غورباتشوف والبيريسترويكا وسقوط التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي 1990

 الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

غورباتشوف والبيريسترويكا، وسقوط التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي 1990

 الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

كلمة البيريسترويكا الروسية تعني إعادة الهيكلة، وهو برنامج للإصلاحات الاقتصادية أطلقه رئيس الاتحاد السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف في الاتحاد السوفيتي، وتشير إلى إعادة بناء اقتصاد الاتحاد السوفييتي. وتتضمن البيريسترويكا سياسة الشفافية (الغلاسنوست). ويرى البعض أن سياسة وبرنامج غورباتشوف أدى إلى تفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط التجربة الاشتراكية سنة 1990.

كان ميخائيل غورباتشوف واحداً من أكثر الشخصيات السياسية نفوذاً في القرن العشرين، زعيماً لثاني أهم دولة في العالم. أسهم في عملية تفكيك الاتحاد السوفيتي الذي استمر لأكثر من 70 سنة وهيمن على مساحات شاسعة من آسيا واوروبا الشرقية وأفريقيا.

وُلد غورباتشوف في منطقة ستافروبول، جنوب غرب روسيا في 1931، وكان والدا غورباتشوف يعملان في مزارع جماعية، وكان الشاب غورباتشوف يعمل في الحصاد عندما كان في سن المراهقة، وتخرج في جامعة موسكو الحكومية عام 1955 وكان عضواً نشطاً في الحزب الشيوعي السوفييتي، أدخل غورباتشوف، خلال تولّيه السلطة، إصلاحات ديمقراطية مهمّة عُرفت باسم البيريسترويكا (إعادة هيكلة) والغلاسنوست (الشفافية) أكسبته شعبية كبرى في الغرب. [1]

وصل غورباتشوف إلى السلطة في الاتحاد السوفييتي عام 1985، وأطلق سلسلة إصلاحات سياسية واقتصادية هدفت إلى تحديث الاتحاد السوفياتي الذي كان يعاني من أزمات حادّة. وكان غورباتشوف من أنصار التقارب مع الغرب. اضطر غورباتشوف إلى الاستقالة في 25 ديسمبر/كانون الأول 1991ذ، في خطوة أدّت لانهيار التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية.

عندما أصبح غورباتشوف أميناً عاماً للحزب الشيوعي السوفياتي في عام 1985 وعمره 54 عاماً فقط، شرع في إعادة إحياء النظام عبر إدخال حريات سياسية واقتصادية محدودة، لكنّ إصلاحاته خرجت عن نطاق السيطرة.

وبالنسبة للكثير من الروس، فإنّ غورباتشوف هو المسؤول في النهاية عن انهيار الاتّحاد السوفياتي والذي حصل بعد انقلاب فاشل قام به محافظون سوفيات مناهضون لإصلاحات غورباتشوف.

برنامج البيريسترويكا:

ميخائيل غورباتشوف هو آخر زعيم للاتحاد السوفياتي، أحد أكثر الشخصيات السياسية نفوذاً في القرن العشرين. فقد شهد غورباتشوف تفكك الاتحاد السوفياتي الذي كان قائماً لمدة تصل إلى حوالي 70 عاماً وسيطر على مساحات شاسعة من آسيا وأوروبا الشرقية. [2]

خلال الفترة الأولى من وصول ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة (1985 – 1987)، تحدث عن تعديل التخطيط المركزي، ولكنه لم يقم بأي تغيرات جذرية حقيقة (تسريع). بعدها قدم غورباتشوف وفريقه من المستشارين الاقتصاديين إصلاحات أكثر جذرية، عرفت باسم البيريسترويكا (إعادة الهيكلة).

في يونيو 1987 وفي الجلسة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي قدم غورباتشوف أطروحته الأساسية، التي رسمت القاعدة السياسية للإصلاح الاقتصادي للفترة المتبقية لوجود الاتحاد السوفييتي.

