مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب

ما هو غسيل الأموال .. 5 جوانب اقتصادية واجتماعية حول نتائج هذه العملية

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

تتم عملية غسل الأموال عندما يقوم شخص ما بنشاط اقتصادي مخالف للقانون أو يحصل على مال بطريق غير مشروع، ثم يحرص على تنظيف الأموال التي حصل عليها، بالدخول في عمليات اقتصادية مشروعة ليس بهدف الربح‏,‏ بل غالباً يخسر،‏ فالهدف هو أن يخرج في النهاية وقد حصل من هذه العمليات على أموال يمكن الإعلان عنها وإظهارها مغسولة نظيفة شرعية. وهكذا نجد من يشتري شركة أو مصنعاً‏،‏ أو يبني مشروعاً سكنياً، أو‏ غير ذلك بأموال غير مشروعة‏,‏ ثم يقوم بالبيع الكلي أو الجزئي لهذه المشاريع‏، ويصبح مليونيراً. هذه العملية تسمى عملية غسل أموال حيث يبحث المال الذي تم الحصول عليه بوسائل غير نظيفة عن مغسلة يصبح بعدها نظيفاً مشروعاً. وتعد عملية غسل الأموال من الظواهر الاقتصادية التي بدأنا نلاحظها مع تنامي استخدام الشبكة العنكبوتية واستلام الرسائل المشبوهة من مختلف بقاع العالم.

غسل الأموال عملية يتم من خلالها إضفاء المشروعية على أموال مشبوهة جاءت من مصادر غير مشروعة (كتجارة المخدرات، تجارة الأسلحة، الاتجار بالنساء، تهريب الآثار والاتجار بها، اختلاس الأموال، التهرب الضريبي، التهرب من دفع الرسوم الجمركية والرشوة). وبالتالي فإن غسل الأموال هو كل سلوك يقصد به إخفاء أو تغيير هوية الأموال التي لها علاقة بعمليات غير مشروعة وذلك تمويهاً لمصادرها الحقيقية ولكي تظهر على أنها ناجمة عن عمليات مشروعة.

الأموال غير المشروعة:

عرف المرسوم (رقم (33الصادر في الجمهورية العربية السورية عام 2005 لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الأموال غير المشروعة بأنها: الأموال المتحصلة أو الناتجة عن ارتكاب إحدى الجرائم الآتية سواء وقعت هذه الجرائم في أراضي الجمهورية العربية السورية أو في خارجها. ‏

  • زراعة أو تصنيع أو تهريب أو نقل المخدرات أو المؤثرات العقلية أو الاتجار غير المشروع بها. ‏
  • الأفعال التي ترتكبها جمعيات الأشرار المنصوص عليها في المادتين 325 و326 من قانون العقوبات وجميع الجرائم المعتبرة دوليا جرائم منظمة. ‏
  • جرائم الإرهاب المنصوص عليها في المادتين 304 و305 من قانون العقوبات وفي الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية التي تكون سورية طرفا فيها. ‏
  • تهريب الأسلحة النارية وأجزائها والذخائر والمتفجرات أو صنعها أو الاتجار بها بصورة غير مشروعة. ‏
  • نقل المهاجرين بصورة غير مشروعة والقرصنة والخطف. ‏
  • عمليات الدعارة المنظمة والاتجار بالأشخاص والأطفال والاتجار غير المشروع بالأعضاء البشرية. ‏
  • سرقة المواد النووية أو الكيميائية أو الجرثومية أو السامة أو تهريبها أو الاتجار غير المشروع بها. ‏
  • سرقة واختلاس الأموال العامة أو الخاصة أو الاستيلاء عليها بطرق السطو أو السلب أو بوسائل احتيالية أو تحويلها غير المشروع عن طريق النظم الحاسوبية. ‏
  • تزوير العملة أو وسائل الدفع الأخرى أو الأسناد العامة أو الأوراق ذات القيمة أو الوثائق والصكوك الرسمية. ‏
  • سرقة الآثار أو الممتلكات الثقافية أو الاتجار غير المشروع بها. ‏ جرائم الرشوة والابتزاز. ‏
  • جرائم التهريب. ‏
  • استخدام العلامات التجارية المسجلة من قبل غير أصحابها أو تزوير حقوق الملكية الفكرية. ‏

مراحل عمليات غسل الأموال:

تمر عملية غسل الأموال بثلاث مراحل:

  1. الإيداع أو الإحلال (placement) أي إدخال المال المشبوه في النظام المالي القانوني.
  2. التغطية أو الإخفاء (layering) أي نقل وتبادل المال المشبوه (القذر أو غير المشروع) ضمن النظام المالي الذي تم إدخالها فيه.
  3. الدمج أو الخلط (integration) أي دمج المال نهائيا بالأموال المشروعة لضمان إخفاء المصدر غير المشروع الذي تم بموجبه الحصول عليها.

الجهات التي تستخدم كوسيط في عملية غسل الأموال المشبوهة:

الجهات التي تستخدم كوسيط في عملية غسل الأموال المشبوهة هي:

  • المؤسسات المالية (مؤسسات التوفير، المصارف)،
  • السماسرة،
  • شركات المضاربة،
  • الصيارفة،
  • الكازينوهات،
  • محلات التجزئة وتقديم الخدمات،
  • الشركات المغطاة قانوناً،
  • المؤسسات المالية غير البنكية (مكاتب ومحلات الصرافة)،
  • وكالات السياحة والسفر،
  • وكالات الاستيراد والتصدير،
  • جهات لها نشاطات تتعامل بالنقد (سوق السيارات والمعدات الثقيلة)،
  • وكالات الخدمات المالية الخارجية (الحوالات الخارجية)
  • المؤسسات الخيرية.

أما الأساليب المستخدمة في عملية غسل الأموال المشبوهة فهي إيداع الأموال المشبوهة في المؤسسات والجهات المذكورة أعلاه بهدف تحويلها إلى أموال مشروعة ونظيفة.

ومن بين المؤشرات الدالة على وجود عمليات غسل أموال:

التركيب والتجزئة: وهي تقسيم المبالغ الضخمة المتحصلة من أعمال غير مشروعة إلى مبالغ صغيرة لإبعاد الأنظار أو تبليغ الجهات المختصة.

التواطؤ: قيام موظفي المؤسسات أو الجهات التي تستخدم كوسيط في عملية غسل الأموال المشبوهة بتسهيل قبول الإيداعات دون تطبيق الإجراءات المنظمة لذلك مثل تعبئة نماذج الإيداع، تعبئة نماذج التحويل أو التبليغ عن العمليات المشبوهة.

الجرائم التي تنتج أموالاً غير مشروعة وتحتاج إلى غسيل هي جرائم معاقب عليها في القانون‏،‏ وتمتد العقوبة إلى مصادرة هذه الأموال والتغريم والحبس‏.‏ ولا بد من تأثيم وتجريم عملية غسل الأموال. بمعنى أن القاعدة القانونية كانت أن من يسرق ويخفي المال المسروق فان العقوبة تكون على فعل السرقة وليس علي إخفاء المال المسروق‏.‏ ومن يختلس‏‏ ويستثمر ما اختلسه فان العقوبة تكون على الاختلاس مع مصادرة المال لكن دون عقوبة على عملية استثمار المال أو إخفائه‏.‏ جرائم التهريب والجريمة المنظمة وتجارة الرقيق وتهريب المخدرات يجب أن تعتبرها النظم القانونية داعمة لجرائم غسل الأموال.

ارتكاب جرم غسل الأموال:

استناداً إلى مرسوم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب السوري، يعد من قبيل ارتكاب جرم غسل الأموال كل فعل يقصد منه:

  • إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة بأي وسيلة كانت أو إعطاء تبرير كاذب لهذا المصدر. ‏
  • تحويل الأموال أو استبدالها مع علم الفاعل بأنها أموال غير مشروعة لغرض إخفاء أو تمويه مصدرها أو مساعدة شخص ضالع في ارتكاب الجرم على الإفلات من المسؤولية. ‏
  • تملّك الأموال غير المشروعة أو حيازتها أو إدارتها أو استثمارها أو استخدامها لشراء أموال منقولة أو غير منقولة أو للقيام بعمليات مالية مع علم الفاعل بأنها أموال غير مشروعة.

 

 

عقوبات عمليات غسل أموال:

حدد المرسوم في المادة 14 العقوبات لكل من قام أو تدخل أو اشترك بعمليات غسل أموال وفق ما يلي:

يعاقب بالاعتقال المؤقت من ثلاث سنوات إلى ست سنوات وبغرامة تعادل قيمة الأموال المضبوطة أو بغرامة تعادل قيمتها في حال تعذر ضبطها على أن لا تقل عن مليون ليرة سورية كل من قام أو تدخل أو اشترك بعمليات غسل أموال غير مشروعة ناجمة عن إحدى الجرائم المذكورة في المادة 1 من المرسوم التشريعي وهو يعلم أنها ناجمة عن أعمال غير مشروعة ما لم يقع الفعل تحت طائلة عقوبة اشد وتشدد هذه العقوبة وفقا لأحكام المادة 247 من قانون العقوبات العام إذا ارتكب الجرم في إطار عصابة إجرامية منظمة ويعاقب أيضا وفق ما سبق من قام أو تدخل أو اشترك بعمليات تمويل الإرهاب. يعاقب على الشروع في جريمة غسل الأموال غير المشروعة وجريمة تمويل الإرهاب كما يعاقب الشريك والمتدخل والمحرض والمخبئ بعقوبة الفاعل الأصلي. ‏

أقرت الهيئة الدولية التي تقود جهود مكافحة غسل الأموال في العالم، قواعد جديدة لتشديد الحملة على الأموال القذرة وتمويل الإرهاب وعمليات غسل الأموال، بحظر البنوك التي لا تخضع لجهات رقابية وتشديد مراقبة أعمال نوادي القمار. وتهدف القواعد الجديدة إلى تشديد إجراءات مراجعة السجلات المالية وتاريخ العملاء خاصة في الأعمال التي تنطوي على مخاطر كبيرة مثل بنوك المراسلين أو التعامل مع أشخاص مشكوك في خلفياتهم السياسية. كما أن نوادي القمار وسماسرة العقارات وتجار المعادن النفيسة والأحجار الكريمة والمحاسبين والمحامين سيخضعون من الآن لإجراءات مراقبة لضمان عدم ممارستهم لغسل الأموال. ويقدر حجم الأموال التي يجري غسلها سنويا بين 700 مليار و1500 مليار دولار.

وبسبب الأخطار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الناتجة عن عمليات غسل الأموال تتعاظم الجهود الدولية والاتفاقيات العالمية أو الإقليمية لمكافحة غسل الأموال واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع. كفرض أفضل الممارسات الدولية فيما يتعلق بالتحويل غير المشروع للأموال عبر ما يطلق عليه “البنوك السرية” ومقاهي الإنترنت وشركات السياحة وشركات الاستيراد والتصدير التي تعتبر من القنوات الرئيسية التي ينقل بها “المتطرفون” أموالهم. وحظر البنوك التي تستخدم كواجهة لأنشطة غير مشروعة وهي الوسيلة المفضلة لغسل الأموال وهي البنوك التي ليس لها وجود فعلي ولا تخضع لجهات رقابية.

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

كلية الاقتصاد – جامعة دمشق

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

1 × 2 =

آخر الأخبار