
مفاجآت قمة الرياض..

نبيه البرجي
أمّا وقد ذهبنا على مدى سنوات، الى أقصى حالات التشاؤم ونحن في الطريق الى الجحيم، دعونا نذهب في التفاؤل الى أقصاه مع أوساط وزارة الخارجية في أحد بلدان الخليج. حديث عن “مفاجآت تاريخية” في قمة الرياض لتتوّج، على المستوى العربي والاقليمي، قمة القرن!
استبعاد أن يكون رئيس الجمهورية اللبناني بين الحضور، لقصر المدة الزمنية التي تفصلنا عن موعد الانعقاد. لكن الثابت أن سوريا ستشارك، كما أن الايرانيين الى جانب الأتراك، سيكونون بين ضيوف القمة.
كل شيء يوحي بالتفاؤل (ولنخلع ثوب الغربان). ما تناهى الينا حول الأجواء التي سادت أجواء المحادثات في بكين، أن كلاً من الجانبين السعودي والايراني، اظهر قدراً من الود حيال الآخر. بطبيعة الحال كترجمة لرغبة السلطات العليا في البلدين.
لا معلومات حول كيفية إطلاق المبادرة الصينية. ديبلوماسي عربي قال لنا “ما حدث لكأنه مرور التنين بثقب الابرة”. كلام عن أن مسؤول السياسات الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني وانغ يي، مكلفاً من الرئيس شي جين بينغ، قام بأكثر من جولة مكوكية تحت عنوان وقف تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط، لأن الحرب في أوكرانيا ـ إذا تواصل التصعيد ودون أي ثغرة في الحائط الديبلوماسي ـ يمكن أن تحدث انعكاسات خطيرة في سائر أرجاء المنطقة.
اذاً، لا بد من ضبط الايقاع قبل فوات الأوان. لا تكريس الستاتيكو الذي ترعاه الولايات المتحدة، وانما باختراق هذا الستاتيكو، واحداث ديناميكية ديبلوماسية تحل التفاهم محل الصراع بين القطبين السعودي والايراني، بالصورة التي تفضي الى الحل التدريجي (والمنهجي) لأزمات المنطقة.
وكنا قد أشرنا الى أن نقطة الانطلاق كانت في اعادة بناء الثقة بين ضفتي الخليج، وهذا ما أكدته جهات سعودية، ما ساعد على بلورة اتفاق ـ إطار، على معالجة التفاصيل عبر اللجان المتخصصة، وبمشاركة الصينيين. على أن يتفق وزيرا خارجية البلدين الأمير فيصل بن فرحان وحسين أمير عبد اللهيان في لقائهما القريب على خارطة الطريق…
ليس بالحدث العادي أن يعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان ان استثمارات بلاده في إيران قد تبدأ سريعاً، ما يفترض كسر العقوبات الأميركية على أي شكل من الاستثمارات هناك.
حتى الساعة لا شيء يشي بأن واشنطن التي تتوجس من أي تعديل دراماتيكي في سياسات المملكة، يمكن أن تقوم بأي خطوة لتعطيل الاتفاق. هذه ليست حال بنيامين نتنياهو الذي يظهر للمرة الأولى بوجه مكفهر، بعدما كان يراهن على اختراقات اضافية ومثيرة، في المنطقة العربية…
السؤال الذي يطرح في أكثر من مكان في العالم: ما خلفية المبادرة الديبلوماسية الصينية، كونها الأولى من نوعها؟ في أوروبا يعتبرون أن شي جين بينغ يخطط من سنوات لدور ما لبلاده، في منطقة تتمتع بحساسية جيوستراتيجية فائقة في أي مواجهة مستقبلية.
الولوج الى المنطقة بالقفازات الحريرية لا بالأساطيل، التي لا بد أن يزول مبرر وجودها، إذا تطورت العلاقات الاقليمية في اتجاه انشاء منظومة متعددة الأبعاد، ودون أي لوثة ايديولوجية، أو أي لوثة قبلية أو إمبراطورية.
البلدان العربية أصيبت بالإرهاق، وبعضها تعرض للخراب بسبب الأزمات والنزاعات، التي حملت المستشرق الأميركي (الفظ) برنارد لويس يذكّر بأن “في هذه المنطقة قتل قايين شقيقه هابيل”، كما لو أنهم في الغرب لم يخوضوا حروب الألف عام.
كما تركيا كذلك إيران، لا بد أن تكون قد لاحظت أن القوى العظمى تعتبر أن لعبة الخرائط، ولعبة الأنظمة، هي من صلاحياتها (من أعطاها هذه الصلاحيات؟)، ولا مجال لأي دولة اقليمية، مهما بلغت من القوة، أو من التأثير الايديولوجي أو التاريخي، أن تمارس تلك اللعبة التي لا شك أنها تزداد تعقيداً كلما ازداد المشهد الدولي تشابكاً…
لنتصور أن المنطقة التي طالما عانت من نقص في المنطق، كما في الوعي الاستراتيجي، تعود الآن الى المنطق كما الى الوعي.
ما يدعونا الى التفاؤل ليس فقط توقف الحرب الباردة بين ضفتي الخليج بتداعياتها الكارثية، وانما اللجوء الى لغة مختلفة. لغة العقل (ولغة القلب) لا لغة الخنادق!…