4 أزمات اقتصادية تواجهها الحكومة الأردنية بخطة “عابرة للحكومات”
خالد المنشاوي صحافي مختص في الشؤون الاقتصادية الثلاثاء 26 نوفمبر 2019
4 أزمات اقتصادية تواجهها الحكومة الأردنية بخطة “عابرة للحكومات”
مؤسسات دولية تحذر من تفاقم العجز المالي وارتفاع الدين العام
خالد المنشاوي صحافي مختص في الشؤون الاقتصادية الثلاثاء 26 نوفمبر 2019
الملك عبد الله الثاني بن الحسين يترأس اجتماع مجلس الوزراء الأردني (الموقع الرسمي للملك)
بينما يقف الاقتصاد الأردني في الوقت الراهن في مفترق طرق، أطلقت الحكومة الأردنية خطة اقتصادية شاملة خلال الفترة الماضية، ترغب من خلالها في إكساب اقتصادها بعض آليات النمو الذاتي، وإصلاح أوضاعه المالية والاقتصادية الكلية، وكذلك تحسين مستويات معيشة السكان.
لكن تظل هناك ضغوط عنيفة يواجهها الاقتصاد الأردني تتمثل في 4 أزمات، أهمها ارتفاع العجز المالي والدين الحكومي، وزيادة معدلات البطالة، وكذلك معاناة الاقتصاد من عجز في ميزانه التجاري. هذا بخلاف حزمة مشاكل أخرى تتعلق بالتمويلات والمساعدات التي كانت الحكومة الأردنية تتلقاها من الخارج، والتي تقلصت بالفعل مع تفاقم الضغوط الاقتصادية التي تعانيها جميع دول العالم خلال الفترة الماضية.
ولأسباب عديدة، فإن المرحلة الأولى في تنفيذ الخطة الحكومية الـ”عابرة للحكومات”، ستكون هي الأكثر حساسية في مسيرة الاقتصاد خلال الأعوام المقبلة، وبخاصة أن نجاح هذه المرحلة سيقود الاقتصاد إلى تحقيق المزيد من المكاسب خلال الفترة المقبلة.
خطة لتحفيز الاقتصاد الكلي وتجاوز العجز الضخم
وأشارت دراسة حديثة، أعدها مركز “المستقبل” للأبحاث والدراسات المتقدمة، إلى أن الحكومة الأردنية سبق وأن أعلنت في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن خطة اقتصادية وصفتها بـ”العابرة للحكومات”، وذلك بهدف تحفيز نمو الاقتصاد الكلي وتجاوز العجز المالي الضخم.
وترتكز الخطة الأردنية على 4 محاور، يتمثل المحور الأول في تحفيز بيئة الاستثمار، ويتعلق المحور الثاني بالإصلاح الإداري والمالية العامة، ويتطرق المحور الثالث إلى تحسين المستوى المعيشي للمواطنين ومعالجة الفقر والبطالة، أما المحور الرابع فيرتكز على تحسين جودة الخدمات وإقرار التأمين الصحي الشامل.
على المستوى التفصيلي، شملت الخطة حزمة من القرارات التي تستهدف تطوير البيئة الاستثمارية، وتقنين الحجز التحفظي على أموال الاستثمارات والمستثمرين، وربط قيم الحجز التحفظي الصادر عن دوائر الجمارك وضريبة الدخل، ومنع الحجز على الشركاء والمفوضين في شركات المسؤولية المحدودة أو الخاصة أو المساهمة العامة المحدودة بسبب الديون، ودعم استقرار الاستثمارات الجديدة، وتكوين لجان خاصة لحل القضايا العالقة والنزاعات في الاستثمار.
ويبدو أن الحكومة الأردنية تستهدف من خلال هذه الإجراءات في مجملها تطوير مناخ الأعمال، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار، وزيادة قدرته على الحصول على التمويل البنكي بشروط ميسرة.
إجراءات جديدة لتحفيز القطاع الصناعي
الحكومة الأردنية تركز من خلال قيامها بهذه الإجراءات على دعم القطاع الصناعي الوطني، وتشجيعه كذلك على التصدير، كوسيلة لإصلاح بعض العيوب الهيكلية التي يعانيها الميزان التجاري للبلاد، الذي يواجه عجزاً بنحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.
ومن شأن هذه المحفزات أيضاً أن تعمل كآلية لتعزيز مصادر الإيرادات من العملات الأجنبية، التي تمثل إحدى الضرورات الملحة للاقتصاد. ويبدو ذلك بوضوح من خلال الحرص على أن تتضمن الخطة بنوداً تتعلق بردّ ما يتراوح بين 3 و5% من الضرائب لأصحاب القطاعات الصناعية المُصدِّرة، وتعد هذه الآلية إحدى صور الدعم المباشر لهذه القطاعات، التي تشكل نحو 95% من الاقتصاد المحلي، وفق وزارة الصناعة.