في يوليو 1987، وافق مجلس «السوفييت الأعلى»، وهو أعلى هيئة تشريعية سوفييتية، على مشروع «التزام الدولة» أو «مقاولات الدولة». نص القانون على أن «التزام الدولة» لها حرية تحديد مستويات الإنتاج بناء على طلب المستهلكين من الأفراد ومن الالتزامات الأخرى. كانت الجهات الملتزمة عليها تطبيق أوامر الدولة، ولكن كان لها الحرية في تقرير مصير المنتج المتبقي. اشترت الالتزامات المواد والمؤن من الموردين بعقود بأسعار متفق عليها بين الطرفين. وبحسب القانون أصبحت مقاولات الدولة ذاتية التوليد لدخلها؛ فأصبح عليها تغطية التكاليف (الرواتب، الضرائب، المواد الأساسية، والقروض وفوائدها) من عائداتها. ولم تعد الحكومة تتدخل لإنقاذ الالتزامات التي لم تكن مربحة وواجهت خطر الإفلاس. وأخيرًا، نقل القانون الجديد السيطرة على المقاولات من الوزارات إلى تجمعات عمّالية منتخبة. كانت مسؤوليات لجنة التخطيط الحكومي تنحصر في تحديد الخطوط العريضة والتوجيهات العامّة وأولويات الاستثمار القومي، وليس صياغة خطط الإنتاج التفصيلية.

ربما كان قانون التعاونيات الذي سن في مايو 1988 أكثر الإصلاحات راديكالية خلال الفترة الأولى لحكم غورباتشوف. ولأول مرة منذ سياسة لينين الاقتصادية سمح القانون بالملكية الخاصّة للمصالح في قطاعات الخدمات، التصنيع والتجارة الخارجية. فرض القانون في البدء ضرائب عالية وتحديدات للتوظيف، ولكن تلك تم مراجعتها لاحقًا لتجنب تثبيط نشاط القطاع الخاص. وبموجب هذا المرسوم، أصبحت المطاعم التعاونية، الدكاكين والمصنعين سوفيتية شرعاً!

عندما طرح غورباتشوف برنامجه الإصلاحي في عام 1985، ربما كان هدفه إحياء الاقتصاد السوفيتي الراكد وإصلاح نظام البلاد السياسي. إلا أن الجهود التي بذلها في هذا المجال أصبحت عاملاً مساعداً لسلسلة من الاحداث افضت الى انهاء الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفيتي فحسب، وفي كل دول حلف وارسو التي كانت تجري في فلكه. [3]

(قال فلاديمير شيفتشينكو، الذي ترأس مكتب البروتوكولات في عهد الزعيم السوفياتي: «عصر غورباتشوف هو عصر البيريسترويكا، عصر الأمل، عصر دخولنا إلى عالم خالٍ من الصواريخ… لكن كان هناك خطأ واحد في تقدير الأمور: لم نكن نعرف بلدنا جيداً. ونقلت وكالة الإعلام الروسية عنه قوله: «لقد انهار اتحادنا. كانت تلك مأساة، ومأساة له). [4]

حاول غورباتشوف إعادة الهيكلة الاقتصاد الدولي في الاتحاد السوفييتي باستعدادات بدت جسورة للاقتصاديين السوفييت في ذلك الحين. قام برنامجه بإلغاء احتكار وزارة التجارة الخارجية للعمليات التجارية. وسمح لوزارات الفروع الاقتصادية والزراعية المتنوعة بأداء عمليات تجارية خارجية في القطاعات التابعة لها بدل ما كانت عليه الحال من تواصل غير مباشر عبر بيروقراطية مؤسسات وزارة التجارة. بالإضافة إلى ذلك، أصبح بإمكان ملتزمي الدولة من الجهات المناطقية والمحلية وحتى الأفراد القيام بعمليات تجارية خارجية. هذا التغيير كان محاولة لتقليل القصور في نظام التجارة الخارجية السوفييتية: انعدام التواصل بين المستهلك السوفييتي والمورد وبين شريكهم الأجنبي-الخارجي.

(التعديل الأكثر تأثيراً الذي أدخله غورباتشوف على قطاع الاقتصاد الخارجي سمح للأجانب بالاستثمار في الاتحاد السوفييتي على شكل مشاريع مشتركة مع الوزارات السوفييتية ومع ملتزمي الدولة والتعاونيات. النسخة الأصلية من قانون المشاريع السوفييتي، والذي دخل حيز التنفيذ في يونيو 1987، حدد نسبة مشاركة الأجانب بما لا يزيد عن 49 بالمئة واشترط أن يشغل مواطنون سوفييت مواقع الرئاسة والإدارة العامة لهذه المشاريع. ولكن تذمر شركاء غربيين محتملين من هذه الشروط دفع الحكومة لمراجعة الشروط والسماح بملكية أغلبية المشروع والسيطرة لجهات أجنبية. وبموجب بنود قانون المشاريع المشتركة، قدم الشركاء السوفييت القوى العاملة، البنية التحتية وأسواق محلية محتملة كبيرة. وقدم الشركاء الأجانب رأس المال، التكنولوجيا، الخبرات الالتزامية، وفي كثير من الحالات، منتجات وخدمات بجودة تنافس عالمياً). [5]

لم تفلح التغييرات الاقتصادية التي أدخلها غورباتشوف بإعادة تنشيط الاقتصاد الوطني المتلبد في نهاية الثمانيات. قللت الإصلاحات من المركزية إلى حد ما، لكن بقي التحكم بالأسعار قائماً، وكذلك عدم إمكانية تحويل الروبل، وبقيت سيطرة الحكومة على معظم وسائل الإنتاج.

(بحلول 1990 كانت الحكومة قد خسرت السيطرة على الظروف الاقتصادية. ازدادت نفقات الدولة بحدة بسبب ازدياد عدد المقاولات الخاسرة التي احتاجت لمعونة الدولة واستمر دعم البضائع للمستهلكين. انخفضت عائدات الضرائب بسبب امتناع سلطات الجمهوريات والسلطات المحلية عن تقديمها للحكومة المركزية بسبب روح الحكم الذاتي المناطقي المتنامية. وبسبب إنهاء السيطرة المركزية على قرارات الإنتاج، وخاصة في قطاع البضائع الاستهلاكية، كسرت علاقة العرض والطلب التقليدية، دون المساهمة في بناء علاقة عرض وطلب جديدة! وبالتالي، بدل أن تؤدي سياسات اللامركزية التي قدمها غورباتشوف إلى سلاسة النظام الاقتصادي، خلقت هذه السياسات معيقات إنتاجية جديدة).

عندما اجتاحت الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية دول الكتلة الاشتراكية في أوروبا الشرقية عام 1989، أحجم غورباتشوف عن استخدام القوة، على عكس قادة الكرملين السابقين الذين أرسلوا الدبابات لسحق الانتفاضات في المجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968.

(لكن الاحتجاجات غذّت التطلعات للحكم الذاتي في 15 جمهورية من الاتحاد السوفياتي الذي تفكك خلال العامين التاليين بطريقة عمّتها الفوضى.
وحاول غورباتشوف، الذي أطاح به متشددون في الحزب الشيوعي لفترة وجيزة في انقلاب في أغسطس/آب 1991، الحيلولة دون هذا الانهيار لكنّ جهوده باءت بالفشل. وفي 8 ديسمبر/كانون الأول أعلن رؤساء روسيا وأوكرانيا وبيلاروس في مينسك أن الاتحاد السوفياتي «لم يعد موجوداً).

فاز غورباتشوف بجائزة نوبل للسلام في عام 1990 نتيجة لتفاوضه مع الرئيس الأميركي في حينه رونالد ريغن، على اتفاقية تاريخية للحدّ من الأسلحة النووية، كما عُدّ قراره منع الجيش السوفياتي من التدخّل للحول دون سقوط جدار برلين قبل عام من ذلك عاملاً أساسياً في الحفاظ على السلام. كما لعب غورباتشوف دوراً في إعادة توحيد ألمانيا.

توفي ميخائيل غورباتشوف الزعيم السوفيتي الذي دمر النظام الاشتراكي وساعد في إنهاء الحرب الباردة في 30 أغسطس/ آب 2022.

 

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

كلية الاقتصاد – جامعة دمشق

[1] – أنظر، غورباتشوف… الزعيم السوفياتي الذي غيّر مسار التاريخ، الشرق الأوسط، 31 أغسطس 2022.

[2] – غورباتشوف… الزعيم السوفياتي الذي غيّر مسار التاريخ، المصدر السابق.

[3] – https://www.bbc.com/arabic/world-38797627

[4] – المصدر السابق.

[5] – الموسوعة الحرة ويكيبيديا،

https://www.wikiwand.com/ar/%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%8A%D9%83%D8%A7

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

خمسة × خمسة =

آخر الأخبار