7 محاور يمكن للبنك الدولي من خلالها الإسهام في تمويل التنمية العربية

الدكتور محمود محيى الدين، 20-1-2019 | 19:35

7 محاور يمكن للبنك الدولي من خلالها الإسهام في تمويل التنمية العربية

محمود محي الدين

الدكتور محمود محيى الدين، 20-1-2019 | 19:35

أكد الدكتور محمود محيى الدين، النائب الأول لرئيس البنك الدولي، أن العالم أصبح أكثر تقلباً من الناحية السياسية، وأكثر هشاشة من الناحية الاقتصادية، وانخفضت معدلات نمو الاقتصاد العالمي، وتزايدت حالات التوتر والنزاعات في التجارة الدولية، وازدادت المخاطر المحدقة بالاقتصادات المختلفة مع احتمالات ارتفاع تكلفة الاقتراض.

وعرض محيى الدين رؤيته في تمويل التنمية العربية من خلال سبعة محاور، يمكن لمجموعة البنك الدولي من خلالها الإسهام في تطويرها من خلال الدعم الفني والإسهام المالي.

وقال النائب الأول لرئيس البنك الدولي خلال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي عقدت في بيروت، إن العالم يشهد تغيرات في موازين القوى الاقتصادية العالمية والاقليمية، والتي تسارعت وتيرة تغيرها مع الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008، وما سبقها ولحقها من أزمات في أسعار الغذاء والطاقة. وتعكس، فيما تعكس، تواتر النزعات الحمائية، وتصاعد دور التيارات الشعبوية اليمينية واليسارية مع حدة الاستقطاب في الشارع السياسي، تزامناً مع حالة الجزع من تراجع نسبي لبعض القوي الاقتصادية التقليدية، وتقدم للبازغين من القوى الاقتصادية الجديدة.

وأضاف “بين المنحسرين والبازغين يتلمس العرب مكاناً لهم على أمل أن تكون ترتيبات النظام الدولي الجديدة أكثر إنصافاً. وقد علمنا أنه بغير الدأب المتواصل على التطوير والتحديث والارتقاء برأس المال البشري وتطويع تكنولوجيا العصر تخسر الأمم في مضمار التقدم، ولا يبقى لديها من مجد الأقدمين إلا آثار وأطلال.

وفي ظل هذه الحالات من الاضطراب وعدم اليقين والحراك السريع الذي يشهده عالم شديد التغير، يعاني من تقلبات بيئية وتغيرات المناخ وزيادة مخاطر الجفاف ارتفاع موجات نزوح البشر وكثرة اللاجئين والمهاجرين قسراً بسبب الصراعات والكوارث الطبيعية وتسارع وتيرة التحولات التكنولوجية في عصر أُطلق عليه “عصر المربكات الكبرى”، تجد الاقتصاد العربي، فضلاً عن هذه التحديات العالمية التي يتأثر بها، وقد أصابته، منذ بداية هذا العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، من الملمات الجيوسياسية ما أصابه، إذ تقدر تكلفة الخسائر في النشاط الاقتصادي بسبب الحروب والصراعات ما يزيد على 900 مليار دولار لتضيف عبئاً على أعباء تراكمت من تراجع في النمو والتنمية الشاملة في البلدان العربية إلا قليلاً”.

وتابع “بينما نجحت الأقاليم الاقتصادية حول العالم من تخفيض نسبة من يعانون من الفقر المُدقِع، إلا أن هذه النسبة قد زادت عربياً إلى الضعف من 2.6% إلى 5% في الفترة من 2013 وحتى 2015 وهو آخر إحصاء صدر عن البنك الدولي في عام 2018.. كما أن الإقليم الاقتصادي العربي هو الأسوأ في عدم العدالة في توزيع الدخل، إذ يستحوذ أغنى 10% من السكان على 61% من الدخل القومي، في حين أن العشرة بالمائة الأغنى في أوروبا لا يتجاوز نصيبهم 37% وفي الصين 41% والهند 55% من دخولهم القومية.”

واستطرد “حري بالاقتصاد العربي التحرك سريعاً ليلبي احتياجات عموم الناس وتوقعاتهم. ولكن تأتي توقعات النمو الاقتصادي مشيرة إلى تحسن طفيف في نمو الاقتصادات العربية لتصل إلى 2.3% في هذا العام، مقارنة بالعام الماضي الذي استقر معدل نمو الاقتصاد فيه عند 2% فقط. وهو رقم شديد الانخفاض لا يلبي احتياجات التنمية وزيادات السكان وتوقعاتهم.”

وقال “يعاني الاقتصاد العربي من أعلى نسبة بطالة في العالم، إذ وصلت هذه النسبة إلى 10.6% وهي تقترب من ضعف متوسط نسبة البطالة العالمية ومقدارها 5.7%. وهي أشد تركزاً بين شباب العرب وأعلى بين النساء مقارنة بالرجال. ويحتاج الاقتصاد العربي توليد 10 ملايين فرصة عمل جديدة كل عام حتى يتصدى لمعضلة البطالة، على أن تتاح هذه الفرص وفقاً لسياسات نمو شاملة تعزز من فرص مشاركة النساء في سوق العمل، على النحو الذي أكده فريد بلحاج نائب رئيس البنك الدولي في كلمته أمس بمؤتمر المشرق حول التمكين الاقتصادي للمرأة، تحت رعاية الرئيس سعد الحريري. يأتي هذا إنصافاً للمرأة العربية وتقديراً لكفاءتها كلما أتيحت لها الفرص، ودعماً لتنمية مستدامة لا تفتئت على حقوق الناس أو تهدر تصف طاقته البشرية عبثاً.”

وأضاف “المجتمعات العربية تزداد شبابية في هرمها السكاني، فما يقترب من 60% من السكان تحت سن الثلاثين، ويتزامن ذلك مع زيادة توقعات العمر عند الولادة في ذات الوقت وهي أمور إيجابية إذا أحسن الاستعداد لها بزيادة الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية كمكونات رئيسية لرأس المال البشري، والبنية الأساسية المعينة على الاستفادة من أنشطة الاقتصاد الجديد الذي تدخل تكنولوجيا المعلومات والمستجدات الرقمية في كافة أبعادها. فضلاً عن الاستثمار في مجالات التوقي من المخاطر.

وإن كانت هذه أولويات المستقبل الذي تضع أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 إطاراً عملياً زمنيا لها، فإن التعامل معها يلزمه استثمار ضخم يحتاج إلى موارد مالية متنوعة المصادر وفقا لخطة عمل تمويل التنمية التي أقرتها الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في يوليو من عام 2015، في أديس أبابا.”

وتابع “قد تقدمت عشر دول عربية بخططها الطوعية لبرامجها التنموية في إطار المنتدى السياسي رفيع المستوى للمنظمة الأممية، وستتبعها 6 دول أخرى في يوليو القادم، توافقت برامجها المعلنة مع أجندة التنمية المستدامة. وقد علمتنا تجارب التنمية أن الأمر يتطلب ثلاث مستلزمات: بيانات وافية تعين اتخاذ القرار وتتابعه، وتمويل مناسب لبرامج ومشروعات التنمية، وتطبيق فعال على المستوى المحلي”.

واستطرد “تظهر الدراسة المتميزة التي أعدها “المنتدى العربي للبيئة والتنمية” والصادرة في بيروت في شهر نوفمبر الماضي، أن الاقتصادات العربية تحتاج إلى تمويل يصل حده الأدنى إلى 230 مليار دولار سنوياً، للإسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأن الفجوة التمويلية في الدول ذات العجز المالي تصل إلى 100 مليار دولار سنوياً. فدعونا نتدبر سوياً من أين سيأتي هذا التمويل الضخم.”

