الأمن الغذائي في الدول العربية

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

الأمن الغذائي في الدول العربية

الأمن الغذائي العربي في خطر والبحوث نادرة!

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

أصبح الأمن الغذائي منذ أوائل السبعينات في القرن العشرين على رأس قائمة الموضوعات والمشاكل التي تعاني منها الدول النامية بصورة عامة، والدول العربية بصورة خاصة، كما أخذت هذه المسألة تحتل مكاناً بارزاً في السياسات الاقتصادية للدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء. وتوجه الهيئات الدولية والإقليمية جزءاً كبيراً من جهودها لبحث مشكلة الغذاء وتقديم المقترحات والحلول بشأنها. ورغم هذا الاهتمام الكبير فإن الإنجازات الحقيقية في هذا الشأن على الصعيد الدولي والعربي تعد متواضعة إلى حد كبير خاصة إذا ما قيست بحجم المشكلة وأبعادها المستقبلية. [1]

تطرح المتغيرات الدولية الجديدة تحديات هامة أمام تطوير قطاع الزراعة وإنتاج الغذاء بهدف زيادة كمية الإنتاج الزراعي وتطوير ورفع الكفاءة التسويقية وتحسين مستوى الأمن الغذائي. وهذا يستوجب انتهاج أنماط جديدة في السياسات الزراعية والاستثمار والأساليب التكنولوجية المستخدمة، وتنسجم مع الاحتياجات وتستفيد من القرص الجديدة في مجال تحرير التجارة وفي مجال العلوم البيولوجية وتكنولوجيا الاتصالات. [2]

يتيح توفر الإمكانيات في بعض المناطق تأمين مستوى غذائي لائق للسكان في الوقت الحاضر. لكن تأمين الاستمرارية المطلوبة للمستقبل تستدعي النظر بواقعية إلى الموارد المتاحة والى ندرتها وأهمية المحافظة عليها وعلى استمراريتها للأجيال المقبلة. كما تتطلب اهتماما جديا بالاستثمار في تسخير العلوم الحديثة في سبيل ذلك، وأهم من كل هذه الأمور، فإنها توجب البحث عن بدائل مضمونة هي في الواقع أقرب كثيرا مما يمكن تصوره. هذه البدائل هي الأراضي الزراعية المهملة. [3]

شدّد المنتدى العربي للبيئة والتنمية على أهميّة الأمن الغذائي في الدول العربية، عندما ركّز في تقريره السنوي السابع عن أحوال البيئة في المنطقة الذي تمّ نشره في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، على الحاجة لنظام زراعة وإدارة مياه أكثر كفاءة في الدول العربية.

وجاء في التقرير (يشكّل الأمن الغذائي مصدر قلق كبير للدول العربيّة، إذ تواصل الدول العربيّة السعي لتحقيق هدف تأمين معدّل أعلى من الاكتفاء الذاتي الغذائي، لكنّ تحقيق هذا الهدف لا يزال بعيد المنال.” ويشير التقرير إلى أنّ أكثريّة الدول العربيّة تمتلك مساحاتٍ محدودة من الأراضي الصالحة للزراعة ومواردا مائيّة شحيحة). [4]

تعتمد زراعة المحاصيل الغذائيّة بالتأكيد على المياه، لكن ما يتوفّر منها محدود في بعض الدول العربيّة. حيث أكد تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (بأنّ الجزائر، وتونس، وليبيا، وفلسطين، والأردن، وسلطنة عُمان، وجيبوتي لديها موارد مائيّة شحيحة للغاية. وحدها موريتانيا، والعراق، والصومال تمتلك مستويات كافية من الموارد المائيّة المتجدّدة، مثل الأنهار أو الينابيع. بينما تصنّف مثل هذه المصادر المائيّة في المملكة العربيّة السعوديّة، والكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات العربيّة المتّحدة بأنّها “نادرة للغاية). [5]

المسألة ليست مسألة مساعدات، لكنها تكمن في توفير أسباب العيش الكريم وتوفير إمكانيات الإنتاج والتطوير في المناطق الزراعية، والتأسيس لبناء الأرزاق الزراعية المستديمة التي تغني عن الحاجة، وتدرأ مخاطر الأمن الغذائي. [6]

(يتحدد اكتمال القيمة الغذائية للأطعمة بالمستوى الذي يؤمن أحسن صورة لقيام أعضاء الجسم بوظائفها ويسمح لها باستعادة نشاطها وقدراتها على العمل دون ما أضرار بالصحة). [7]

  • هل يتناول السكان في كافة الدول العربية ما يكفيهم من المواد الغذائية من حيث الكم والنوع؟
  • هل المستوى الحالي لاستهلاك المواد الغذائية هو المستوى المقبول أم أن هناك نقصاً وعدم توازن؟

سمات الوضع الغذائي في الدول العربية:

من أهم سمات الوضع الغذائي في الدول العربية اعتماد السكان على المصادر النباتية بشكل أساسي لتأمين حاجتهم من البروتينات والسعرات الحرارية. وتوفر المصادر الغذائية النباتية حوالي (87%) من الغذاء للسكان، وخاصة من الحبوب والسكر. (أما في حالة البروتينات فإن السكان يحصلون على (80%) من تلك المواد من مصادر حيوانية). وتختلف الدول العربية بعضها عن البعض الآخر في مصادر حصول سكان كل دولة على حاجتهم من المواد الغذائية. [8]

نستخلص من المعلومات المتوفرة وجود خلل في الوضع الغذائي خصوصاً بالنسبة لنقص المواد الغذائية من مصادر حيوانية. وإذا اتجهنا إلى تصحيح هذا الخلل فهذا يتطلب توافر كميات أكبر من المواد الغذائية من مصادر مكلفة مثل المصادر الحيوانية.

لا بد من أخذ هذا الوجه من المشكلة بعين النظر حين التخطيط لإيجاد وضع متكامل من الغذاء. مع أنني لا أرى مبرراً لإصلاح مثل هذا الخلل طالما أنه ذو تكاليف عالية ويحملنا أعباء جديدة، وما هو العيب في الحصول على الغذاء من المصادر النباتية.

يبلغ المعدل العام لنصيب الفرد من الطاقة الغذائية والبروتينات في الوطن العربي 2441 كليو كالوري يومياً و/69/ من البروتينات. وهو أعلى من المعدل العالمي الموصى به لحاجة الفرد من الطاقة الغذائية. مع وجود تفاوت كبير بين معدل نصيب الفرد من دولة لأخرى. (ففي ليبيا يصل معدل نصيب الفرد إلى 2947 كيلو كالوري يومياً، بينما يصل معدل نصيب الفرد في موريتانيا إلى حوالي 2101 كيلو كالوري في اليوم). ولا بد من التأكيد هنا على تحقيق التوزيع العادل للمواد الغذائية بين مختلف طبقات وفئات المجتمع وخاصة فيما يتعلق بنصيب ذوي الدخل المحدود ومعدل تناولهم للمواد الغذائية.

تزايد استهلاك المواد الغذائية بنسبة أعلى من تزايد الإنتاج، وتتفاوت هذه النسبة من منطقة لأخرى وبين مادة وأخرى. وأهم أسباب زيادة الاستهلاك:

  • ارتفاع معدل تزايد السكان.
  • ارتفاع متوسط دخل الفرد.
  • تبني الحكومة لبرامج دعم أسعار المواد الغذائية مما أدى إلى تحسين المستوى الغذائي للمواطن والسعي لتأمين عدالة التوزيع.

تتجلى أزمة الغذاء في الدول العربية بالنقص العام في المنتجات الغذائية الأمر الذي يؤدي إلى جوع الملايين من الناس، وانتشار ظاهرة سوء التغذية والمرض.

(… معدل ما يستهلكه الفرد الواحد من الأغذية في أكثر البلدان النامية هو أقل من الحد الأدنى الضروري لكل فرد والذي يعادل ـ حسب تقديرات خبراء منظمة الأغذية والزراعة التابعة لهيئة الأمم المتحدة (الفاو) حوالي 2250 – 2400 سعره حرارية باليوم). [9]

يعاني 60% من سكان الدول العربية من الجوع الواضح وغير الواضح. ويموت نسبياً بسبب الجوع وسوء التغذية ملايين الأشخاص وبخاصة الأطفال.

من المفيد إنذار الدول النامية والدول العربية وتحديد حجم المخاطر التي تواجهها في مجال الأمن الغذائي.

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

كلية الاقتصاد – جامعة دمشق

[1] – د. حسن فهمي جمعة، المسألة الزراعية والأمن الغذائي في الوطن العربي المنظمة العربية للتنمية الزراعية، 1985، ص 23.

[2] – أنظر، احتياجات تطوير الزراعة وانتاج الغذاء في البلاد العربية، دراسة من إعداد مي دمشقية سرحال، الامانة العامة للاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية 1997 ص 3.

[3]  – أنظر، الدكتور مصطفى العبد الله الكفري والدكتور عصام خوري، قضايا حول السكان والتنمية في الوطن العربي، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق 1993، ص ص 183-212.

[4] – بنجامين بلاكيت، سليم نجيم، الأمن الغذائي العربي في خطر والبحوث نادرة! موقع الفنار للإعلام، 13 تموز / يوليو 2015.

[5] – المصدر السابق.

[6]  – تقرير الأمانة العامة لاتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية في مجال الأمن الغذائي خلال عام 1997،بيروت ص1-2

[7] – المصدر السابق ص 20.

[8] – د. صبحي القاسم، نظرة تحليلية في مشكلة الغذاء في البلدان العربية، مطبعة الشروق، بيروت 1982، إصدار مؤسسة عبد الحميد شومان ص 15.

[9] – ماركوف، مشكلة التغذية وسياسة الإمبريالية، دار التقدم، موسكو 1975 ص 18.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

أربعة × 4 =

آخر الأخبار