كتاب التكتلات والمنظمات الاقتصادية الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


لتحميل الكتاب أضغط على الرابط أدناه

التكتلات والمنظمات الاقتصادية

الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقدمة

عاشت الإنسانية متنقلة في مرحلة ما قبل الزراعة، ثم دخلت عهد الاستقرار والزراعة، فكان ذلك ولادة جديدة لها تطلبت منها تكيفاً مع أساليب تقسيم العمل الاجتماعي، وتوزيع الإنتاج محاولة منع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ولكي لا تكون الأموال دولة بين الأغنياء، ثم تابعت الإنسانية سيرها إلى عصر الصناعة فعصر المعلومات. ربما قبل عشرة آلاف سنة لم يكن الإنسان شيئاً مذكوراً. لم يكن يعرف كيف ينتج غذاءه، ولا كيف يستر جسده، ثم رأينا كيف تعلم الزراعة والحرفة والصناعة وتسخير الطاقة لخدمته خلال عشرة آلاف عام.  [1]

النشاط الاقتصادي نهر يعبر العالم منذ بدء الخليقة، يمر خلال المدن والقرى، يغذي السكان بمنتجاته وطاقته الأبدية، يتدفق في أرض كل شعب، ومجال كل فرد، يفيض من الساعات اليومية التي لا تغيض، ولكنه في بعض الأحيان يصير ( ثروة ) في مجال محدد، وفي حين آخر يتحول عدماً في مجال آخر. يمر خلال الحياة، ويصب في الأرض والتاريخ المنتجات والقيم التي منحها للبشرية من خلال ما أنجز من أعمال. ويحتل النشاط الاقتصادي مركزاً أساسياً في بناء الحضارة الإنسانية، ومواجهة التخلف لقهره وتجاوزه. يدعو إلى تعريف الثقافة الاقتصادية على ضوء حالتنا الراهنة، وحسب مصيرنا. ويحدد لنا العناصر الجوهرية اللازمة لبناء الحضارة.

تمثل الأفكار الاقتصادية البدايات لحل المشكلة الاقتصادية ومشاكل الناس الحياتية. ويتضمن النشاط الاقتصادي أربعة عناصر رئيسة لاستمرار الحياة البشرية هي: الإنسان، والطبيعة، ورأس المال والوقت. وهذا يعني أن بناء الحضارة الإنسانية مشروط بهذه العناصر الأربعة وتنميتها. وحاصل البحث أن قضية رفاه الفرد وتطور المجتمع منوطة بفكرة التوجيه والإدارة في النواحي الآتية: توجيه الثقافة الاقتصادية، توجيه العمل، توجيه رأس المال، توجيه نحو التنمية المستدامة. وتعني فكرة التوجيه والإدارة: قوة الأساس وتوافقاً في السير ووحدة في الهدف، وتجنب الإسراف في الجهد والوقت والموارد.

العالم اليوم لا تحركه السياسة، ولا الحروب والنزاعات، ولا مشاريع الهيمنة والاستحواذ، ولا مفاعيل القوة، وإنما تحركه قوة الاقتصاد وعجلة الاقتصاد، وتنقله من مكان ظليل إلى آخر ظليل أو غير ظليل. كل شيء متحرك في هذا العالم لا يتم إلاَّ حسب الاستراتيجيات الاقتصادية. فالاقتصاد اليوم، وغداً، هو المسيطر على كل قرارات العالم، وهو الجاذبية المطلقة التي تؤاخي بين البلدان فتكون صداقات وتكتلات اقتصادية، وهو الجاذبية المطلقة التي تنفّر البلدان بعضها من بعض أحياناً فتكون العداوات. فلا شيء، خارج حياض الاقتصاد، فالاقتصاد لا يعني التكتلات والتجارة، والأسواق، والاتفاقيات، والأرباح المادية كما يظن الكثيرون، وإنما يعني العولمة بوصفها الحامل للثقافات الوافدة، والعادات، والتقاليد، والسلوكيات، والتصورات. أي هو نظام هو بيئة اجتماعية جديدة تحيّد بيئة اجتماعية قارّة فتحلُّ في مكانها وتأخذ أدوارها فتغير منظومة القيم والمرجعيات المعرفية وفق مصالحها وتوجهاتها وأهدافها البادية والمضمرة. إذن، الاقتصاد والتكتل الاقتصادي، هو المرآة التي تمشي وفقها الجماعات، والمجتمعات، والدول، وهو الهدف المباشر والأبعد لكل ما يحدث فوق هذا الكوكب. [2]

