
كتاب الخراج للقاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم 113 – 182
تحقيق: الدكتور إحسان عباس، منشورات: بنك الكويت الصناعي 1985
كتاب الخراج للقاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم 113 – 182
تحقيق: الدكتور إحسان عباس، منشورات: بنك الكويت الصناعي 1985
سأل أمير المؤمنين هارون الرشيد القاضي أبا يوسف يعقوب بن إبراهيم أن يضع له كتاباً جامعاً يعمل به في جباية الخراج، والعشور والصدقات والجوالي، وغير ذلك مما يجب عليه النظر فيه والعمل به، لرفع الظلم عن الرعية، والصلاح لأمرهم. كما طلب أمير المؤمنين أن يشرح له أبو يوسف ويفسر ما يريد العمل به، فإن القوة في العمل بإذن الله. وكان جواب القاضي يعقوب بن إبراهيم أن وضع كتاباً بعنوان: الخراج. [1]
كان جواب القاضي أبا يوسف عل سؤال أمير المؤمنين هارون الرشيد الآتي:
(وقد كتبت لك ما أمرت به وشرحته وبينته، فتفقهْهُ وتدبره وردد قراءته حتى تحفظه، فإني قد اجتهدت لك في ذلك ولم آلُك والمسلمين نصحاً ابتغاء وجه الله وثوابه وخوف عقابه. وإني لأرجو إن عملتَ بما فيه من البيان أن يوفر الله لك خراجك من غير ظلم مسلم ولا معاهَد، ويصلح لك رعيتك فإن صلاحهم بإقامة الحدود عليهم، ورفع الظلم عنهم والتظالم فيما اشتبه من الحقوق عليهم، وكتبت لك أحاديث حسنة، فيها ترغيب وتحضيض على ما سألت عنه، مما تريد العمل به إن شاء الله. فوفقك الله لما يرضيه عنك، وأصلح بك، وعلى يديك). [2]
يعد كتاب الخراج، من أعظم كتب الفقه الإسلامي، أنجزه أبو يوسف استجابة لطلب الخليفة هارون الرشيد بأن يضع له كتاباً في مالية الدولة وفق أحكام الشريعة، وقد تضمن الكتاب بياناً بموارد الدولة على اختلافها ( الإيرادات ) ومصارف تلك الأموال (النفقات)، وبيان الطريقة المثلى لجمع تلك الأموال والواجبات التي يلزم بيت المال (الخزينة) القيام بها، وتضمن كتاب الخراج انتقادات لتجاوزات بعض الولاة مع أهل الخراج والشطط في تحصيله، ويقدم النصائح للخليفة في ضرورة أن يجلس للنظر في مظالم الرعية مجلساً واحداً في الشهر أو الشهرين، حتى ينتهي الولاة عن ظلم رعيتهم، وحث بيت المال على الإنفاق على المشروعات العامة. وترك القاضي أبو يوسف مصنفات فقهية كثيرة أهمها كتاب الصلاة، والزكاة، والصيام، والفرائض، والبيوع، والحدود، والآثار، وهو مسند لأبي حنيفة، رواه أبو يوسف عنه، ويضم طائفة من الأحاديث التي اعتمد عليها أبو حنيفة في بعض ما استنبطه من أحكام وفتاوى. بالإضافة إلى مجموعة أخرى من فتاوى التابعين من فقهاء الكوفة والعراق. وله ايضاً كتاب (اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى)، وهو كتاب جمع فيه أبو يوسف مسائل اختلف فيها أبو حنيفة مع ابن أبي ليلى الفقيه الكوفي المعروف. [3]
(إن الرعاة مؤدون إلى ربهم ما يؤدي الراعي إلى ربه. فأقم الحق فيما ولاك الله وقلدك ولو ساعة من نهار، فإن أسعد الرعاة عند الله يوم القيامة راع سعدت به رعيته، ولا تزغ فتزيغ رعيتك. وإياك والأمر بالهوى والأخذ بالغضب. وإذا نظرت إلى أمرين أحدهما للآخرة والآخر للدنيا، فاختر أمر الآخرة على أمر الدنيا، فإن الآخرة تبقى والدنيا تفنى. وكن من خشية الله على حذر، واجعل الناس عندك في أمر الله سواء القريب والبعيد، ولا تخف في الله لومة لائم. واحذر فإن الحذر بالقلب وليس باللسان، واتق الله فإنما التقوى بالتوقي، ومن يتق الله يقه. واعمل لأجل مفضوض، وسبيل مسلوك، وطريق مأخوذ، وعمل محفوظ، ومنهل مورود؛ فإن ذلك المورد الحق والموقف الأعظم الذي تطير فيه القلوب، وتنقطع فيه الحجج لعزة ملك قهرهم جبروته، والخلق له داخرون بين يديه ينتظرون قضاءه، ويخافون عقوبته وكأن ذلك قد كان. فكفى بالحسرة والندامة يومئذ في ذلك الموقف العظيم لمن علم ولم يعمل، يومٌ تزل فيه الأقدام، وتتغير فيه الألوان، ويطول فيه القيام، ويشتد فيه الحساب). [4]
كما نصح أبو يوسف الخليفة أن يجيب مطالب المزارعين وأهل الخراج في كل ما فيه مصلحة لهم، كحفر الأنهار. ويلتزم بيت المال بالإنفاق على تلك المشروعات.. وخلاصة القول إن أبا يوسف وضع نظاما شاملا للخراج يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
ويرى القاضي أبو يوسف أن اختلاف الليل والنهار: يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، ويجزي الله كل نفس بما كسبت إن الله سريع الحساب. فالإنسان لم يخلق عبثاً، ولن يترك سدى. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن علمه ما عمل فيه، وعن عمره فيم أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسده فيما أبلاه). وليس شيء أحب إلى الله من الإصلاح، ولا أبغض إليه من الفساد.
