الشيطان الأخضر

د. عدنان عباس حميدان

الشيطان الأخضر

كلية الاقتصاد الرابعة في السويداء - رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس  يصدر قراراً بتكليف الدكتور عدنان عباس حميدان بوظيفة مدير عام المكتب المركزي  للإحصاء ألف مبروك للدكتور عدنان حميدان في مهامه

الشيطان الأخضر

لقد ثبت نقديا وماليا وعمليا ان لعبه الشيطان الاخضر لا يجيدها الا من كان بها خبيرا ولعوبا مضاربا وذلك لأنه يتدخل في كل شيء يتعلق بشؤون الحياة المعيشية للبشر وباعتباره يمثل المعيار النقدي للتبادل التجاري الدولي والذي استطاع أن يحافظ على منزلته وقوته وحضوره منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وفك الارتباط عن الذهب بعد قرار نيكسون بإلغاء اتفاقيه بروتون ودزر. وبدلا من ارتباط الشيطان الاخضر مع الذهب أصبح اليوم مرتبط بأسعار الخبز والجبنة والبيض واللحوم…. الخ هذا عدا عن ارتباطه الاساسي بالنفط والغاز. وان فك الارتباط أصبح على المدى المنظور ضربا من الخيال ولكن احيانا تلجأ البنوك المركزية الى مداعبة وملاعبة هذا الشيطان علها تحقق اهدافا او غايات تصب في إطار الاقتصاد الكلي وذلك من خلال استخدام الدولار كمحرك لعجلة الاقتصاد التي قد تكون أحيانا متوقفة او شبه متوقفة ولتحريكها الى الامام يحتاج الأمر الى انتهاج سياسة عقلانية متدرجة وطويلة الاجل تقوم الحكومات بتنفيذها. وان الاجراءات التي اتخذها مصرف سورية المركزي في الفترة الاخيرة هو اجتهاد لا يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني وانما يصب في جيوب الصرافين والاعيبهم البهلوانية حيث يكتنزون الليرات السورية ويضاربون عليها في كل مكان وتحديدا بجوار البنوك العامة والخاصة التي تشكوا قلة السيولة بمعنى أخر ان سياسة حبس السيولة عن البنوك العامة والخاصة وفتح المجال لبيع الليرات السورية او شراء الدولار بالسوق سوف يحدث خللا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا.

اما بالنسبة للخلل الاقتصادي فان تجفيف السوق السورية من السيولة سوف يؤدي الى تباطئ او توقف عجله الاقتصاد ويدخل البلاد في حالة ركود اقتصادي وهذا الامر يعتبر بمثابة تحديا كبيرا للسوق السورية وبالتالي للاقتصاد السوري في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة من تاريخ سورية ولذلك فان المضاربات على الليرة السورية بهذه الادوات والألعاب انما تصب في مصلحة الصرافين مع الإشارة إلى ان تخفيض سعر الدولار الى 7000 ليره سوريه ومن ثم ارتفاعه الى 10000 حقق الصرافين ارباحا طائلة على حساب المواطن السوري وهي بمثابة خسائر دفع ثمنها الشعب السوري كل حسب حجم إمكاناته المالية المتاحة وبالتالي فان خروج تلك الارباح بالدولار لصالح المضاربين يعني اضعاف الليرة السورية وانعكاساتها على التاجر والصناعي والمزارع والمستهلك في السوق وفي نهاية المطاف على الاقتصاد الوطني وان تجربة الارجنتين 2001 -2002 خلال الأزمة الكبرى اكبر دليل على هذا الإجراء حيث تم وقف رواتب موظفي القطاع العام الذي ادى الى انهيار الاقتصاد الأرجنتيني وتفاقم الركود الاقتصادي واندلاع احتجاجات واسعة بسبب التوقف عن دفع الرواتب والذي ادى الى انهيار القدرة الشرائية للنقد وزيادة معدلات الفقر وارتفاع البطالة إلى مستويات غير مسبوقة .

اما من الجانب الاجتماعي فقد برزت المشاكل الكبرى فيما بين إدارة البنوك ومراجعيها سواء كانوا مودعين أو لديهم حسابات خاصة لدى هذا البنك أو ذاك كالحسابات الخاصة بتوطين الرواتب للعاملين في الدولة ويرغبون بالسحب وتمتنع اداره البنك عن تنفيذ رغباتهم لقضاء حاجاتهم بحجه عدم توفر السيولة وهنا تأخذ المشاكل بالتأزم وتنهار الثقة بالبنوك لدى المودعين وتتراجع سمعة البنك وقد حصلت هذه المشاكل في معظم البنوك العامة والخاصة كردات فعل على عدم توفر السيولة وهذا ما حصل أثناء الأزمة الاقتصادية في قبرص عام 2013 وأزمة لبنان عام 2019-2020. حيث فرضت الحكومات تجميدا للودائع المصرفية الأمر الذي أدى إلى انهيار الثقة في النظام المصرفي وخروج رؤوس الأموال من البلاد وانهيار العملة الوطنية وفقدان الطبقة الوسطى لمدخراتها. ولذلك فان اتباع اداره مصرف سورية المركزي سياسة تجفيف الليرة السورية من الاسواق ادت الى تسهيل عمل الصرافين للمضاربة على الليرة السورية ببيع كل 100$ دولار بسعر 1,400,000 ليره ليقوم الصرافين بأعاده شراء 200$ دولار بسعر 1,400,000 ليره سورية وهذا الامر انعكس سلبا على كل فئات الشعب وعلى الاقتصاد الوطني وان التجربة الروسية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي كانت خير شاهد على ما جرى جراء اتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي المفاجئ والغاء القيود الجمركية وما أحدثته هذه السياسة من تدفق للبضائع الأجنبية الرخيصة وانهيار الصناعات المحلية غير القادرة على المنافسة وارتفاع معدلات البطالة وحدوث موجة تضخم هائلة فكانت النتيجة كارثية حيث تفكك الاقتصاد الروسي وانخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 40%وانتشر الفقر وهذا الامر مشابه الى حد ما للظروف السورية مع التأكيد على أن هذه السياسة ادت الى ضعف دوران عجلة الاقتصاد واقترابها من حالة الثبات أو السكون الاستاتيكي وهذا الامر يمكن تقييمه بانها سياسه غير سليمة في مرحلة صعبة ومعقدة تعيشها البلاد بالوقت الذي تحتاج فيه الى توحيد الطاقات والجهود الرامية إلى إصلاح وتنمية الاقتصاد الوطني وخلق المفاعيل الديناميكية التي تحرك الاقتصاد ضمن اطار مصلحة البلاد والعباد .

وعلى اداره مصرف سورية المركزي ان تتوخى الدقة والحذر عند تجفيف السيولة او حبسها وافساح المجال لقوى السوق ان تأخذ دورها الطبيعي في التفاعل مع هذه الحالة علها تحقق نوع من التوازن البناء الذي يمكن ان يساعد على تحريك توربينات الاقتصاد الوطني الى الامام

د. عدنان عباس حميدان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار