سوريا | عقدٌ بلا نفط: نزْف القطاع متواصل

زياد غصن مقالتي في صحيفة الأخبار اللبنانية... 

سوريا | عقدٌ بلا نفط: نزْف القطاع متواصل

زياد غصن مقالتي في صحيفة الأخبار اللبنانية…

فيما لاتزال الإدارة الأمريكية تجاهر بسرقتها للنفط السوري وتهريبه إلى الخارج، تحافظ شركات النفط الأجنبية صاحبة الحق القانوني في استثمار حقول المنطقة الشرقية على صمتها منذ تعليقها العمل في سوريا بذريعة “القوة القاهرة”، ولم تبادر منذ ذلك الحين إلى اتخاذ أي موقف قانوني أو إعلامي.

إنتاجها قبل الحرب وصل لـ175 ألف برميل… الشركات الغربية “تتفرج” على تهب النفط السوري..

قريباً، تكمل شركات النفط الأجنبية قرابة عشر سنوات على خروجها “المؤقت” من سوريا. خروج تم عبر تعليقها العمل بالعقود الموقعة مع المؤسسة العامة للنفط، إما رضوخاً للعقوبات الغربية التي فرضت على القطاع النفطي السوري بداية الأزمة، أو نتيجة لسيطرة مسلحين على الحقول النفطية، لاسيما في منطقة الجزيرة، حيث يتركز معظم الإنتاج الوطني وفقاً لبيانات فترة ما قبل الحرب.

لكن اللافت طيلة تلك السنوات أن هذه الشركات المعروفة عالمياً بقيت صامتة منذ خروجها من سوريا، تراقب ما يحدث في “حقولها” من دون أن تبادر إلى اتخاذ موقف قانوني أو حتى إعلامي حيال عمليات الاستثمار والإنتاج غير الشرعي لتلك الحقول. وإذا كانت السنوات الأولى من عمر الحرب السورية شهدت تعدداً في الجهات المسلحة والعشائرية، التي تعاقبت في سيطرتها واستثمارها غير الشرعي لمئات الآبار النفطية، فإن الأمر بات واضحاً منذ العام 2017 وما بعد، حيث يعرف القاصي والداني أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم منذ ذلك التاريخ، وبالتعاون مع ميليشيا قسد الكردية، باستخراج ما يقرب من 100 ألف برميل يومياً من حقول المنطقة الشرقية، وتهريبها إلى الخارج عبر أسطول من الصهاريج. وحتى عندما سلمت إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب، وبشكل علني، أحد الحقول لشركة أمريكية بغية استثماره، لم تبد الشركة الأجنبية المستثمرة “شرعياً” للحقل أي موقف أو تتخذ أي إجراء قانوني.

جميعها في الجزيرة

قبل أن يفرض الغرب عقوباته على قطاع النفط السوري في العام 2011، كانت تعمل في البلاد حوالي 11 شركة أجنبية أهمها: توتال الفرنسية، شل الهولندية، غالف ساندز البريطانية، بتروكندا الكندية،ـ سي ان بي سي وساينوبك الصينيتين، تاتنفت الروسية، اينا الكرواتية، وغيرها. وباستثناء شركتي إينا وبتروكندا اللتين كانتا تعملان غرب نهر الفرات باتجاه مدينة حمص وسط البلاد، فإن عمل جميع الشركات الأجنبية كان يتركز في منطقة الجزيرة. حيث كانت تنتج تلك الشركات حوالي 175 ألف برميل يومياً موزعة على النحو الآتي: شل حوالي 90 ألف برميل يومياً، توتال حوالي 30 ألف برميل، غالف ساندز حوالي 24 ألف برميل، ساينوبك حوالي 15 ألف برميل، سي ان بي سي حوالي 15 ألف برميل. أما شركة اي بي ار فقد كان لديها اكتشاف جديد، وتالياً فإن إنتاجها كان بحدود 300 برميل يومياً، كذلك الأمر بالنسبة لشركة تاتنفت، والتي كان إنتاجها منخفضاً أيضاً ولا يتجاوز حوالي 300 برميل يومياً. لكن مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين عقوبات على الاستثمار في قطاع النفط السوري منتصف العام 2011 أعلنت الشركات الغربية تعليق أعمالها في سوريا بفعل “القوة القاهرة”، أما الشركات ذات الجذر الشرقي (صاينبك، سي ان بي سي الصينيتين و تاتنفت الروسية) فلم تعلن القوة القاهرة، وإنما تكتفي منذ ذلك التاريخ بإرسال كتاب كل 6 أشهر لمؤسسة النفط السورية تعلمها فيه بتعليق أعمالها. وحسب ما يشير بسام طعمة وزير النفط والثروة المعدنية فإن الحكومة السورية ” احترمت كل التزاماتها العقدية، ولم تتخذ أي إجراء غير قانوني حتى بالنسبة للشركات التي علقت أعمالها بسبب القوة االقاهرة. فمثلاً هذه الشركات طلبت إيقاف عمل الشركات المشتركة المؤسسة بينها وبين مؤسسة النفط الوطنية، والأخيرة رفضت الطلب بالنظر إلى وجود فوات منفعة مشتركة في حال تنفيذ ذلك، فكان أن لجأت المؤسسة إلى القضاء السوري، الذي أجاز استمرار عمل الشركات المشتركة مع تحييد دفتري لحصة الشريك الأجنبي”. وأضاف في حديث خاص لـ”الأخبار” أن مؤسسة النفط الوطنية “حرصت منذ تعليق الشركات أعمالها في البلاد على مخاطبتها رسمياً ووضعها في صورة ما يجري من تطورات، وتزويدها بالمعلومات المتوفرة حول واقع كل حقل والجهات التي تنهب إنتاجه، والطلب من تلك الشركات التدخل قانونياً في دولها للحفاظ على حقها الذي ينهب، وتحديداً من قبل قوات الاحتلال الأمريكي، والذي بات موثقاً بتصريحات رسمية صادرة عن المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، وغيرهم”.