وقال “أود تأكيد أن تمويل التنمية المستدامة لا يأتي من خلال صفقات مالية متناثرة أو إنفاق مشتت، بل يجب أن يستند لنهج متكامل قوامه سياسات متناسقة ومؤسسات ذات كفاءة. ويعتمد هذا النهج على تمكين الشباب والمرأة من خلال إتاحة فرص العمل والاستثمار وريادة الأعمال من خلال مؤسسات متخصصة وتمويل داعم. كما يركز هذا النهج على توطين التنمية محلياً في منافسة بين المدن والمحافظات والأقاليم في جذب الاستثمارات، وتطوير وحدات الإنتاج والخدمات الأساسية والمتطورة ورفع الكفاءة من خلال إجراءات المالية العامة ودفع التنافسية وتحفيز الابتكار”.
ولا يغني ذلك عن منع نزيف خسائر الكيانات الاقتصادية المملوكة للدولة، وضرورة استخدام الأصول المعطلة في زيادة الموارد وتحويلها إلى أصول منتجة أو أرصدة تمول التنمية، لا أن تترك بلا نفع فيها كأعجاز نخل خاوية.

وأضاف “أول محاور تمويل التنمية العربية السبعة، التي يمكن لمجموعة البنك الدولي الإسهام في تطويرها من خلال الدعم الفني والإسهام المالي ونقل الخبرات الدولية والمعارف، يعتمد على تعبئة الموارد المحلية بكفاءة وإنفاقها بفاعلية وحسن استهداف مجالات الإنفاق العام، وهناك ضرورة للتصدي العاجل لخلل الموازنات العامة العربية، وما يترتب عليه من تراكم للمديونيات المحلية والدولية، وارتفاع معدلات التضخم والغلاء. فرغم تحسن طفيف طرأ على إجمالي موازنات الاقتصادات العربية بانخفاض العجز فيها إلى 4.5%، وفقاً للتقديرات مقارنة بالعام المنصرم، فإن مدى تعرضها لصدمات اقتصادية ما زال كبيراً، ومع اتجاهات ارتفاع تكلفة الاقتراض لتمويل العجز وانخفاض الإيرادات السيادية، تتزايد المخاطر”.

وتابع “نلاحظ أنه رغم جهود بذلت لتنويع الهيكل الإنتاجي للاقتصادات العربية ومواردها، فإن موازناتها العامة وموازين مدفوعاتها الدولية ما زالت شديدة التأثر بتقلبات أسعار النفط بشكل مباشر وغير مباشر. فبعدما تجاوز متوسط سعر النفط 100 دولار في الفترة من 2011 إلى 2014، أصبح أقل من 50 دولاراً في الفترة من 2015 إلى 2018، والتوقعات، التي تتم مراجعتها دوريا، أن يحوم السعر حول 69 و74 دولارًا في العامين الحالي والقادم. وهذا التقلب الشديد في أعوام قليلة لا يعين على ضبط الموازنات ودفع النمو لاقتصادات ما زالت شديدة الارتباط بسلعة واحدة ومشتقاتها، في عالم يشهد تغيرًا في خريطة تصدير النفط وتخفيض الاعتماد عليه بالتنوع في مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة.”

واستطرد “قد شاهدنا جهود الإصلاح ومساعي تنويع القاعدة الإنتاجية ومصادر الطاقة وهي تشتد مع انخفاض أسعار النفط في الدول المصدرة، ومع ارتفاعه في الدول المستوردة، ثم سرعان ما تفتر هذه الجهود مع تغيرات اتجاه الأسعار مما يعسر من شأن الاقتصاد واستقراره ونموه.

حسناً فعلت بعض الدول العربية باتخاذ إصلاحات في المالية العامة وبإنشاء صناديق سيادية، تديرها مؤسسات محترفة لزيادة العوائد على الاستثمار وتنويع مصادر الدخل وحماية حقوق الأجيال القادمة.. لكن هناك حاجة إلى تحسين الموارد الضريبية للموازنات العامة العربية التي تبلغ متوسطًا 11% من الدخل القومي بما يقل عن المتوسط الموصى به، بألا تقل إيرادات الضرائب عن 15% من الدخل القومي. وهذا يستوجب إصلاحاً مؤسسياً وتشريعياً وتوعية وعدالة في تحمل العبء الضريبي وكفاءة وفاعلية وانضباط في الإنفاق العام، وتفعيل مبادئ الشفافية والحوكمة وإنفاذ لأحكام القانون وليس مجرد رفع لمعدلات ضرائب لا يتم تحصيلها.”

وأضاف “تظهر تجارب التنمية الناجحة أيضاً أهمية حتمية لإدارة الموازنات على مستوى السلطات المحلية مرونة وحصافة، وإلا ضاعت جل جهود الإصلاح هباءً.

ثانياً، تفرد خطة عمل تمويل التنمية مجالاً رحباً لمشاركة القطاع الخاص المحلي في تحقيق أهدافها، فلن تكفي موازنات الدول وحدها للقيام بمشروعاتها الطموحة. ودور القطاع الخاص لن يأتي من أبواب التبرع والأعمال الطوعية، ولا يستقيم معه أن تكتفي الشركات بأن تجعل لديها وحدة للدعاية بأنشطة خيرية متناثرة تحت مسمى المسئولية الاجتماعية. ولقد اتخذت الشركات، التي تأخذ التنمية المستدامة مأخذ الجد، هياكل جديدة لتنظيم العمل فأسست إدارات تنفيذية للاستدامة، حلت محل وحدات المسئولية الاجتماعية التقليدية. ربما احتفظت هذه الوحدات بذات المسمى القديم، ولكنها في الهيكل الجديد أصبحت فعلياً ذات صلاحيات تنفيذية محددة وتتبع الإدارة العليا مباشرة، وتعمل على متابعة تطبيق معايير وإجراءات الاستدامة وإدماجها في مراحل الإنتاج وأولوياته وعمليات اتخاذ القرار، وتحث الشركاء التجاريين والموردين، عبر سلاسل الإنتاج والتوزيع، على التوافق معها.”

وتابع “يبرز دور القطاع الخاص بأحجام مشروعاته المختلفة في إتاحة فرص العمل، فهو المشغل الأكبر للقوى العاملة رغم ما يواجهه من تحديات وعوائق وتعقد الإجراءات، ويعكسها تراجع تصنيف أغلب الدول العربية في التقارير الدولية عن ممارسة الأعمال والتنافسية وفرص الابتكار والتطوير وحماية حقوق الملكية؛ هذا باستثناءات محدودة لبعض الدول العربية”.

وقال “كما يمكن للقطاع الخاص الإسهام في المشروعات التنموية الضخمة من خلال نظم مختلفة للمشاركة إذا صُممت العقود بإنصاف وشفافية لأطرافها، وحددت مسبقاً التزاماتها دون تغييرات مفاجئة، وجهزت المشاريع القابلة للتمويل والاستثمار والإعلان عنها، وتم التنسيق بين أجهزة الدولة القطاعية والرقابية بما يوضح الرؤية دون التباس.
وبضبط الإنفاق العام سيتاح التمويل المصرفي وغير المصرفي للقطاع الخاص، ليقوم بدوره في التنمية مسهماً في نمو الاقتصاد ومتيحاً لفرص العمل ودافعاً للضرائب عن أرباحه المتحققة.”

وأضاف “خفضت التقنية المالية الحديثة من تكلفة المعاملات، ورفعت قدرات خدمة أعداد غفيرة من العملاء الجدد من خلال خدمات الانترنت والهاتف الجوال. فوصلت الخدمات المالية لمناطق نائية وريفية بعدما كانت حكراً على بعض المناطق الحضرية.”

وتابع “لكن هناك مخاطر تتعلق بمدى تأمين نظم المدفوعات وأمان تداول المعاملات، وحماية المتعاملين وسرية حساباتهم ووقايتها من مخاطر جديدة قد تتعرض لها شبكات التداول ومنصاتها. كما أن هناك تحدياً يرتبط بالتنسيق بين جهات الرقابة المالية والبنوك المركزية وشركات تقديم خدمات الهاتف وشركات التكنولوجيا. وقد فرضت انتهاكات للخصوصية، من خلال الولوج إلى قواعد البيانات الكبرى والتلاعب بها، خطراً جديداً ينبغي التصدي له. كما تظهر خدع ما يسمى بالعملات الرقمية المشفرة، والتقلب العنيف في أسعارها بين ارتفاع وانهيار بلا سبب منطقي معلوم، ضرورة أخرى لوجود سياسة متكاملة للتقنية المالية، والارتقاء بالرقابة المالية ومهارات العاملين فيها، وتطوير قواعد حماية المتعاملين مع الجهات التي توفر الخدمات المالية، سواء كانت مصرفية أو غيرها، والارتقاء بالوعي المالي في المجتمع. وقد شهدت الاجتماعات السنوية الأخيرة للبنك وصندوق النقد الدوليين، التي عقدت في بالي بإندونيسيا، تدشينا لما أطلق عليه “أجندة بالي للتقنية المالية”، تناولت 12 عنصراً محدداً لزيادة النفع من إسهامات التقنية المالية في تعبئة الموارد وتوجيهها لمسارات التنمية، مع الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي وحماية الحقوق. والعبرة، من قبل ومن بعد، بفاعلية التطبيق”.

واستكمل “ثالثا، في خطة تمويل التنمية المستدامة محوراً لتدفقات التمويل الخاصة في شكل استثمارات أجنبية وغيرها. وتبرز الإسكوا في دراسة لها أن مقابل كل دولار من الاستثمارات يأتي للاقتصاد العربي، فإن 1.8 دولار يخرج منها كاستثمارات في دول غير عربية أو كعوائد استثمار للشريك الأجنبي، علماً بأن الاستثمارات الأجنبية للدول العربية في عمومها قد تراجعت، ولم تعد لمستويات ما قبل الأزمة المالية العالمية. هذا فضلاً عن تزايد حجم الإيداعات العربية في الخارج في شكل ودائع مصرفية. وإذا أضفنا تحويلات العاملين بالخارج، فرغم أهميتها لعدد من الدول العربية، فإن الاقتصاد العربي مُصدر صاف لهذه التحويلات. قد تختلف هذه الصورة في بعض البلدان ولكن هذا هو الوضع العربي العام”.

واستطرد “تلوح فرصاً للاقتصادات العربية مع تدفقات متزايدة عالمياً في مجالات التمويل الأخضر، وكذلك ما يعرف بالاستثمار المؤثر وتزايد إنشاء صناديق تمويل ضخمة على مدار العامين الماضيين، صرح مؤسسوها بأن استثماراتهم تتشكل من هذا النوع المؤثر اجتماعياً وبيئياً لا سواه. وأُعلن مؤخراً أن الأصول المستثمر فيها قد بلغت 228 مليار دولار في شهر ديسمبر 2018، بزيادة تقدر بضعف قيمة ما كانت عليه في العام السابق. وتشير التوقعات، إلى أن تتجاوز أرقام هذه الاستثمارات تريليون دولار في الأجل القصير”.

وقال “يميز هذا النوع من الاستثمار استهدافه لمجالات تحقق عائداً اجتماعياً وبيئياً إيجابياً، قابلاً للقياس، فضلاً عن العائد المالي لمشروعاتها. قد يتداعى إلى الذهن أن الاستثمار المسئول اجتماعياً أمر متعارف عليه منذ فترة، ويعتمد على معايير بيئية واجتماعية بالإضافة للحوكمة. لكن الجديد في الأمر يتمثل في أن المستثمرين لا يكتفون بمجرد تجنب إلحاق الضرر بالبيئة أو المجتمع، لكنهم يستهدفون بالأساس تحقيق قيمة مضافة إيجابية وملموسة من خلال مشروعاتهم.”