التكتل الاقتصادي مجموعة الترتيبات تهدف إلى تعزيز حالة التكامل الاقتصادي بين مجموعة من الدول من خلال تحرير التبادل التجاري فيما بينها وتنسيق السياسات المالية والنقدية، وتحقيق نوع من الحماية لمنتجاتها الوطنية، كما يهدف إلى تخفيض تكلفة التنمية عبر تخفيض تكاليف الاستيراد وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وتحسين المناخ الاستثماري بتوسيع دائرة السوق وتوحيد أو تقارب التسهيلات والحوافز والإعفاءات الخاصة بالاستثمار. وتنسيق السياسات الاقتصادية لمواجهة المشكلات والأزمات الاقتصادية.

في ظل التكتلات الاقتصادية أصبح الاقتصاد العالمي أكثر ديناميكية، وخاصة بعد أن ظهرت درجات مختلفة من التكتلات الاقتصادية، منها على سبيل المثال الاتحاد الأوربي E U الذي يشكل نموذجاً متطوراً للتكتل الاقتصادي، يليه التكتل الاقتصادي لأمريكا الشمالية ( النافتا NAFTA)، رابطة جنوب شرق آسيا (الآسيان ASEAN)، والحلف التجاري لأمريكا اللاتينية الذي يمثل درجة متوسطة من التكتل التجاري والمالي، جماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية والمعروفة باسم (APEC)، ومجموعة دول البريكس (BRICS) وانتهاء بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وهي أدنى درجات التكامل الاقتصادي.

          تضمن كتاب التكتلات والمنظمات الاقتصادية المقرر لطلاب السنة الثالثة قسم الاقتصاد في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، الملامح الأساسية للتكتلات الاقتصادية الدولية والعربية، والمنظمات الاقتصادية العربية والإقليمية والدولية القائمة، كما ناقش موضوعات في غاية الأهمية مثل دور صندوق النقد العربي ومؤسسات العون الإنمائي العربي في الاقتصادات العربية، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية في الاقتصاد العالمي.

الفصل الأول بعنوان: التكتلات الاقتصادية، تم استعراض مستوى التكتل الاقتصادي بين الدول وفوائده وأساليبه وأهدافه وخصائصه والأسس التي يقوم عليها التكتل الاقتصادي، ما هي مقومات استمرار التكتلات الاقتصادية؟ ما هي أسباب فشلها؟ كما تم استعراض أهم التكتلات الاقتصادية كالاتحاد الأوروبي ومنطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، ومجموعة دول النمور الآسيوية، ورابطة جنوب شرق آسيا (آسيان)، وجماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية (أيبك)، وتكتل رابطة دول أمريكا اللاتينية، إضافة إلى التكتلات الاقتصادية في القارة الأفريقية وتجارب التكتل الاقتصادي في الوطن العربي، وتكتل مجموعة الدول الصناعية الثمانية الكبرى، وتكتل مجموعه العشرين الاقتصادي.

الفصل الثاني بعنوان: التكتل الاقتصادي العربي في ظل جامعة الدول العربية، تم استعراض الموقع الجغرافي للوطن العربي، وميثاق وأهداف جامعة الدول العربية. مسيرة العمل الاقتصادي العربي المشترك، وتحديد أهداف التكتل الاقتصادي العربي والمعوقات والتحديات التي تواجه هذا التكتل. كما تمت مناقشة استراتيجية التكتل الاقتصادي العربي ووسائل تفعيله، وإعلان إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ونتائجها، وتحديد أهم المشاكل والصعوبات التي تعترض التنفيذ الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. وكيفية قياس درجة اندماج الاقتصادات العربية بالاقتصاد العالمي.