*المواجهة القانونية

صمت الشركات الأجنبية مرده إلى سببين: الأول أن هذه الشركات لا تريد الدخول في نزاع قانوني أو سياسي مع دوائر السياسة الغربية حفاظاً على مصالحها، سيما وأن الدول الغربية لا تزال تحافظ على سياستها ومواقفها من الحكومة السورية. والسبب الثاني أن المبدأ القانوني في تعليق العمل بالعقود يعني أن المدة الزمنية لإيقاف العمل بتنفيذ العقد تضاف تلقائياً إلى مدة العقد، وتالياً فالمدة الزمنية التي استغرقها التعليق كأنها لم تكن. لكن هل هذه الشركات لديها مؤشرات تجعلها مطمئنة إلى أن الكميات المسروقة طيلة تعليق أعمالها لن تخفض من كميات الإنتاج، التي جرى التنبؤ بها عند توقيعها لعقود الاستثمار، ولن تنال كذلك من احتياطيات تلك الحقول؟

تدرك وزارة النفط أن العلاقة مع الشركات الأجنبية قد تشهد مستقبلاً نزاعاً قضائياً محوره أن خروجها من البلاد كانت نتيجة عدم القدرة على توفير الأمن في مناطق عملها. وتعقيباً على ذلك يشير وزير النفط إل”أن ما تعرضت له البلاد من حرب كبيرة وتواجد غير شرعي لقوات عسكرية أجنبية، أعاق تنفيذ الحكومة لالتزاماتها في توفير الأمن في المناطق التي تتواجد فيها حقول النفط، وهذة نقطة قد تكون مستقبلاً محل جدل قانوني، لذلك فإن المؤسسة العامة للنفط تعمل على إعداد ملفها القانوني وتدعيمه بجميع الوثائق المتاحة، وبما يحفظ حقوق الدولة السورية، خاصة إذا ما تم اللجوء إلى تحكيم دولي تتنازعه أسباب ومصالح سياسية”. إلا أن الوزير الشاب الذي عمل لسنوات مع الشركات الأجنبية بحكم عمله السابق في مؤسسة النفط الوطنية يميل إلى الاعتقاد أن هذه الشركات ستكون مهتمة في المقام الأول بتعويض خسائرها في سوريا. الأمر الذي يعني أنها قد تفضل الخوض في نقاش استثماري حول الفرص المتاحة على الدخول في نزاعات قضائية وهي الحريصة على سمعتها. وهذا أيضاً قد يكون خياراً سورياً في ضوء عدم توفر إمكانيات مالية لسداد ديون تلك الشركات وحقوقها، التي حرصت مؤسسة النفط الوطنية على تقييدها دفترياً التزاماً بالعقود الموقعة، والمصادق عليها بنصوص تشريعية (قوانين ومراسيم تشريعية.

https://www.al-akhbar.com/Syria/338433/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%B9%D9%82%D8%AF-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D9%86%D9%81%D8%B7-%D9%86%D8%B2-%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9-%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B5

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

10 − أربعة =

آخر الأخبار