بورصة دمشق: تداولات صناعية قياسية وخسائر جماعية

 دمشق - رهام علي الأحد 2025/09/28

بورصة دمشق: تداولات صناعية قياسية وخسائر جماعية

بلغ إجمالي قيمة التداول في سوق دمشق للأوراق المالية نحو 47.1 مليار ليرة (getty)

دمشق – رهام علي الأحد 2025/09/28

بلغ إجمالي قيمة التداول في سوق دمشق للأوراق المالية نحو 47.1 مليار ليرة (getty)

خلال أسبوع اتسم بالتقلبات الحادة، لفتت بورصة دمشق الأنظار بتسجيلها تداولات غير مسبوقة تجاوزت 47 مليار ليرة سورية، لتكشف عن نشاط استثنائي في بعض القطاعات، يقابله تراجع جماعي في مؤشرات السوق. هذا التناقض أثار تساؤلات حول طبيعة الصفقات الضخمة وأثرها على حركة السوق، في الوقت الذي يواصل فيه المستثمرون البحث عن فرص آمنة وسط أجواء اقتصادية معقدة.

تداولات قياسية ومؤشرات حمراء

وفقاً للبيانات الرسمية، بلغ إجمالي قيمة التداولات في سوق دمشق للأوراق المالية نحو 47.1 مليار ليرة، توزعت على 1847 صفقة، بينها صفقتان ضخمتان تجاوزت قيمتهما 37 مليار ليرة. وبالرغم من هذا النشاط اللافت، لم تنعكس السيولة على المؤشرات الرئيسة التي أغلقت جميعها باللون الأحمر، حيث خسر مؤشر DWX نحو 3.84 بالمئة من قيمته، وتراجع مؤشر DLX بنسبة 6.55 بالمئة، في حين هبط مؤشر DIX بنسبة 5.33 بالمئة. ويعكس هذا التناقض حالة من عدم الاتساق بين حجم الأموال المتداولة والأداء العام للسوق، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات حول طبيعة هذه الصفقات، وأثرها الحقيقي في تحريك السوق.

الصناعات تتصدر والبنوك تسيطر

برز القطاع الصناعي بوصفه أكثر القطاعات نشاطاً لناحية القيمة، مدفوعاً بالأداء الاستثنائي لسهم شركة “إسمنت البادية” الذي استحوذ منفرداً على أكثر من 39 مليار ليرة من إجمالي التداولات. هذا التركّز الكبير في سهم واحد يعكس، وفق خبراء، هشاشة في تنوع السيولة داخل السوق، حيث يعتمد النشاط الكلي على تحركات محدودة لا تعبّر بالضرورة عن حيوية واسعة.

في المقابل، حافظ قطاع البنوك على موقعه التقليدي بوصفه الأكثر نشاطاً من حيث عدد الصفقات؛ إذ بلغت قيمة التداول فيه نحو 7.6 مليار ليرة عبر أكثر من 1500 صفقة، وهو ما يعكس استمرار الثقة النسبية في الأسهم المصرفية بالرغم من الضغوط على المؤشرات.

ثقة متنامية وفرص استثمارية

يرى رجل الأعمال هادي غزلان، أن النشاط الملحوظ في سوق دمشق للأوراق المالية خلال الأسبوع الفائت، يمثل مؤشراً إيجابياً على تنامي الثقة بالسوق، بالرغم من التراجع الذي شهدته المؤشرات الرئيسة.

ويبين غزلان في تصريح لـِ”المدن”، أن التداولات التي قاربت 47 مليار ليرة، لا سيما في القطاع الصناعي، تعكس اهتمام المستثمرين بالقطاعات التي تمتلك أساساً إنتاجياً حقيقياً، وهو ما يعززه الأداء الاستثنائي لأسهم الصناعات.

كذلك، يشير غزلان إلى أن حركة التداول المرتفعة، على الرغم من انخفاض مؤشرات DWX وDLX وDIX، توحي بأن السوق تمر بمرحلة إعادة تموضع طبيعية بعد موجة صعود سابقة.

ويضيف أن المستثمرين بحاجة إلى التركيز على الشركات ذات الأداء التشغيلي القوي والقيمة الحقيقية، بعيداً عن الانجرار وراء تقلبات قصيرة الأمد، مشدداً على أن الفرصة تكمن في المتابعة الهادئة واتخاذ القرار المدروس، “فالسوق بدأت تتحرك، والمؤشرات بالرغم من تراجعها لا تلغي وجود فرص واعدة لمن يقرأ التحولات بدقة”، وفق تعبيره.

خدمات خجولة وتأمين مستقر

بالمقارنة مع الصناعي والمصرفي، جاء أداء قطاع الخدمات باهتاً؛ إذ لم تتجاوز قيمة تداولاته 52 مليون ليرة موزعة على 29 صفقة فقط، وهو ما يشير إلى ضعف جاذبية هذا القطاع للمستثمرين في الوقت الراهن. أما قطاع التأمين، فسجل تداولات بلغت 40.9 مليون ليرة، وسط استقرار شبه كامل في أسعار الأسهم، وهو ما قد يُفهم بوصفه إشارةً إلى ثبات نسبي، لكنه في الوقت نفسه يعكس غياب الحراك الاستثماري.

