاملين يحصلون على أجر يقل بنسبة 25% عما كان سائداً قبل عشرين عاماً، وأصبح الضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل مشروطاً أكثر، ولا يستفيد من منح البطالة اليوم إلاّ 29% من العاطلين عن العمل، بينما كانت 70% في عام 1986.

ذهب فائض النمو إلى الخمس الثري في المجتمع الأمريكي الذي يسوده مبدأ قوامه: الرابح يحصل على كل شيء. وهذا ما جعل هذا الفئات الثرية تنحاز في السباق الرئاسي إلى جانب المرشح الديمقراطي في خطوة احتجاجية على نهج الليبراليين الجدد الذين أوصلوا الاقتصاد الأمريكي إلى حافة الكارثة، ليضمنوا مصالح (الخُمْس الثري).

أصبح من الضروري إتباع سياسة ضريبية تحقق العدالة في توزيع العبء الضريبي وتعتمد مقدار الأرباح والريوع المحققة للفئات الثرية، والأجور المتواضعة لبقية الفئات، إن العدالة الضريبية تعني أن يدفع كل مواطن ضريبة تتناسب مع حجم الثروة والدخل الذي يحصل عليه.

يؤكد ما لحق بالمستثمرين العرب من خسائر في الأسواق المالية بسبب الأزمة المالية العالمية مخاطر الاستثمار في الخارج، وبخاصة في أسواق المال الأمريكية والأوروبية، والبديل هو الاستثمار الآمن داخل البلاد العربية في المشاريع المنتجة الصناعية والزراعية التي تؤمن عائداً مجزياً للمستثمرين العرب، وتولد فرص عمل لملايين الباحثين عن عمل في الدول العربية المستقبلة للاستثمارات، وبخاصة بعد أن سُنت التشريعات لحماية الاستثمارات في معظم الدول العربية.

لا شك أن الأزمة المالية التي يعيشها النظام الرأسمالي وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ستترك أثراً على المؤسسات المالية العالمية والفكر الاقتصادي العالمي الذي عليه أن يحلل ما جرى ولماذا جرى وكيف يمكن تلافيه مستقبلاً. ورغم أن اقتصاد السوق قد أثبت أنه يوفر الآلية الأفضل لتحقيق النمو الاقتصادي وتخصيص الموارد، لكن هذا النظام الاقتصادي ما زال بحاجة إلى دور اقتصادي للدولة ينظم ويشرف ويستطيع بل هو جاهز للتدخل في الوقت المناسب لتلافي إخفاقات آلية السوق التي هي – وبغض النظر عن تواترها – إلا أن نتائجها قد تكون كارثية كتلك التي يشهدها النظام المالي الأمريكي والعالمي في عام 2008.

3 – الأزمة المالية العالمية والسياسات التي اتبعها الليبراليون الجدد:

كانت مشكلة السيولة المشكلة الرئيسة للنظام المصرفي العالمي خلال النصف الأخير من عام 2008، وأصبح البحث عن رأس المال المتاح عاملاً أساسياً لحل الأزمة المالية العالمية. فظهرت حالات عديدة، كانت الأموال الناتجة عن المخدرات هي رأس المال الوحيد المتوفر للاستثمار ومعالجة مشكلة السيولة، وبخاصة عندما لا تقوم الحكومات بنفسها بتوفير السيولة لإنقاذ هذه المصارف. وتجمعت معطيات جديدة لدى مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، تفيد بان العديد من المصارف المتعثرة في الدول الرأسمالية بسبب الأزمة المالية العالمية قد أُنقذت بفضل الأموال الناجمة عن الاتجار بالمخدرات. كما تبين انه (جرت تغطية قروض ائتمان بأموال ناجمة عن الاتجار بالمخدرات وأعمال غير شرعية أخرى). [19]

يمكننا تحديد أهم السياسات التي اتبعها الليبراليون الجدد وأدت إلى حدوث الأزمة المالية المعاصرة وفقاً لما يلي:

1- تشجيع الاقتصاد الريعي على حساب الاقتصاد الحقيقي.

