أزمة السيولة والائتمان العالمية عام 2008، الأزمة الأشد عنفاً منذ بداية العولمة المالية

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

أزمة السيولة والائتمان العالمية عام 2008

النظام المالي العالمي لا يزال مُهدّدا بالانهيار - SWI swissinfo.ch

الأزمة الأشد عنفاً منذ بداية العولمة المالية

تعد الأزمة المالية العالمية 2007–2008 التي انفجرت في أيلول/سبتمبر 2008، الأسوأ من نوعها منذ زمن الأزمة العالمية الكساد الكبير سنة 1929، ابتدأت الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم امتدت لتشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية  والدول العربية ومنها دول النفط الخليجية  وكافة الدول النامية التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي، وقد وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال عام 2008 إلى 19 بنكاً، كما توقع آنذاك المزيد من الانهيارات الجديدة بين البنوك الأمريكية البالغ عددها 8400 بنكاً. [1]

اشتدت حدة أزمة السيولة والائتمان العالمية مع نهاية عام 2007، والتي كانت قد بدأت في شهر آب المنصرم. والسبب الرئيس لهذه الأزمة هو الفرق المتزايد بين مؤشر (ليبور) (وهو سعر الفائدة الذي تستخدمه البنوك في إقراض بعضها البعض الإنتربنك) وسعر الفائدة المطبق، فقد اتسعت المسافة بشكل كبير بين مؤشر (ليبور) لأسعار الفائدة وبين أسعار الفائدة طبقاً للبنوك المركزية – بالإضافة إلى السندات الحكومية- وما زالت في اتساع منذ بدأت الأزمة في الولايات المتحدة، ومنطقة اليورو، والمملكة المتحدة. الأمر الذي أدى إلى انعدام الثقة بين المؤسسات المتماثلة.

مما لا شك فيه أن البنوك المركزية الرئيسة لم تتردد في ضخ عشرات المليارات من الدولارات من السيولة إلى المصارف التجارية، كما سارع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبنك إنجلترا، وبنك كندا إلى تخفيض سعر الفائدة. إلا أن تفاقم الظروف المالية يؤكد أن الاستجابة كانت فاشلة على نحو مثير للشفقة. [2]

ليس من المدهش إذاً أن تصبح البنوك المركزية في موقف اليائس في مواجهة الأزمة الأشد عنفاً منذ بداية العولمة المالية أزمة السيولة والائتمان. وأستطيع أن أقول إن الإعلان الأخير عن تنسيق عمليات ضخ السيولة من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وأربعة بنوك مركزية كبرى أخرى، جاء بعد فوات الأوان.

لن تنجح هذه الإجراءات في تقليص اتساع الفجوة مع الإنتربنك بصورة ملموسة وخلال وقت قصير، ذلك لأن السياسة النقدية عاجزة عن التعامل مع المشاكل الأساسية التي أدت إلى الأزمة. فالمسألة ليست في السيولة فحسب، مؤسسات مالية ذات ديون قصيرة الأجل وأصول سائلة أطول أجلاً، بل هناك العديد من القضايا والمشاكل الاقتصادية الأخرى المرتبطة بأزمة الائتمان والسيولة الخطيرة ومن أهمها:

أزمة ملايين من الأسر في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو، مع الرهن العقاري المفرط،

المئات من مقرضي الرهن العقاري الثانوي المفلسين،

أعداد متزايدة من شركات بناء المساكن المتأزمة،

العديد من المؤسسات المالية المتأثرة، وقطاع الشركات.

(فهل يستطيع الضخ النقدي أن يحل مشكلة انعدام الثقة التي تمكنت من النظام المالي العالمي وقد أدت العولمة وشراء سندات القروض إلى انعدام الشفافية فيه. وحين يفقد المرء الثقة في نظرائه الماليين، فلن يكون راغباً في إقراضهم أياً كان حجم ثروته).

تتوجه الولايات المتحدة الآن نحو الركود، رغم الجهود التي يبذلها بنك الاحتياطي الفيدرالي. والحقيقة أن تراكم المشاكل الحقيقية والمالية أدى إلى حدوث أسوأ أزمة ركود شهدها قطاع الإسكان في الولايات المتحدة على الإطلاق، كما أن ارتفاع أسعار النفط إلى حوالي مائة دولار للبرميل، وأزمة الائتمان الحادة، وهبوط الاستثمارات من جانب الشركات الكبرى، وتضاؤل معدلات الادخار وتزايد أعباء الديون الضاغطة على المستهلكين الذين تضربهم الصدمات السلبية بلا توقف، يجعل من الركود الاقتصادي أمراً لا يمكن تجنبه. ولسوف يتراجع النشاط الاقتصادي في أماكن أخرى من العالم مع انتقال العدوى إليها من الولايات المتحدة.

(في الإجمال، أثبت مصدِّرو النفط في المنطقة (بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى جانب الجزائر وليبيا) قدرة على الصمود، بفضل أسعار النفط المرتفعة بصورة متواصلة في الطفرة التي سبقت الأزمة، والإجراءات الحكومية التي ساعدت على التخفيف من آثار الانكماش. وبين عامَي 2005 و2008، سهّلت أسعار النفط المرتفعة النمو الاقتصادي القوي، بما في ذلك جهود التنويع المختلفة في الاقتصادات النفطية، مما أدّى إلى نمو غير نفطي متزايد بين 2005 و2008. وساعدت هذه التطورات البلدان المصدِّرة للنفط على زيادة الأصول الأجنبية وخفض الديون الحكومية، مما ساهم في تهدئة أنظمتها المالية على الرغم من أنها تكبّدت خسائر من الاستثمار في الأصول الأجنبية). [3]

وعلى الأرجح فإن معافاة اقتصادات الدول العربية من هذه الأزمة المالية العالمية ستكون بطيئة ومطوَّلة ومرتبطة حكماً بالمعافاة العالمية. كي تخرج حكومات المنطقة أقوى من الأزمة، يجب أن تفكّر في المدى الطويل وتنشئ مؤسسات اقتصادية قوية وتنظر في تطبيق إصلاحات اقتصادية جدّية.

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

كلية الاقتصاد – جامعة دمشق

[1]بنكان أمريكيان ينضمان لقائمة المؤسسات المالية المنهارة، المصري اليوم نسخة محفوظة 13 نوفمبر 2008 على موقع واي باك مشين،

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9_2007%E2%80%932008

[2]  – نورييل روبيني، رئيس مرصد روبيني للاقتصاد العالمي وأستاذ علوم الاقتصاد بكلية ستيرن للعلوم التجارية بجامعة نيويورك، الاقتصاد العالمي والهبوط السريع المحتوم. www.rgemonitor.com

[3] – لمحة سريعة عن الأزمة الاقتصادية، https://carnegieendowment.org/sada/23367

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ثلاثة + واحد =

آخر الأخبار