الفتور يسيطر على الاتصالات والسندات

لم تُسجل أيّة حركة على أسهم شركتي الاتصالات “سيريتل” و”MTN”، كما بقيت سندات الخزينة المدرجة من دون تداول، بالرغم من تنوع عوائدها. هذا الغياب يثير تساؤلات حول مدى جاذبية هذه الأدوات الاستثمارية، خصوصاً في ظل بحث المستثمرين عادةً عن بدائل أكثر أماناً. ووفق محللين، فإن تجمّد هذه القطاعات يعكس حالة فتور وثقة محدودة بالخيارات غير التقليدية داخل السوق.

المكاسب والخسائر: سوق منقسمة

على صعيد الأسهم الفردية، تصدر البنك الوطني الإسلامي قائمة الرابحين، يليه المصرف الدولي للتجارة والتمويل. في المقابل، كانت الخسارة الأبرز من نصيب سهم فرنسبنك – سورية، تلاه سهم “الأهلية لصناعة الزيوت النباتية”، ثم بنك الائتمان الأهلي، إضافة إلى بنك بيمو السعودي الفرنسي، وبنك البركة – سورية. ويكشف هذا التباين عن سوق منقسمة بين أسهم قليلة تحقق مكاسب نسبية، وأخرى تتعرض لضغوط مستمرة.

إغلاقات وتعطيلات تهز السوق

من جانبه، يقول المستثمر في بورصة دمشق وعضو مجلس النهضة السورية فراس غريب في تصريح لـ”المدن”، “إن السوق عانى منذ أكثر من ستة أشهر من الإغلاق الكامل، واستمرار تعطيل تداول بعض الأسهم من دون مبررات واضحة، في حين يستمر إيقاف أسهم مهمة بذريعة تأخر البيانات، وهو أمر لم يكن معمولاً به سابقاً”. ووفق غريب، فوجئ المستثمرون بتصريح مجلس إدارة سيريتل استمرار وقف تداول السهم عمداً، بالرغم من أن ذلك يُعدّ استباحة لحق التداول، والملكية الخاصة بالمساهمين، و”تعطيل غير أخلاقي”، وفق تعبيره.

ويشير غريب، إلى أن قرارات قديمة تُفعَّل فجأةً، مثل تعديل الحدود السعرية حتى عشرين ضعفاً دفعة واحدة، وهذا ما ينعكس سلبياً على السوق، في حين يواجه المستثمرون صعوبات في سحب النقد عند البيع، وغياب أيّة تسهيلات. مؤكداً أن حالة التفاؤل التي سبقت إعادة افتتاح السوق انحسرت، فلم تصدر التسهيلات المنشودة.

كذلك، يعرب غريب عن استغرابه الشديد من عدم تعديل القانون، الذي يفرض أن تكون حصة الأجانب في البنوك الخاصة بين 49 و60 بالمئة مقابل ملكية الباقي للسوريين، وهو قانون يُفترض تعديله للسماح ببنوك مملوكة للسوريين بالكامل. مشدداً على أنه لا يحصل على أيّة إجابة إيجابية في هذا الخصوص.

وعن أداء السوق، يرى غريب أنه “لا يرقى للتوقعات”؛ إذ تُلغى اجتماعات الهيئات العامة فجأةً، أو تُشطب بنودها بالكامل باستثناء بند واحد، كما يحدث في بعض شركات التأمين، في حين يلغي بنك “بيمو” اجتماعه من دون توضيحات، ويلغي بنك الائتمان الأهلي اجتماعه قبل 24 ساعة فقط من موعده، بالرغم من وجوب الإعلان قبل 15 يوماً على الأقل، وهو ما يعكس حالة اضطراب ومفاجآت مقلقة.

ويضيف غريب أن الجهات الرقابية لا تُقدّم تطمينات للمستثمرين، موضحاً أن التداولات العادية في الجلسة الأخيرة لا تتجاوز ملياراً و150 مليون ليرة، في حين أنَّ الأرقام الكبيرة تأتي نتيجة صفقات ضخمة تبلغ نحو 37 مليار ليرة، وهي في حقيقتها نقل ملكيات بين مستثمرين تُسجَّل شكلياً للإفصاح، ولا تؤثر على أسعار الأسهم، لأنها تجري خارج القنوات المصرفية والسوقية التقليدية، بخلاف التداولات اليومية التي تحددها أسعار التنفيذ الفعلية.

سيولة شكلية وفجوة ثقة

في مجمل الصورة، تبدو سوق دمشق للأوراق المالية كأنها تعيش حالة من “السيولة الانتقائية”، حيث تتركز أحجام التداول في صفقات محددة، في حين يظل الأداء العام ضعيفاً وغير متوازن. وبالرغم من أن تداولات الأسبوع تجاوزت 47 مليار ليرة، إلا أن هذا لم يمنع المؤشرات من الهبوط على نحوٍ جماعي، وهذا ما يسلط الضوء على الفجوة بين النشاط الشكلي للسوق وقوتها الفعلية. ويرى محللون أن استمرار هذا النمط قد يحد من قدرة البورصة على استقطاب استثمارات جديدة، خصوصاً في ظل غياب التنوع، وتراجع ثقة المستثمرين ببعض القطاعات الرئيسة.

https://www.almodon.com/economy/2025/09/28/

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

1 × 3 =

آخر الأخبار