2 – تخفيض الضرائب على كبار المستثمرين والصناديق المالية والمصارف الاستثمارية العملاقة، بداعي الزيادة المحتملة على المدى المتوسط والطويل في الحصيلة الضريبية، وهو إجراء لم تثبت صحته.

3 – تحرير قطاعات النقل وبخاصة النقل الجوي وسكك الحديد بهدف تحسين كفاءتها،

4 – مراعاة المنافسة الحرة بين الجميع، لكن الذي حصل أن بضع مؤسسات عملاقة احتكرت السوق مسلحة بمليارات في أصولها المختلفة، وأبعدت الشركات المتوسطة والصغيرة، مما أدى إلى إفلاسها وخسارة العاملين فيها وظائفهم.

5 – تخفيف معايير الائتمان، الأمر الذي يَسَّـر على الأفراد تحمل رهون عقارية بقيم وهمية، حتى أن بعض الرهون كانت ذات معدلات سداد سالبة، إذ لم تكن أقساط الدين المسددة تغطي الفائدة المستحقة، ومع انحدار أسعار المساكن اكتشف البعض أن رهونهم العقارية أضخم من قيمة مساكنهم، واكتشف آخرون أنهم لن يتمكنوا من سداد أقساط الدين مع ارتفاع أسعار الفائدة. [20]

بعد ثمانية عشر عاماً من النجاحات الأميركية المتواصلة في (إعادة صوغ العالم) أميركياً، بدأت التراجعات الأميركية متمثلة بالمحطات التالية:

نتائج الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في تموز 2006.

نجاح حماس في غزة حزيران 2007.

اتفاق الدوحة والمصالحة بين اللبنانيين.

انفتاح فرنسا وأوروبا على سورية.

تعثر الأجندات الأميركية المتعلقة بالملف النووي الإيراني.

استعراض العضلات الروسية في حرب موسكو مع جورجيا في آب الماضي.

التعثرات والمصاعب الأميركية في باكستان وأفغانستان والعراق.

هل بدأت مصاعب القطب الواحد وتعثراته بالظهور؟ ربما!

(هل هذه أزمة “عابرة ” ناتجة عن سياسات الإدارة الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة الأميركية التي برزت فيها مشكلة ما سمي بـ ” الرهن العقاري “؟

أم أنها تتخطى حدود ذلك إلى أزمة بنيوية للنموذج الليبرالي الجديد نفسه، وبالتالي تتخطى حدود أزمة الفروع إلى أزمة الأصول نفسها؟). [21]

وأكثر ما تخشى الدول الأوروبية أن تنتقل عوارض الأزمة المالية العالمية إلى اقتصاداتها وبخاصة نقص السيولة في القطاع المصرفي والأسواق المالية وانخفاض كبير في مؤشرات هذه الأسواق، مما قد يؤدي إلى أزمة سيولة خانقة وانعدام الثقة بالنظام المصرفي، وخسائر تتكبدها المؤسسات المالية وأفلسات المؤسسات المالية خاصة البنوك الاستثمارية التي لا تستطيع أن تأخذ ودائع من الجمهور أو الحصول على سيولة من المصارف المركزية.

سابعاً – إخفاق آلية السوق وانهيار الليبرالية الجديدة:

يعتقد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أن حالة الاضطراب الاقتصادي التي أثارتها أزمات أسواق المال الأميركية وضعت نهاية لاقتصاد السوق الحر، كما يرى الرئيس ساركوزي أن تصورا معينا عن العولمة يقترب من نهايته مع أفول رأسمالية مالية فرضت منطقها على الاقتصاد بأسره وساهمت في انحراف مساره. وأكد أن (فكرة القوة المطلقة للأسواق ووجوب عدم تقييدها بأي قواعد أو بأي تدخل سياسي كانت فكرة مجنونة، وفكرة أن الأسواق دائما على الحق كانت فكرة مجنونة). وطالب بإصلاح النظام الرأسمالي العالمي بعدما كشفت الأزمة المالية الحالية عن ثغرات خطيرة في الأنشطة المصرفية العالمية، داعيا الاتحاد الأوروبي إلى البدء في التفكير في سياسة نقدية جديدة. وتوقع ساركوزي أن تؤثر فوضى الأسواق المالية في الولايات المتحدة على الاقتصاد الفرنسي لشهور بحكم اندماجه في الاقتصاد العالمي، لكنه وعد بألا يخسر أحد في فرنسا ودائعه المصرفية. [22]  في حين دافعت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بقوة عن النظام الرأسمالي.