فضلاً عن ذلك، تسعى الحكومة عبر الخطة إلى تخفيف أعباء المعيشة على السكان، ويبدو ذلك جلياً من خلال الإجراءات التي تشمل توفير وحدات سكنية بأسعار تفضيلية للعائلات الناشئة من ذوات الدخل المحدود، لمن تتراوح دخولهم الشهرية حول 700 دينار (100 دولار أميركي)، كما تشمل تخفيض رسوم التسجيل للعقارات ونقل الملكية للشقق والأراضي، واستحداث نافذة تمويلية عن طريق البنك المركزي لقروض الإسكان بفائدة مخفضة، هذا بجانب إعادة هيكلة رواتب القطاع العام وزيادتها وربطها بالجودة.
كما ربطت الخطة في بعض بنودها بين تحفيز الاستثمارات من ناحية، وتعزيز مستوى معيشة السكان من ناحية أخرى، حيث تضمنت بعض الحوافز المقدمة لقطاع الأعمال لتحفيزه على تشغيل المواطنين. ويمثل هذه الإجراء إحدى الأدوات التي تسعى الحكومة من خلالها إلى تخفيف حدة البطالة التي وصلت إلى 18.3% في عام 2018، وشهدت زيادة ملحوظة خلال الأعوام الأربعة الماضية، لا سيما وأنها كانت قد بلغت 11.9% في عام 2014، وفق بيانات صندوق النقد الدولي.
تحديات قائمة وتحذيرات مستمرة
وتشير البيانات الرسمية إلى أن الاقتصاد الأردني تمكن من تحقيق معدل نمو عند مستوى 1.9% خلال العام 2018، وذلك وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، وهو ما يكشف عن تراجع نسبي عن مستويات النمو على مدار العقد الماضي، التي ظلت أعلى من 2% وتجاوزت 3% في بعض الأعوام.
وفيما يتعلق بالمرحلة المقبلة، تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن هذا النمو قد يرتفع خلال الأعوام الخمسة المقبلة، ليصل إلى 3% بحلول عام 2024. وتتوافق هذه التوقعات مع ما ترجحه وكالة “موديز” لخدمات المستثمرين، التي ترى تحسناً محتملاً في معدل النمو الاقتصادي خلال الأعوام المقبلة، وإن ذكرت أن هذا التحسن سيكون محدوداً، ليكون في حدود 2.4% خلال الفترة من 2019 وحتى 2022.
وفي الوقت نفسه، أشارت وكالة “موديز” إلى بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد في الوقت الراهن، وعلى رأسها عجز الموازنة، وذلك على الرغم من أنها ترى تحسناً في الأوضاع الائتمانية في الأردن، حيث منحتها تصنيفاً ائتمانياً B1 مع نظرة مستقرة.
لكن أهمية هذا التصنيف تواجهها في المقابل بعض الصعوبات المتعلقة بضعف النمو وارتفاع البطالة والعجز الكبير في الحساب الجاري والدين الحكومي الذي وصل إلى 94% من الناتج عام 2018.
ولا يمكن في هذا الصدد تجاهل ما أوردته الوكالة بشأن إمكانية أن يؤدي انخفاض احتياطي العملات الأجنبية إلى تراجع التصنيف الائتماني، لا سيما إذا تزامن ذلك مع انخفاض إقبال المستثمرين الأجانب على الأسواق الأردنية.
ولا تختلف الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد في الوقت الراهن، في بعض جوانبها، عن تلك التي تعانيها اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط ككل، حيث تسهم النزاعات الإقليمية وعدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة في تباطؤ معدلات النمو، كما أنها تزيد من تخوفات وهواجس المستثمرين الأجانب وربما تدفع بعضهم إلى تفضيل عدم القدوم إلى أسواق المنطقة، والبحث عن أسواق بديلة من أجل تجنب المخاطر.
وركزت الدراسة على أهمية الخطة الحكومية التي أطلقتها الأردن من أجل تحفيز نموها الاقتصادي، حيث تعد المراحل الأولى من تنفيذها هي الأهم والأكثر حساسية بالنسبة للمملكة الهاشمية، إذ إن النجاح في تحقيق إنجازات نوعية خلال هذه المرحلة، لا سيما في إصلاح المناخ الاستثماري، وجذب المزيد من المستثمرين الأجانب إلى الدولة، تزامناً مع إحداث تحسن معتبر في القدرات الشرائية والمستويات المعيشية للسكان، ولا سيما الفئات الفقيرة منهم، كل ذلك سيكون دافعاً ومحفزاً لتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية في البلاد، وتحسين الأوضاع المالية الكلية وفي الميزان التجاري للدولة، الأمر الذي سينقل الاقتصاد إلى منطقة أكثر أمناً واستقراراً.