الفصل الثالث بعنوان: التكتل الاقتصادي بين دول الاتحاد الأوروبي والتكتل الاقتصادي لمجموعة دول البريكس. تمت مناقشة نماذج لتجارب التكتلات الاقتصادية الناجحة كتجربة التكتل الاقتصادي بين دول الاتحاد الأوروبي، المعاهدات الرئيسة التي أسست لقيام الاتحاد الأوروبي مؤسسات الاتحاد والدول الأعضاء فيه، مراحل تطور الوحدة الاقتصادية الأوروبية، وعملية تداول اليورو ووظائف استخدامه كعملة دولية. ويعد اليورو أكثر المشروعات طموحاً على طريق الوحدة الاقتصادية الأوروبية. كما تم استعراض أهم بنود اتفاقية نيس في الاتحاد الأوربي. وكنماذج لتجارب التكتلات الاقتصادية الحديثة تمت مناقشة تجربة التكتل الاقتصادي لمجموعة دول البريكس، أسباب نشوء وتطور تكتل دول بريكس، والدول الأعضاء في التكتل، ودور الاقتصادات الصاعدة، ومؤتمر القمة الثالث لمجموعة دول البريكس وإعلان سانيا، ومؤتمر القمة الخامسة لمجموعة دول البريكس – ديربان جنوب أفريقيا.

الفصل الرابع بعنوان: المنظمات الاقتصادية الدولية والعربية. تم استعراض المنظمات الاقتصادية الدولية، كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومنظمة العمل الدولية، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، والاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومعهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية – اليونيدو، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة – الفاو، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وصندوق الأوبك للتنمية الدولية، البنك الإسلامي للتنمية، ومنظمة التجارة العالمية، ومجموعة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. والمنظمات الاقتصادية العربية كمجلس الوحدة الاقتصادية العربية، والمنظمة العربية للتنمية الزراعية، ومنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، ومنظمة العمل العربية، والمنظمة العربية للتنمية الإدارية، والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة ـ أكساد.

الفصل الخامس: بعنوان صندوق النقد العربي ومؤسسات العون الإنمائي. ما هي أهداف صندوق النقد العربي ووسائل تحقيقها؟ حجم موارد الصندوق وأشكال استخدامها، ودور الصندوق في تطوير أسواق المال العربية وتعزيز التبادل التجاري العربي، والهيكل التنظيمي للصندوق. وتم استعراض أنواع مؤسسات العون الإنمائي العربي، مزايا وشروط هذا العون، التوزيع القطاعي للقروض التي تمنحها مؤسسات العون الإنمائي العربية. وأوضاع بعض ومؤسسات العون الإنمائي العربية كالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وصندوق أبو ظبي للتنمية، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، والصندوق السعودي للتنمية. وتم تقديم لمحة عن البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وصندوق النقد الدولي، أهداف الصندوق، سمات الإقراض من الصندوق، وكيف يساعد الصندوق الدول الأعضاء.

الفصل السادس بعنوان: منظمة التجارة العالمية، كيف تم التحول من الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات إلى منظمة التجارة العالمية، وجولات مفاوضات اتفاقيات الغات السبع، وإعلان قيام منظمة التجارة العالمية ومؤتمراتها، وأهم مزايا النظام التجاري المتعدد للمنظمة وتحرير التجارة، ما هي أهداف منظمة التجارة العالمية وهيكلها وشروط العضوية؟ والمبادئ التي تقوم عليها المنظمة، والاتفاقيات التي أقرها مؤتمر المنظمة العالمية للتجارة في مراكش، الهيكل التنظيمي وشروط العضوية في منظمة التجارة العالمية. والخطوات العملية للانضمام للمنظمة، والنتائج الاقتصادية للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، الحقوق والالتزامات. وآثار اتفاقيات الغات ومنظمة التجارة العالمية في البلدان النامية.

              أسأل الله التوفيق.

دمشق  2013.

                                            الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


[1] – انظر، جودت سعيد، مذهب ابن آدم الأول، دار الفكر المعاصر، بيروت 1996، ص 22 – 21.

[2]  – الدكتور مصطفى العبد الله الكفري، عولمة الاقتصاد والتحول إلى اقتصاد السوق في الدول العربية، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2008، من مقدمة الكتاب للدكتور حسن حميد.

آخر الأخبار