بتاريخ 15/9/2008 أُعلن عن إفلاس مصرف ” ليمان براذرز ” أكبر المصارف الأمريكية كما تعرضت شركة الـتأمين الأمريكية الكبرى ” ايه آي جي ” لمصاعب خسرت خلالها 70% من قيمة أسهمها في البورصات الأمريكية والعالمية، حدث هذا الانهيار بعد أشهر من أزمة الرهن العقاري التي أدت إلى تراجع الاستثمارات العقارية، وتضخم أصول المصارف والمؤسسات العقارية بديون مشكوك بتحصيلها، وسندات ذات ملاءة منخفضة، مما اضطر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش إلى الإعلان عن ( أن حكومته كانت تفضل دائماً عدم التدخل في مسار العملية الاقتصادية إلا أن هناك ظروفاً أملت عليها فعل ذلك )، وبذلك سقطت القاعدة الأساسية للنظام الرأسمالي والنهج الليبرالي الجديد، أي عدم تدخل الدولة في الأسواق وتركها  لعدالة قانون السوق ( قانون العرض والطلب ). [23]

انتقد الليبراليون الجدد وحكومتهم العالمية مهاتير محمد في صيف 1997 عندما طالب باستخدام الدور التدخلي للدولة لتطويق أزمة (النمور الآسيوية )، وسخروا من شافيز والرئيس البوليفي حين يدفعون الدولة إلى التدخل في الشأن الاقتصادي، بينما يلجؤون اليوم إلى أضخم عملية تدخل في تاريخ السوق الرأسمالية، بل وما يصل إلى حدود التأميم وهذا يغدو مباركاً وفي محله عندما يقوم به الليبراليون.

يدعوا الليبراليون إلى وجوب تدخل الدولة في حال إخفاق السوق بل ونفذوا ما يمكن نعته بالفعل بأضخم عملية تأميم حوّلت الولايات المتحدة الأميركية إلى (جمهورية الولايات الاشتراكية المتحدة) حسب تعبير الاقتصادي الأميركي والأستاذ في جامعة نيويورك نوريل روبيني، لكنها على حدّ تعبيره (اشتراكيّة خصخصة الأرباح وتأميم الخسائر للأغنياء وأصحاب النفوذ وول ستريت). وتحدث المرشح الجمهوري جون ماكين بغضب عن عمل النظام المالي على طريقة نوادي القمار، والتي يشكل المودعون ضحاياها في النهاية، وبينهم صناديق سيادية ومستثمرون كبار في تلك النوادي كانوا يهزؤون ممن يستخدم هذا التعبير لولا أن ماكين استخدمه. [24]

ويتجاوز الأمر حدود طريقة تعامل الدول المسيطرة القائدة لعملية العولمة مع الليبرالية الجديدة كـ (حزمة انتقائية) بالفعل، بينما تصدّرها إلى الدول النامية كـ (حزمة كاملة) إلى طرح أزمة الأصل أو النموذج الليبرالي نفسه. فلقد أنكرت الليبرالية الجديدة على هذه الدول التي تتسم بهشاشة السوق، وضعف هياكلها الاقتصادية، أي تدخل ضابط في اقتصاداتها التي تعتبر معدلات انكشافاتها الأكثر في العالم نتيجة تطبيق الوصفات الليبرالية الجديدة، بينما كان تدخل الدولة المنظم والدؤوب لقرون عديدة في اقتصاد السوق في الغرب شرط تطوره، كما تقول مدرسيات التاريخ الاقتصادي.

