الإمام محمد بن الحسن الشيباني، أبو القانون الدولي العام

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

الإمام محمد بن الحسن الشيباني، أبو القانون الدولي العام

(132 – 189 هـ) (749/750 م – 805 م)

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

إذ كان الغرب ينسب القانون الدولي العام إلى “هبروسيوسي” الهولندي المتوفى 1645م، ويُطلِقون عليه أبا القانون الدولي – فهو جهلٌ منهم، ووأْد الحقيقة التي يعلمها كلُّ باحث منصف من سبْق الإسلام وفُقَهائه بأحكام القانون الدولي، ومن أجْل ذلك أُسِّست في “غوتجن” بألمانيا جمعيَّة للحقوق الدوليَّة ضمَّت عُلَماء القانون الدولي، والمشتغِلين به في مختلف البلاد، يهدف إلى التعريف بالشيباني، وإظهار آرائه في هذا الباب، ونشْر مؤلفاته المتعلقة بذلك، وقد تُوفِّي محمد بن الحسن الشيباني – رحمه الله – في سنة تسع وثمانين ومائة ه، تاركًا من بعده علماً ينتفع به وعملاً صالحاً دائماً يُذكَر له. فمن العدل تسمية محمد بن الحسن الشيباني (أبو القانون الدولي العام) وفرعه المتنامي في الأهمية “القانون الدولي الإنساني”. [1]

ولادة الشيباني ونشأته:

ولد الإمام محمد بن الحسن الشيباني سنه 132 ه 749/750 م، وهو صاحب الفضل الأكبر في تدوين مذهب الحنفية على الرغم من أنه لم يتتلمذ على يد شيخه أبي حنيفة النعمان إلا لفترة قصيرة، استكمل دراسته على يد أبي يوسف، وأخذ عن سفيان الثوري والأوزاعي، ورحل إلى مالك بن أنس في المدينة المنورة. ثم تولى القضاء زمن هارون الرشيد، وانتهت إليه رياسة الفقهِ بالعراق بعد أبي يوسف. الشيباني هو ناشر المذهب الحنفي وفقيه العراق. [2]

نسبه: هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، وقيل: محمد بن الحسن بن عبيد الله بن مروان. كان والده الحسن من أهل حرستا وهي بلدة مشهورة قريبة من دمشق، قدم العراق في آخر عهد بني أمية، ولد له محمد بواسط ونشأ بالكوفة ثم سكن بغداد في كنف العباسيين. وبدأ بطلب العلم في صباه فروى الحديث وأخذ عن الإمام الأعظم (أبو حنيفة) طريقة أهل العراق، ولم يجالسه كثيراً لأن الإمام أبو حنيفة توفي والشيخ محمد الشيباني حدثاً، فأتم الطريقة على علم أبي يوسف، وكان فيه عقل وفطنة فنبغ نبوغاً عظيماً، وصار هو المرجع لأهل الرأي في حياة أبي يوسف. وكتب شيئاً من العلم عن أبي حنيفة النعمان، ثم لازم أبا يوسف من بعده حتى برع في الفقه. من شيوخه مسعر بن كدَام، ومالك بن مغُوَل، وعمر بن ذر الهمذاني، وسفيان الثوري، والأوزاعي، ومالك بن أنس، فقد تلقى عنهم فقه الحديث والرواية. ومن تلامذته الشافعي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وهشام بن عبيد الله الرازي، وعلي بن مسلم الطوسي، وعمرو بن أبي عمرو، ويحيى بن معين، ومحمد بن سَمَاعة، ويحيى بن صالح الوحاظي، وآخرون. توفي سنة 189هـ – 805 م، بعد أن ترك لنا تراثاً عظيماً. [3]

الإمام الشيباني أول من دوّن الفقه الإسلامي على منهج علمي:

والإمام الشيباني هو أول من دوّن الفقه الإسلامي على منهج علمي لم يسبقه إليه أحد، وترك لنا تراثاً علمياً ضخماً يشهد له بالعقلية التشريعية الخصبة والحرص البالغ على طلب العلم.