قال أبو يوسف: وحدثني الفضل بن مرزوق عن عطية بن سعد عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن من أحب الناس إلي وأقربهم مني مجلسا يوم القيامة إمام عادل، وإن ابغض الناس إلي يوم القيامة وأشدهم عذابا إمام جائر “.
قال: وحدثنا هشام بن سعد عن الضحاك بن مزاحم عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا اراد الله بقوم خيرا استعمل عليهم الحلماء، وجعل أموالهم في أيدي السمحاء. وإذا أراد الله بقوم بلاء استعمل عليهم السفهاء، وجعل أموالهم في أيدي البخلاء. ألا من ولي من أمر امتي شيئا فرفق بهم في حوائجهم رفق الله به يوم حاجته ومن احتجب عنهم دون حوائجهم احتجب الله عنه دون خلته وحاجته “.
واعلموا أيها الناس أن الطمع فقر وأن اليأس غنى، وفي العزلة راحة من خلطاء السوء. واعلموا أنه من لم يرض عن الله فيما أكره من قضائه لم يؤد إليه فيما يحب كنه شكره. واعلموا أن لله عباداً يميتون الباطل بهجره ويحيون الحق بذكره رغبوا فرغبوا ورهبوا فرهبوا، إن خافوا فلا يأمنوا، أبصروا من اليقين ما لم يعاينوا فخلصوا بما لم يزايلوا. أخلصهم الخوف فهجروا ما ينقطع عنهم لما يبقى عليهم، الحياة عليهم نعمة والموت لهم كرامة.
قال: وحدثنا يزيد بن سنان عن عائذ الله بن إدريس قال: خطب شداد بن أوس الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال ألا وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” إن الخير بحذافيره في الجنة، وإن الشر بحذافيره في النار. ألا وإن الجنة حفت بالمكاره، وإن النار حفت بالشهوات: فمتى ما كشف للرجل حجاب كره فصبر أشرف على الجنة وكان من أهلها، ومتى ما كشف للرجل حجاب هوى وشهوة أشرف على النار وكان من أهلها. ألا فاعملوا بالحق ليوم لا يقضى فيه إلا بالحق؛ تنزلوا منازل الحق “.
قال: وحدثني رجل من ثقيف، قال: استعملني علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه على عكبراء فقال لي: – وأهل الأرض معي يسمعون – انظر أن تستوفي ما عليهم من الخراج. وإياك أن ترخص لهم في شيء، وإياك أن يروا منك ضعفاً. ثم قال رح إلي عند الظهر، فرحت إليه عند الظهر فقال لي: إنما أوصيك بالذي أوصيتك – 17 – به قدام أهل عملك لأنهم قوم خدع، انظر إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة شتاء ولا صيفا، ولا رزقا يأكلونه، ولا دابة يعملون عليها، ولا تضربن أحدا منهم سوطا واحدا في درهم، ولا تقمه على رجله في طلب درهم، ولا تبع لاحد منهم عرضا في شيء من الخراج، فإنا إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو. فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتك. قال قلت إذن أرجع إليك كما خرجت من عندك. قال: وإن رجعت كما خرجت. قال فانطلقت فعملت بالذي أمرني به، فرجعت ولم أنتقص من الخراج شيئا.
قال أبو يوسف: أما ما سألت عنه يا أمير المؤمنين من قسمة الغنائم إذا أصيبت من العدو وكيف يقسم ذلك، فإن الله تبارك وتعالى قد أنزل بيان ذلك في كتابه فقال فيما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فهذا – والله أعلم – فيما يصيب المسلمين من عساكر أهل الشرك، وما أجلبوا به من المتاع والسلاح والكراع ( والخيل والسلاح ) فإن في ذلك الخمس لمن سمى الله عز وجل في كتابه العزيز، أربعة أخماس بين الجند الذين أصابوا ذلك: ومن أهل الديوان وغيرهما يضرب للفارس منهم ثلاثة أسهم: سهمان للفرس، وسهم له، وللرجل سهم على ما جاء في الأحاديث والآثار ولا يفضل الخيل بعضها على بعض بقوله تعالى في كتابه: ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينه ) ” النحل: 8 ” ولقوله تعالى: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ” الأنفال: 60 ” والعرب تقول هذه الخيل، وفعلت الخيل، لا يعنون بذلك الفرس دون البرذون ولعامة البراذين أقوى من كثير من الخيل وأوفق للفرسان ولم يخص منها شيء دون شيء ولا يفضل الفرس القوي على الفرس الضعيف ولا يفضل الرجل الشجاع التام السلاح على الرجل الجبان الذي لا سلاح معه إلا سفه.
الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
كلية الاقتصاد – جامعة دمشق
[1] – وضع القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم 113 – 182 هـ كتاب الخراج بطلب من أمير المؤمنين هارون الرشيد، الجوالي: جمع جالية، وهم اللذين جلوا عن أوطانهم، ويسمى في بعض البلدان الجماجم، (مفاتيح العلوم:40).
[2] – أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، كتاب الخراج، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الشروق. بيروت 1985، ص 72.
[3] – كتاب الخراج – دار المعرفة: https://www.almeshkat.net/book/2546
[4] – أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، كتاب الخراج، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الشروق. بيروت 1985، ص 68 – 69.