ثامناً – مستقبل الرأسمالية:

(تعاني الرأسمالية من عدة تناقضات نابعة من طابع أسلوب الإنتاج ذاته، وأهم هذه التناقضات على الإطلاق التناقض الأساسي المتمثل بالتناقض بين الطابع الاجتماعي المتطور لوسائل الإنتاج والطابع الفردي لتملك المنتجات. فمع التقدم التقني يصبح عمل الاقتصاد الوطني متأثراً بعمل أي من وحدات الإنتاج الكبيرة. وفي ضوء اتساع أحجام الشركات المتعددة الجنسية قد يؤثر اضطراب العمل في إحداها على الاقتصاد العالمي. وينتج عن التناقض الأساسي في الرأسمالية سلسلة من التناقضات الفرعية مثل التناقض بين مصلحة الرأسماليين الذين يديرون وسائل الإنتاج لتأمين أعلى ربح ممكن وبين مصلحة الطبقة العاملة التي ترغب في الحصول على نسبة أعلى من عوائد الإنتاج. وكذلك التناقض بين الاتجاه نحو زيادة الإنتاج وتناقص الاستهلاك فالرأسماليون سعياً منهم لزيادة أرباحهم يحولون قسماً من القيمة الزائدة إلى استثمارات جديدة تعتمد تقنيات عالية قليلة الطلب على اليد العاملة مما يقود إلى تخفيض حصة العمال من الناتج القومي فينخفض الطلب الاستهلاكي في الوقت الذي يزداد فيه إنتاج الخيرات المادية. ويمكن ملاحظة التناقض بين الطابع المخطط للعمل على مستوى المشروع بهدف الاستثمار الأمثل لموارده والفوضى في السوق التي تؤدي إلى إفلاس الكثير من المشروعات وهدر الأموال المستثمرة فيها إضافة إلى إحالة العاملين فيها على البطالة. في الواقع فإن الرأسمالية تولد في داخلها سلسلة من التناقضات التي تفسر أسباب تعاقب الدورات الاقتصادية في الرأسمالية). [25]

يؤكد الفكر الماركسي أن الرأسمالية هي مرحلة تاريخية زائلة، تحمل بذور زوالها في تناقضاتها الداخلية، وتراهن الماركسية على تناحرية هذه التناقضات وتفاقم حدتها في مرحلة معينة، فتتحرك الطبقة العاملة المستَغلة وتسيطر على وسائل الإنتاج، ويتم الانتقال إلى النظام الاشتراكي. إلا أن الأنظمة الرأسمالية استطاعت بنجاح كبير أن تخفف من حدة تناقضاتها الداخلية، بتصريفها جزئياً إلى خارج حدودها، وأن تغير أو تحور في معادلة الصراع، من صراع ما بين الطبقة العاملة والرأسماليين، إلى صراع ما بين الأنظمة الرأسمالية والأنظمة غير الرأسمالية. ومن ثم، فإنه لا يمكن في الأمد المنظور التعويل على تحرك الطبقة العاملة في المراكز الرأسمالية للقضاء على النظام الرأسمالي. [26]

يتوقف مستقبل الرأسمالية على عاملين رئيسين:

1 – قدرتها على تطوير آليات جديدة للسيطرة على المستَغَلين والمستَعمَرين،

2 – مستوى تطور وقدرة وإرادة وتحالف المعسكر الآخر في كبح جماح المراكز الرأسمالية العالمية.

لكن الرأي السائد اليوم، أن النظام الرأسمالي كأحد التشكيلات الاقتصادية ـ الاجتماعية في تاريخ التطور البشري، لم يرسخ في جذوره الاجتماعية، ولم يتطور بعد إلى مرحلته النهائية، وما زالت لدى الرأسمالية القدرة على تخطي مرحلتها الإمبريالية «القومية» إلى مرحلة «الإمبريالية الكونية» الاستعمارية.

ترافقت هيمنة الولايات المتحدة على النظام الرأسمالي العالمي بالظاهرتين الآتيتين:

الأول – إشعال نار الحروب المحلية في المكان والزمان اللذين يدعمان هيمنة الولايات المتحدة على العالم كحرب الخليج الأولى والثانية، الحرب في يوغسلافيا وما يسمى الحرب على الإرهاب وامتداداتها المتوقعة.

الثاني – إشراك أي قوة اقتصادية أو عسكرية في مجلس إدارة العالم الذي تترأسه الولايات المتحدة عندما تتخوف من خروج هذه القوة على الهيمنة الأمريكية، كما فعلت مع روسية بضمها إلى مجموعة الثمانية الكبار، وكما تحاول مع الصين  وبعض الدول النفطية الكبرى في مجموعة دول العالم الثالث.

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

كلية الاقتصاد – جامعة دمشق

 

المــراجــع:

  1. الدكتور مصطفى العبد الله الكفري، الاقتصاد السياسي، منشورات جامعة دمشق كلية الاقتصاد دمشق2000 – 2001.
  2. الدكتور مصطفى العبد الله الكفري، انظمه اقتصاديه، الموسوعة العربية، http://arab-ency.com.sy/overview/183 .
  3. د. خالد الحامض، الاقتصاد السياسي، منشورات جامعة حلب، سورية1989.
  4. د.محمود عبد المولى، تطور الفكر الاقتصادي الاجتماعي عبر العصور، الشركة التونسية للتوزيع، تونس 1986.
  5. د. محسن كاظم، مبادئ الاقتصاد النظرية والتطبيق، دار المعرفة للطباعة والنشر والإعلان، الكويت 1986.
  6. مجموعة من المؤلفين، نظرات في علم الاقتصاد، ترجمة محمد حنونة، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1982.
  7. الدكتور مصطفى العبد الله الكفري، الدكتور غسان ابراهيم، المدخل إلى علم الاقتصاد، منشورات جامعة دمشق كلية الاقتصاد، دمشق 2017 – 2018، ص 27.
  8. أنظر، الرأسمالية،
  9. https://www.aljazeera.net/encyclopedia/conceptsandterminology/2015/8/27/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9
  10. أ ب ت ث “النظام الرأسمالي: مفهومه وأسسه وعيوبه”، alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-04-2020.
  11. بحث حول الأنظمة الاقتصادية، القطب الجامعي بالجلفة ، المصدر السابق.
  12. محمد سيد رصاص، هل انتهى مدّ الليبرالية الجديدة لمصلحة سياسات واقعية؟ الحياة 13/10/2008.
  13. انطونيو ماريا كوستا مدير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في مقابلة مع مجلة بروفيل النمساوية الأسبوعية، ميدل ايست اونلاين: 25/1/2009 .
  14. بشار المنير، الاثنين الأسود هل يُعيد البعض إلى رشدهم..؟ وداعاً لحياد الدولة – أفول الليبرالية الجديدة: ( كلنا شركاء ) 18/11/2008 .
  15. نظرة فيما يحصل! عبد القادر حصرية، صحيفة الثورة السورية 29/9/2008.
  16. انكسار أم أزمة بنيوية؟ جمال باروت، جريدة العرب القطرية 28/9/2008.
  17. رأسمالية، https://www.marefa.org/%D8%B1%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9

 

 

[1]  – أشهر منظري الفكر الرأسمالي: فرانسوا كيزني مؤسس المذهب الطبيعي، جون لوك الذي صاغ النظرية الطبيعية الحرة، آدم سميث أحد رواد المذهب الكلاسيكي، دافيد ريكاردو واضع (قانون الغلة المتناقصة)، روبرت مالتوس متشائم صاحب النظرية المشهورة حول السكان، جون ستيوارت مل مؤلف كتاب مبادئ الاقتصاد السياسي، جون مينارد كينز صاحب النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود، ديفيد هيوم صاحب النظرية النفعية.

[2]  – أنظر، المعرفة، أ ب ت ث ج ح خ د “رأسمالية”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 26-04-2020.