(ظهرت ثقافة الشيباني كل الظهور في مؤلفاته فقد انعكست فيها براعته في العربية وفهمه أسرارها وعلمه في الفقه وبروزه فيه، ويظهر شأن محمد بن الحسن في الفقه في ناحيتين: الأولى أنه أكبر أصحاب أبي حنيفة الذين أثروا في نشر هذا المذهب بكل تواليفه، فقد كان من أكثر فقهاء القرن الثاني إنتاجاً وأصالةً وتداولاً، والثانية أن الكتب التي ألفت في الفقه كالمدّونة والأسدية والأم والحجة قد تأثر أصحابها به فأُلفت على ضوء كتبه كما يذهب المحققون). [4]

أهم مؤلفات الإمام محمد بن الحسن الشيباني:

خلَّف محمد بن الحسن آثاراً علميّةً كثيرة أهمها: كتاب “الجامع الكبير”، ضمَّنَه أهمَّ المسائل في الفقه، وقيل: إنه لم يُؤلَّف في الإسلام مثله. وكتاب “السير الكبير” وهو يتضمن أحكام القانون الدولي في الإسلام في السلم والحرب، فيعرض لأحكام الأسارى وإسلام المشركين، والأمان، والرُّسل الذين يَفِدُون إلى دار الإسلام من دار الحرب والحصانات التي لهم، والغنائم والصُّلح والتحكيم، والمعاهدات ونقضها، وجرائم الحرب، وقد عدَّ هارون الرشيد هذا الكتاب من مَفاخِر أيَّامه، وقد حظي بعدَّة شُروح من أهمها شرح السرخسي.

كتاب “الكسب: الاكتساب في الرزق المستطاب للشيباني”

تبدو قضية العمل والبحث عن الكسب من القضايا التي كانت تشغل المجتمع الإسلامي منذ وقت مبكر، ولذا فإننا نجد مجموعة من المؤلفات التي تعظم دور العمل وتحث على الكسب في مواجهة الدعوة إلى التكاسل والتواكل بدعوى أن الرزق مكتوب من عند الله، ومن الكتب التي جاءت في هذا المضمار، كتاب”الاكتساب في الرزق المستطاب” للإمام محمد بن الحسن الشيباني، الذي عاش في القرن الثاني الهجري، وهو صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان.

يحمل عنوان كتاب “الكسب” معاني واسعة شاملة لكل جوانب الارتزاق في الحياة، وهو يدل على سعة فقه الإمام الشيباني، وعمق نظره، ودقة تعبيره، فهذا تعبير لا تتخلف عنه صورة جزئية أو كلية من موارد الرزق، كالتجارة، أو الصناعة، أو الإجارة، أو الهبة، أو البيع، أو الشراء، أو الاحتطاب، أو الاصطياد، أو ما أخرجته الأرض أو أنبتته السماء، فقد استوفى كل مصدر ارتزاق أو انتفاع يقع للإنسان.

تبدو أهمية الكتاب كونه قد أغرق في الحث على الكسب وإعطاء الأهمية الاقتصادية لكل فروع النشاط الاقتصادي، وجعلها منتجة، ومباحة لجميع الأفراد، وأسهم في محاولة تأصيل المعيار الإسلامي لاعتبار إنتاجية أي عمل اقتصادي، حيث جعل العمل المنتج هو العمل المشروع، إضافة إلى ذلك فإنه أسهم في تأصيل حكم بعض المفاهيم الاقتصادية كالإنتاج، والاستهلاك، والإنفاق، وأشار إلى الحاجات الاقتصادية، وتعددها، وضرورة إشباعها، وترشيد استهلاكها، ومحدوديتها، ويرى بعض الباحثين أنه في ذلك ربما يخالف الاقتصاديين الذين يرون عدم محدودية الحاجات.

وتوسع الشيباني في شرح مراتب الكسب وأحكامه، وحكم الكسب لجمع المال، وحكم التفاخر والتكاثر، والإسراف والاعتدال في الملبس والمأكل، كما عالج قضايا الارتزاق، وهو يرشد إلى سبل الكسب الحلال المشروع، إلا أنه فرق بين المباح والممنوع، فأكد أن الإسلام لا يبيح للفرد أو الجماعة إنتاج ما يضر بصحة الناس أو بخلقهم أو بمجتمعهم، أو سلامة حياتهم الإنسانية، وحرم ما يسبب إنتاجه خللا في العقل أو الجسم كالخمور والمسكرات والمخدرات وإنتاج أدوات القمار واللعب، وحذر الإسلام المؤمنين من إنتاج ما يهلك الحرث والزرع والنسل ويضيع الوقت بلا جدوى، وقد أفاض في ذكر الأدلة الواضحة التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من خلال الأحاديث النبوية المتنوعة في هذا المجال. [5]

الشيباني أول من أفرد لموضوع (الكسب) بالتصنيف:

ويعد الإمام محمد بن الحسن أول من أفرد لموضوع (الكسب) بالتصنيف، وأجاد البحث عن كثير من جوانبه المهمة، فقد اشتمل الكتاب مع شرحه للسرخسي على تحقيق وإيضاح أمور كثيرة بأدلة المنقول والمعقول، فاشتمل على بيان الأمور التالية:

  1. فرضية طلب الكسب على كل مسلم، وبيان مراتب الطلب مع أحكامها.
  2. الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل.
  3. إبطال رأي أهل التقشف وحمقى أهل التصوف، من تحريم الكسب والسعي للرزق.
  4. أنواع المكاسب، والتفاضل فيما بينها، والخلاف في ذلك، وأن الكسب الحلال فيه معنى المعاونة على القرب والطاعات أي نوع كان.
  5. مسائل الإنفاق، وحدود الإسراف والاعتدال في كل من المأكل والملبس والمسكن.
  6. فضل إعانة الرجل أخاه، ومتى تجب عليه الإعانة ومتى لا تجب.

ويشتمل الكتاب على حقائق ومعلومات ومفاهيم لبعض المصطلحات المتعلقة بمجال الكسب والسعي فيه، وكذلك لأنواعه، وأحكامه، وكان يسعى في كل ما يورد إلى إبطال مقولات الذين يدعون إلى الجلوس والكسل لأن الرزق من الله مكتوب ولا مفر منه، كما يتحدث عن التوكل والأخذ بالأسباب، والمفاضلة بين الاشتغال بالكسب والتفرغ للعبادة، والشكر على الغنى أم الصبر على الفقر، وبعد ذلك يبدأ بشرح تفاصيل المفاضلة بين التجارة والصناعة، والحاجات الاقتصادية والاستعمالات الواردة عليها، وتطرق إلى بعض المشكلات الاقتصادية التي تنتج عن الحاجات اللانهائية والموارد الإنتاجية المحدودة والنادرة، مشيراً إلى التخصص في العمل الذي يحقق المصالح المعيشية، فالفقير بحاجة إلى مال الغني والغني بحاجة إلى عمل الفقير.. وهكذا تدور عجلة الحياة، يرى الشيباني أن تقسيم العمل ليس ضرورة اقتصادية فقط بل هو إلزام ديني ووسيلة للحصول على ثواب من الله تعالى لتحقيق المتطلبات والحاجات الاقتصادية للجماعة. وقد ذكر الشيباني أن الاكتساب فريضة على كل مسلم، وأسهب في التدليل على ذلك بأن العزوف عن العمل النافع يوم أن يشيع ويعم المجتمع المسلم تأثم الأمة كلها، فذلك من فروض الكفاية التي إذا لم يقم به البعض أثمت الأمة كلها وأخرجها ذلك إلى أن تكون عالة على غيرها من الأمم.

مسائل ثمينة في ثنايا كتاب “الكسب”:

  • مسألة: الاشتغال بالكسب أفضل أم التفرغ للعبادة بعدما اكتسب ما لا بد له منه؟
  • مسألة: صفة الفقر أفضل أم صفة الغنى؟
  • مسألة: الشكر على الغنى أفضل أم الصبر على الفقر؟
  • مسألة: جواز بل وجوب السؤال عند الحاجة،
  • مسالة: المعطي أفضل من الآخذ مطلقاً أم فيه تفصيل؟

كما جاء فيه بيان فرضية طلب العلم على تفاوت في مراتب الطلب، ثم فرضية تبليغه وأدائه إلى الناس، مع ذكر آداب مهمة للتبليغ لا يسع جهلها.

وذكر السرخسي سبب تصنيف الإمام محمد لهذا الكتاب، فقال: “إن الإمام محمداً صنف هذا الكتاب في الزهد، على ما حكي أنه لما فرغ من تصنيف الكتب، قيل له: ألا صنفت في الزهد والورع شيئاً؟ فقال: صنفت كتاب البيوع (يريد أن المرء إذا طاب مكسبه حسن عمله)، ثم أخذ في تصنيف هذا الكتاب، فاعترض له داء فجف دماغه ولم يتم مراده، ويحكى أنه قيل له: فهرس لنا ما كنت تريد أن تصنفه، ففهرس لهم ألف باب كان يريد أن يصنفها في الزهد والورع… وهذا الكتاب أول تصانيفه في الزهد والورع…”. عدد صفحات كتاب “الكسب” 360 صفحة.

يعد كتاب الكسب للشيباني من أشهر الكتب التي ألفت في مجال الحث على العمل والكسب والاجتهاد فيه، وذلك واضح من عنوانه، فقد جعل العمل في أولوية السلم الاقتصادي المفروض على كل مسلم، وحشد في بداية حديثه مجموعة من الآيات والأحاديث التي تحث على الكسب، فقال: “إن الله فرض على العباد الاكتساب لطلب المعاش ليستعينوا به على طاعة الله، والله يقول في كتابه العزيز {وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا}، فجعل الاكتساب سببا للعبادة، وقال {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}، أي بجنايتكم على أنفسكم، فقد سمى جناية المرء على نفسه كسباً. ثم بعد أن أورد هذه الآيات الكريمة وغيرها، جاء بالأحاديث الدالة على فضل الكسب، فقال: “ورد عن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ أنه قال “طلب الكسب فريضة على كل مسلم”، وفي رواية قال “طلب الكسب بعد الصلاة الفريضة بعد الفريضة”، وقال عليه السلام “طلب الحلال كمقارعة الأبطال، ومن بات كالا من طلب الحلال بات مغفورا له”. ثم بعد أن فرغ من ذكر مجموعة كبيرة من الأحاديث، عرج على سير الصحابة، فقال: “… وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدم درجة الكسب على درجة الجهاد، فيقول: (لأن أموت بين شعبتي رحلي أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله أحب إلى من أن أُقتل في سبيل الله، لأن الله تعالى قدم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضله على المجاهدين، بقوله تعالى {وآخرون يضربون في الأرض).

كتاب “الآثار” من أجلِّ الكتب:              

كتابٌ الآثار من أجلِّ الكتب التي رواها الإمام محمد بن الحسن الشيباني عن شيخه الإمام أبي حنيفة، حيث إن الإمام أبا حنيفة انتخبه من أربعين ألف حديث. وقد روى الإمام محمد في هذا الكتاب آثاراً مرفوعة وموقوفة ومقطوعة، وعددها: تسع مئة وثلاثة عشر أثراً، كما روى عن سبعة عشر شيخاً آخر. وممّا يجعل لهذا الكتاب أهميةً كبرى، أن مؤلفه كان ممن تتلمذ على الإمام أبي حنيفة، وتمم الفقه على القاضي أبي يوسف، أما عن منهج الإمام في كتابه الآثار فإنه يذكر رأي الإمام أبي حنيفة ورأيه هو بعد كل أثر، وإن كان لا يرى الأخذ بهذا الأثر ذكر ما يحتج به بعده. ففي هذا الكتاب وحده حجة دامغة لقول من يتهم الحنفية بقلة المعرفة للحديث ولو اطلعوا على مصنفات الإمام محمد فقط لغيروا رأيهم.

يعد كتاب “الآثار” لأبي حنيفة أول كتاب أُلف في علم الحديث النبوي وآثاره وأخباره وأقوال الصحابة وأتباعهم مرتبا على الأبواب وهذه هي رواية محمد بن الحسن الشيباني لكتاب الآثار عن أبي حنيفة رضي الله عنه، مضمنة آراء محمد بن الحسن الشيباني بما يخص هذه الآثار.

تضمن كتاب “الآثار” للشيباني مجموعة مهمة من الأحاديث النبوية المتصلة بفقه الإمام أبي حنيفة وخاصة العبادات والمعاملات ومرتبة في الكتاب حسب الأبواب كما رواها الشيباني.. ويعود تاريخ الكتاب إلى القرن الثاني الهجري وهو عصر نشأة المذهب الحنفي ويكتسب أهمية خاصة بسبب عنايته بجانب غير مشهور من فقه أبي حنيفة في أصوله الأولى، الذي كان يتخذ بعض أصحاب الحديث موقفاً نقدياً منه لاعتماده الواسع على القياس وتشدده في قبول آثار لم يجدها موثقة توثيقاً كافياً. كما يكتسب الشيباني أهمية في تاريخ المذهب الحنفي باعتباره الرجل الثالث بين رجاله بعد أبي حنيفة وأبي يوسف. عدد صفحات كتاب “الآثار” 374 صفحة.

كتاب “المخارج في الحيل”: 

يقدم كتاب “المخارج في الحيل” من تأليف الإمام محمد بن الحسن الشيباني، مسائل تتعلق بأوجه كثيرة ومختلفة من حياة المسلمين حيلاً ومخارجاً في العديد من المواقف، وقد رتب بأن يختص كل باب بصنف معين، فنجد باب الحيل في الطلاق والاستثناء، ونجد باب الحيل في إجارة الدور والحيل في البيع والشراء في الدور والرقيق، وكذلك الحيل في النكاح والطعام والشراب، وباب الصلح في الجنايات والاستخلاف وغيرها من الأبواب التي ورد ذكرها في الكتاب.. وجميعها جاءت مدعمة ومتفقه بمواقف للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والأئمة والتابعين. عدد صفحات كتاب “المخارج في الحيل” 144 صفحة.

شرح كتاب “السير الكبير” للشيباني:

روى الإمام محمد بن الحسن الشيباني أقوال أبي حنيفة في ست كتب تسمى عند الحنفية ظاهر الرواية وهي: الجامع الكبير – الجامع الصغير – السير الكبير – السير الصغير – المبسوط – والزيادات. والصغير ما رواه محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، والكبير ما رواه محمد عن أبي حنيفة مباشرة. والسير أحكام الجهاد والحرب وما يتبع ذلك أما شرح السير الكبير فهو للإمام السرخسي أملاه على تلاميذه، علل فيه لنصوص السير فبين بعض الأدلة، وفرّع بعض التفريعات.

وكتاب “السير الكبير” هو في أحكام الجهاد والحرب وما يتبع ذلك، وقد شرح الإمام السرخسي ذاك الكتاب وعلل فيه لنصوص السير مبيناً بعض الأحكام والأدلة، مفرعاً عليه بعض المسائل الفقهية في أمور الجهاد والحرب. يقول الإمام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي صاحب هذا الشرح: أن السير الكبير هو آخر تصنيف صنفه محمد بن الحسن الشيباني في الفقه. وسبب تصنيف كتاب “السير الكبير” هو أن “السير الصغير” وقع في يد عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عالم أهل الشام، فقال: لمن هذا الكتاب؟ فقيل: لمحمد العراقي، فقال: وما لأهل العراق والتصنيف في هذا الباب؟ فإنه لا علم لهم بالسير، ومغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت من جانب الشام والحجاز دون العراق. فإنها محدثة فتحاً. فبلغ مقالة الأوزاعي محمداً فغاظه ذلك، وفرّغ نفسه حتى صنف هذا الكتاب. فحُكي أنه لما نظر فيه الأوزاعي قال: لولا ما ضمنه من الأحاديث لقلت إنه يضع العلم من عند نفسه وأن الله عين جهة إصابة الجواب في رأيه. ثم أمر محمد أن يكتب هذا الكتاب في ستين دفتراً، وأن يحمل على عجلة إلى باب الخليفة فلما نظر فيه الخليفة أعجبه وعده من مفاخر أيامه. عدد صفحات كتاب “السير الكبير” 1461 صفحة.

كتاب الأصل المعروف ب “المبسوط”:               

يعد كتاب “الأصل المعروف المبسوط” من أهم مؤلفات الإمام الشيباني ويقال عنه: إن الشافعي كان حفظه وألف “الأم” على محاكاة “الأصل” كما ويقال بأن حكيماً من أهل الكتاب قد أسلم بسبب مطالعة المبسوط هذا قائلاً: “هذا الكتاب محمدكم الأصغر فكيف كتاب محمدكم الأكبر؟. و”المبسوط” هذا هو من أجل الكتب في الفقه وأبسطها، بل هو بحر لا ساحل له. وذلك لما يحتويه من سرد للفروع على مذهب أبي حنيفة وإلى يوسف مع بيان لرأي مصنفه في المسائل الفقهية، والشيباني فيه لا يسرد الأدلة حيث تكون الأحاديث الدالة على المسائل بمتناول جمهور الفقهاء من أهل طبقته، وإنما يسردها في مسائل ربما تغرب أدلتها عن علمهم. عدد صفحات كتاب “الأصل المعروف المبسوط” 2300 صفحة في خمسة مجلدات.

كتاب “الجامع الصغير” مع شرحه النافع الكبير:

صنف الإمام الشيباني كتابه الجامع الصغير مع شرحه النافع الكبير في الفقه على المذهب الحنفي، حيث جمع فيه أربعين كتاباً من كتب الفقه ولم يبوب الأبواب لكل كتاب منها، وقد قام الإمام أبا طاهر الدباس، بتبويبه وترتيبه على الشكل الذي هو عليه، وذلك ليسهل على المتعلمين حفظه ودراسته، ويقال انه في زمانه كان حِفظه وفهمه هما موضع الامتحان لمن أراد تقلد منصب القضاء. مع أن أكثر مسائل الجامع الصغير مذكورة في كتاب “المبسوط”، حيث تمّ تقسيم مسائله إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول – لا يوجد لها رواية إلا في هذا الكتاب، وقسم يوجد ذكرها في الكتب، ولكن لم ينص فيها أن الجواب قول أبي حنيفة أم غيره، وقد نص في الكتاب من جواب كل فصل على قول أبي حنيفة، والقسم الثاني – إعادة بلفظ آخر، واستفيد من تغيير اللفظ فائدة لم تكن مستثارة باللفظ المذكور في الكتب، والقسم الثالث – ما ذكره الفقيه أبو جعفر الهندواني في مصنف سماه “كشف الغوامض”.

ولأهمية هذا الكتاب، قام الإمام اللكوني الحنفي بالاعتناء به حيث وضع له الحواشي في بيان الغامض من معانيه والتعليق على ما جاء في مبانيه، مع مقدمة تشتمل على ذكر طبقته وطبقة مؤلفيه وشيخه، وطبقات الفقهاء ودرجاتهم، وطبقات تصانيفهم، وتفاوت مؤلفاتهم وتراجم شراحه وغيرهم من الفقهاء الأعلام مدرجاً هذا المجموع كل ذلك في فصول مع فوائد لا يسع جهلها للمفتي، وفرائد يجب علمها للمستغني، وسماه بالنافع الكبير. عدد صفحات كتاب “الأصل المعروف المبسوط” 541 صفحة.