وتابع “رابعاً، استقرت المساعدات الإنمائية الرسمية عالمياً عند متوسط 150 مليار دولار سنوياً، رغم مطالبة الدول المانحة بالوفاء بتعهد منحها 0.7% من دخولها للدول الأقل دخلاً، فقليل من المانحين يلتزمون. لكن نصيب المنطقة العربية قد زاد مؤخراً بعد انخفاض لسنوات، وتوجهت بالأساس للمجالات الإنسانية وعون اللاجئين. وفي كل الأحوال، فإنه رغم أهمية هذه المساعدات للدول منخفضة الدخل، وتلك التي تعاني من هشاشة أو عانت لسنوات من صراعات وحروب أهلية، فإنها من الممكن أن تعين في مراحل التحول نحو الاستقرار خاصة في القطاعات ذات الأثر الاجتماعي.”

وأضاف “خامساً، مع ارتفاع الديون في كثير من الدول العربية، وانخفاض الادخار في أغلبها، أصبح لزاماً عليها أن تحدد إطار تمويل التنمية بشكل متكامل، وكيفية التنسيق بين مصادر التمويل العامة والخاصة والمحلية والأجنبية وتفعيل نظم المشاركة بما يدفع بالنمو قدماً ويقلل أعباء الديون. وتحدد ورقة عمل مشتركة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ثلاث مجالات للتعامل مع متطلبات إدارة الديون العامة، أولها هو زيادة قدرات الدول على التحليل الفني للديون والمالية العامة وسياساتها. والمجال الثاني معني هو تدعيم نظم الإفصاح والمعرفة والمعلومات لكي يتضح حجم الديون والالتزامات بأنواعها على كافة الأطراف وإجراءات الإصلاح وفتراتها وأعبائها. والمجال الثالث يرتبط بتدعيم قدرات مؤسسات الدولة والتنسيق بين سياساتها في مجال إدارة الديون والمخاطر. غني عن الذكر، أن هذه المجالات الثلاثة في التعامل مع الديون تستوجب إدارة فعالة لجانب الأصول المملوكة للدولة وتعظيم العائد منها.”
واستكمل “سادساً، هناك بعد للتجارة لا ينبغي إغفاله في تحقيق أهداف التنمية، وما زالت التجارة البينية في العالم العربي متواضعة عند نسبتها إلى إجمالي التجارة، فهي لا تتجاوز 10% في أفضل الأحوال تعوقها تكاليف النقل واللوجيستيات رغم اقتراب المسافات، ورغم وفرة في المواثيق الممكنة لانسياب التجارة البينية إلا أن تفعيلها كان محدوداً في تخفيض تكلفة المعاملات، وهناك إشارة أن المتوسط الإقليمي العربي لإجراءات تيسير التجارة لا يتجاوز 56% في بعص التقديرات، فضلاً عن المعوقات غير الجمركية ومصاعب التجارة في الخدمات”.

وقال “تتيح تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي، إذا ما استخدمت بكفاءة، فرصاً كبيرة لتدفق الصادرات والواردات العربية البينية.”

وأضاف “إذا كان هذا شأن التجارة التقليدية، فلعله من الواجب اليوم أن يكون لدى الاقتصادات العربية إستراتيجية متكاملة تختص بالتجارة الإلكترونية تسهم في التوافق مع متطلبات الثورة الصناعية الجديدة، وأنماط نشاطها الاقتصادي القائم على المنصات الإلكترونية وشبكاتها وقواعد البيانات الكبرى وتأمينها وضمان تسوية مدفوعاتها وتيسير أعمالها وحماية المتعاملين في نطاقها، وتشجيع المنافسة والشمول لخدماتها وربطها بقطاعات الإنتاج من خلال سلاسل القيم.”

واستكمل “سابعاً، كما أكدت وثيقة تمويل التنمية المستدامة لن تتحقق أهداف التنمية المستدامة دون الانتفاع بالعلم والاستفادة من التكنولوجيا والابتكار”.

)بالعلم والمال يبني الناس ملكهم… لم يبن ملك على جهل وإقلال.( هكذا احتفى أمير الشعراء أحمد شوقي منذ 100 عام بتأسيس طلعت حرب ورفاقه من رواد الاستثمار لبنك مصر.

وأضاف “ففي الوقت الذي يشهد العالم فيه بزوغ الثورة الصناعية الرابعة، نتذكر أنه لم يكن نصيب العرب من الثورات الصناعية الثلاث السابقة وعوائدها متناسباً مع مقومات وإمكانيات كامنة لديهم. ففي القرن الثامن عشر، كان اختراع المحركات البخارية وما أحدثه من نقلة نوعية في اقتصاديات الإنتاج الصناعي إيذاناً بالثورة الصناعية الأولى. أما الثورة الصناعية الثانية، فقد تزامنت مع اكتشاف الكهرباء في القرن التاسع عشر، واستحدثت منتجات جديدة غيرت أنماط الإنتاج وطورت من حياة البشر. أما الثورة الصناعية الثالثة، فلقد اعتمدت على المستجدات التكنولوجية في القرن العشرين التي ارتبطت باختراع وتطوير الحواسب الآلية وانتشارها في مجالات الإنتاج والخدمات ووسائل المعيشة. إلا أن الثورة الصناعية الجديدة تمثل نقلة كبرى في انطلاق الاقتصاد الرقمي وتكنولوجيا المعلومات وما يرتبط بها من ابتكارات ومنتجات التي ستبدل حياة الناس والإنتاج بما لم تسبقها إليه أي من الثورات الصناعية السابقة”.

وتابع “ليست هناك ثمة مبالغة بالقول، بأن “قواعد البيانات الكبرى هي النفط الجديد” ، فقواعد البيانات الكبرى هي وقود عصر المعلومات والاقتصاد الرقمي، ولا عجب في أن الشركات التكنولوجية الخمس المسيطرة على قواعد البيانات الكبرى هي الأكبر ربحية والأعلى قيمة في أسواق المال. فهل أعد العرب عدتهم للتعامل مع هذا النفط الجديد؟ للإجابة على هذا السؤال تنبغي مراجعة قوانين المعلومات، مثلما فعلت أوروبا بتشريعها بشأن “القواعد الرقابية العامة لحماية البيانات”. كما تجب مراجعة الكفاءة المؤسسية في التعامل مع البيانات والمعلومات جمعاً وحفظاً وتحليلاً وتداولاً وإفصاحاً ومعايير حماية الخصوصية والسرية.”

واستطرد “علمنا من نتائج الثورات الصناعية الأولى، أن المستقبل لمن سعى منطلقاٌ إلى رحاب التقدم، وأن الفيصل بين التقدم والتخلف مرتهن بسرعة توافق المجتمعات والاقتصادات لمستجدات التكنولوجيا وترويضها لنفع الناس.”

وقال “هناك مؤشر هام يمكن الاسترشاد به، على سبيل المثال، للتحقق من القدرة على الاستفادة من الثورة الصناعية الجديدة وارتياد موجاتها وهو التصنيف الدولي للرقم القياسي الجديد لرأس المال البشري، الصادر عن البنك الدولي في عام 2018، والذي صنف اقتصادات الدول وفقاً لمؤشرات تفصيلية للتعليم والرعاية الصحية واحتمالات توقع الحياة للمواليد حتى سن الالتحاق بالمدارس. ولم يكن غريبًا أن تحتل سنغافورة وكوريا واليابان المراكز الثلاثة الأول وتجد في ذيل القائمة التي شملت 157 دولة اقتصادات شاسعة الأراضي وغنية بالموارد الطبيعية. أما الدول العربية فكان أداؤها، باستثناءات محدودة، سيئاً ولا يليق بقدراتها وكانت النتيجة مماثلة أيضا في مؤشرين آخرين:

  • مؤشر الاستعداد للتغيير واستيعابه الذي تعده مؤسسة “كي بي إم جي” متضمناً قدرات الحكومات وقطاعات الأعمال والمجتمع المدني على اغتنام الفرص التي يتيحها التغيير، سواء كانت صدمات أو متغيرات سياسية واقتصادية تحمل فرصاً أو مخاطر يمكن التعامل معها.
  • وكذلك تصنيف وحدة الاستعلامات لمؤسسة الاكونوميست للإمكانات التكنولوجية المتاحة، من حيث استخدام شبكة المعلومات والبنية الأساسية للاقتصاد الرقمي والانفتاح على الأفكار والابتكارات، بما في ذلك براءات الاختراع والإنفاق على البحث والتطوير.

لعل فكرة التقدم من خلال التنمية المستدامة، والطموحات المرتبطة بها، تستوجب الاستفادة من منهج عملي واقعي للتنفيذ. وبمناسبة مرور 50 عاماً على هبوط أول إنسان على سطح القمر لنا فيما فعله الرئيس الأمريكي الأسبق، جون كينيدي، مع وكالة الفضاء الأمريكية مثلاً. فقد أُسست هذه الوكالة، المشهورة بناسا، في عام 1958 لتحقيق أهداف عامة متعددة كغزو الفضاء وتطوير تكنولوجيا متقدمة في مجال عملها، إلى غير ذلك من أهداف عامة، وحشد لوكالة ناسا من الموارد ما حُشد، وجُمع لها من العلماء ما جُمع. لكن كينيدي أنقذها من مصير بيروقراطي محتوم بأن جعل لها هدفاً محدداً، وبدونه لظلت هائمة تطلع إلى المجهول دون هدى أو دليل. فما فعله كينيدي في عام 1961 هو أن جعل لوكالة ناسا هدفاً محدداً بأن تصل بأول إنسان إلى سطح القمر وأن تعود به سالماً إلى الأرض قبل نهاية عقد الستينيات. وبهذا حول غموض تعدد الأغراض، إلى هدف طموح، محدد الزمن، سهل التخيل، يمكن الحكم عليه بالنجاح والفشل، فتعبأ له الموارد وتحتشد خلف تحقيقه الجهود، وتستثار من أجل تحقيقه الهمم وتشحذ العقول. وقد تحقق هذا الهدف فعلاً في عام 1969 بالخطوة الأولى التي خطاها رائد الفضاء نيل أرمسترونج، والتي كان لها ما بعدها كقفزة عملاقة للبشرية، كما تنبأ في كلمته التي بثها من القمر إلى سكان الأرض.

كان ذلك الإنجاز الهائل نتيجة لما يطلق عليه الآن “رمية نحو القمر” بمعنى الطموح الجريء في اتخاذ القرار. فكما يؤكد بيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، من أن الرمية الموفقة نحو القمر تتصف بأنها ذات هدف قابل للقياس، ويأخذ بألباب الناس ويلهمهم، ويغير بشكل جذري ما يمكن اعتباره ممكناً وقابلاً للتحقيق.

كم يحتاج العرب من رميات موفقة نحو أقمار التقدم والتنمية المستدامة والقضاء على الفقر والارتقاء بنوعية الحياة؟

وإذ نرجو أن يكون هذا العام الجديد عام خير، فلعل هذه الأولويات، وما يحيط بالتعامل معها من مستجدات عالمية وإقليمية، تكون مجالات لتعاون مثمر مشترك لما فيه نفع الشعوب العربية وعموم الناس”.

https://gate.ahram.org.eg/News/2099780.aspx

 

آخر الأخبار