[3]  – رأسمالية،

https://www.marefa.org/%D8%B1%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9

[4]  – بحث حول الأنظمة الاقتصادية، القطب الجامعي بالجلفة  Pôle universitaire djelfa

https://www.facebook.com/2209629052380929/posts/2215118951831939/

[5]  – أنظر، أ ب ت ث ج ح خ د “رأسمالية”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 26-04-2020.

[6]  – أنظر، الدكتور مصطفى العبد الله الكفري، الدكتور غسان ابراهيم، المدخل إلى علم الاقتصاد، منشورات جامعة دمشق كلية الاقتصاد، دمشق 2017 – 2018، ص 27.

[7]  – أنظر، أ ب ت ث “النظام الرأسمالي: مفهومه وأسسه وعيوبه”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-04-2020.

[8]  – أنظر، أ ب ت ث “النظام الرأسمالي: مفهومه وأسسه وعيوبه”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-04-2020.

[9]  – أنظر، الرأسمالية،

https://www.aljazeera.net/encyclopedia/conceptsandterminology/2015/8/27/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9

[10]  – أنظر، أ ب ت ث “النظام الرأسمالي: مفهومه وأسسه وعيوبه”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-04-2020.

[11]  – بحث حول الأنظمة الاقتصادية، القطب الجامعي بالجلفة  Pôle universitaire djelfa

https://www.facebook.com/2209629052380929/posts/2215118951831939/

[12]  – بحث حول الأنظمة الاقتصادية، القطب الجامعي بالجلفة ، المصدر السابق.

[13]  – الدكتور مصطفى العبد الله الكفري، انظمه اقتصاديه، الموسوعة العربية،

http://arab-ency.com.sy/overview/183 .

[14]  – محمد سيد رصاص، هل انتهى مدّ الليبرالية الجديدة لمصلحة سياسات واقعية؟ الحياة 13/10/2008.

[15]  – تأسس نظام الاحتياطي الفيدرالي عام 1913 وزادت سلطته منذ عهد روزفلت في الثلاثينات من القرن الماضي.

[16]  – الوثيقة التأسيسية التي وقّع عليها بعض القادة الأمريكيين، من أهمهم ديك تشيني ورونالد رامسفيلد ووولفو فيتز ودوغلاس فيث.

[17]  – تصل قيمة الناتج المحلي الإجمالي الأميركي إلى حوالي  14 تريليون دولار.

[18]  – على سبيل المثال باعت الحكومة المصرية بعد الأزمة العالمية الكبرى شركة “كربونات الصوديوم” وهي شركة رابحة إلى شركة بلجيكية بمبلغ 760 مليون جنيه مصري. فخسرت مصر مرتين، الأولى خسارة الأرباح السنوية التي كانت تحققها الشركة، والثانية تحويل أرباح الشركة إلى بلجيكا.

[19]  – انطونيو ماريا كوستا مدير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في مقابلة مع مجلة بروفيل النمساوية الأسبوعية، ميدل ايست اونلاين: 25/1/2009 .

[20]  – أنظر، بشار المنير، الاثنين الأسود هل يُعيد البعض إلى رشدهم..؟ وداعاً لحياد الدولة – أفول الليبرالية الجديدة: ( كلنا شركاء ) 18/11/2008 .

[21]  – انكسار أم أزمة بنيوية؟ جمال باروت، جريدة العرب القطرية 28/9/2008.

[22]  – نظرة فيما يحصل! عبد القادر حصرية، صحيفة الثورة السورية 29/9/2008.

[23]  – قامت الحكومة البلجيكية في سياق الأزمة المالية الراهنة بتأميم مصرف يعدّ من أكبر عشرين مصرفاً على المستوى الأوربي، في خطوة مشتركة مع هولندا واللوكسمبورغ.

[24]  – أنظر، انكسار أم أزمة بنيوية؟ جمال باروت، جريدة العرب القطرية 28/9/2008.

[25]  – رأسمالية،

https://www.marefa.org/%D8%B1%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9

[26]  – المصدر السابق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ستة عشر + 17 =

آخر الأخبار