كتاب “الحجة على أهل المدينة”:

لما رحل الإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة لسماع الموطأ عن الإمام مالك مكث في المدينة المنورة ثلاث سنين، وسمع الحديث من غيره أيضاً، وناظر علماء المدينة واحتج عليهم بحجج حِسان، وجمع حججه في كتاب سماه كتاب “الحجة”، وقد رواه عنه تلاميذه واشتهر برواية عيسى بن أبان، واهتم به علماء الكوفة يتداولونه فيما بينهم، وانتفع به أهل العلم شرقاً وغرباً قرناً بعد قرن وقد اشتمل الكتاب بأجزائه الأربعة على المباحث الفقهية الآتية: الطهارة، الصلاة، الصوم، الزكاة، المناسك، البيوع، المضاربة، الحبس (الوقف)، الشفعة، النكاح، الطلاق، المساقاة، المزارعة، الفرائض. ودأب المؤلف في هذا المصنّف أنه يذكر في الباب أولاً قول شيوخه بقوله: قال أبو حنيفة، ثم يردف يقول أهل المدينة بقوله: وقال أهل المدينة، ثم يؤيد قول الإمام ويحتج له على أهل المدينة وتارة يذكر قول الإمام مالك أيضاً فيما بين أقوال أهل المدينة، فالكتاب مملوء بأقوالهم. عدد صفحات كتاب “الحجة على أهل المدينة” 2407 صفحات في مجلدين.

الكسب في الإسلام ــ كما يرى الشيباني ــ مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأخلاق والعبادة، وارتباط الاقتصاد الإسلامي بالقيم الخلقية، والمبادئ الشرعية، ويظهر أثر الاقتصاد جلياً واضحاً في العبادات، كما أن الإنتاج كذلك مرتبط بالعبادات، وقد أسهب في الحديث عن عناصر الإنتاج، ولاسيما رأس المال الناتج عن العمل الذي ذكر أنواعه، فمنه المشروع ومنه غير المشروع، وأكد على أهمية التخصص فيه، وأشار إلى أهمية التعاون المشروع في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وربطه بالجانب العقدي والأخلاقي، وأثر ذلك كله في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، وتوزيع الثروات على فئات المجتمع بالعدل. ولا ننسى أن الشيباني تطرق في كتابه إلى مسألة الإنفاق وما يجب فيها وعليها من الضوابط، وهي قضية باتت تؤرق الاقتصاديين اليوم، وإن عدم الأخذ بمثل هذه الضوابط التي تتعلق بالإنفاق وسلوك المستهلك يمكن أن يؤدي إلى آثار اقتصادية سلبية: كالانكماش، والكساد، والبطالة، وتبديد مصادر الإنتاج.

ويبقى كتاب”الاكتساب” للشيباني من نوافذ المعرفة المالية التي نطل من خلالها على أدبيات الاقتصاد الإسلامي، ويمكن الاستفادة منها اليوم في ظل الظروف الاقتصادية والأزمات العالمية.

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

كلية الاقتصاد – جامعة دمشق

Email: moustafa.alkafri@gmail.com

 

[1] – من قضاة الإسلام: محمد بن الحسن الشيباني،

http://www.alukah.net/web/fouad/0/29893/

[2]  – ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A

[3] – أنظر، الموسوعة الحرة ويكبيديا،

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A

[4] – محمد عزيز شكري، الموسوعة العربية،

http://www.arab-ency.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86

[5] – من مسلمون علموا العالم 29 مارس، 2011‏ ·‏

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

1 × أربعة =

آخر الأخبار