خرافة التقدم والتخلف، جلال أمين

عرض وتقديم الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

خرافة التقدم والتخلف، جلال أمين

خرافة التقدم والتخلف - جلال أمين - مكتبات الشروق

كتاب هام للمفكر الإقتصادي الكبير الدكتور جلال أمين

حقاً فكرة التقدم والتخلف هي إحدى خرافات عالمنا المعاصر ويأتي هذا الكتاب الهام للمفكر الإقتصادي الكبير الدكتور جلال أمين يؤكد ذلك، ربما يعد الكتاب قديم لكن الأفكار الواردة فيه هامة ومعاصرة، لأنها تتجدد دائماً.

عرض وتقديم: الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

يبدأ كتاب جلال أمين بالتشكيك بمفهوم وفكرة التقدم والتخلف وعدم جواز قياس التقدم والتخلف بمقياس اقتصادي فقط، ثم عدد مؤشرات محددة معتمدة أدت إلى الاعتقاد أن هناك دولاً/أمماً معينة من دون غيرها قد أحرزت تقدماً، بالحرية والديمقراطية والنظام الاقتصادي وحقوق الإنسان وثورة المعلومات، وةعلم الأخلاق، والتنمية الاقتصادية والتنمية الإنسانية وتمكين المرأة وحرية الإعلام وغيرها.

استطاع جلال أمين توضيح المفاهيم والمصطلحات بأسلوب علمي منطقي للرد على الرسائل المباشرة وغير المباشرة الموجهة للدول العربية والدول النامية مما ورد في دراسات قام بها بعض علماء الغرب في محاولة التأكيد أن الدول العربية والدول النامية لاتزال تعاني من التخلف وعدم قدرتها على حل مشكلات تغلب عليها الغرب وأجتازها، في حين نلاحظ أن الغرب يعاني من مشكلات أخرى أهم قد تقلب موازين الحرية التي يدعونها، بفارق بسيط هو أن أي جماعة أو أشخاص يعانون في المجتمع الغربي من الاضطهاد أو التمييز لديهم إمكانية المطالبة برفع الظلم عنهم إن استطاعوا أن يصلوا لوسائل الإعلام والرأي العام هناك في حين تظل هذه الوسائل ضعيفة في الدول العربية والدول النامية.

يقول المؤلف (مجرد التفكير في أن نمط حياة معين في إحدى الدول أو الأمم يحكم على غيرها من الدول أو الأمم الأخرى بالتخلف غير صحيح، وتصنيف الدول بـدول العالم الأول، ودول العالم الثاني، ودول العالم الثالث، وأمم متقدمة وأخرى متخلفة أو متأخرة غير دقيق).

أوضح جلال أمين في كتابه (خرافة التقدم والتخلف، العرب والحضارة الغربية في مستهل القرن الواحد والعشرين) وجهة نظر جديدة. حيث أن فكرة التقدم والتخلف هي إحدى خرافات عالمنا المعاصر، ولا يقصد التقدم بالوجه العام ولكن الفكرة التي تجرعناها من وسائل الاعلام والخطب السياسة أن تقدم دولة أو أمة في جانب معين يجعلها متقدمة وأفضل من الدول أو الأمم الأخرى التي يطلق عليها دول متخلفة أو متأخرة. إن تقدم أوروبا و/أوغيرها في مجال الرخاء والرفاهية وكثرة المال لا يعني بالضرورة تقدم في جوانب السلوك الأخلاقي والاجتماعي.

هذا لا يعني عدم الاعتراف بالتقدم الأمريكي والأوروبي والياباني أو القصور الذي تعاني منه الدول العربية والدول النامية، لأن تشخيص المرض والاعتراف بالواقع والتأخر هو أول خطوة للعلاج والإصلاح، لكن ما قام جلال أمين بتوضيحه في كتابه يعد مقياساً جديداً يعلمنا التوازن حتى لا نكره واقعنا ونعمل عل استبداله بواقع أفضل.

ويحاول المؤلف في هذا الكتاب إعادة صياغة مفهوم منظومة التقدم والتخلف السائدة في عالمنا المعاصر التي تؤكد على وجود دول متقدمة وأخرى متخلفة. وقد لعب الإعلام الغربي دور كبير في صياغة مفهومنا و أفكارنا تجاه منظومة التقدم والتخلف التي صاغها، لدرجة جعلنا نشعر أننا فعلاً متخلفين جينيا متواجدين في أمم متخلفة وسنبقى كذلك ولا مستقبل لنا أو أمل في التقدم.

(إن اتهام العرب بأنهم متخلفون في هذا المضمار اتهام مرفوض. وليس من السهل اعتبار بعض الأمم أكثر تمتعا بالحرية من غيرها. والديمقراطية ليست، كما يشاع، في عصر ازدهار، ولا حتي في الدول المسماة بالديمقراطية. وما يثار حول قضية حقوق الإنسان يختلف من ثقافة إلي أخرى ومن مرحلة لأخرى). [1]

كان أسلوب المؤلف في مناقشة كل فكرة أسلوباً علمياً، فهو لايرفض فكرة إلا لسبب، وبدل أن يعطينا حكماً نهائياً شخصياً، يميل لطرح الأسئلة محاولاً إقناع القارئ ويضع نفسه والقارئ في نفس القالب المُتأثر بالضغوط الإعلامية والاجتماعية، مقوياً بذلك فكرته ومضيفاً عليها مزيداً من الواقعية بعيداً عن تقديس الذات وادعاء المعرفة الكاملة  تحليله لتقارير التنمية منطقي ويحرض على التروي في إصدار الأحكام.

يحاول الكتاب أن يعيد النظر في فكرة التقدم ويشدد على أنها مخترع ثقافي جديد، فالتاريخ حلقة دائرة نقطة بدايتها هي نقطة النهاية دون أن يوجد تقدم مستمر أو تراجع مستمر. ويقدم الكتاب معلومات ممتعة بلغة سلسة، وأسلوب جميل وقريب من القارئ. كما يحتوى الكتاب على قيمه فكريه عاليه تحرض الفكر وتشجع على التأمل فى الأمور، ويفتح الابواب إعادة التفكير فى مفهوم التقدم ومفهوم التخلف ولا يشترط ان الاغنى هو الاكثر خلقا ولا يشترط ابدا ان الاكثر قوه اكثر جمالاً.

يعرض جلال أمين بأسلوبه المتميز نماذج من خرافة تشربناها، لعب فيها الإعلام الأجنبي ولعبنا نحن فيها أيضاً دوراً كبيراً. ويقدم انتقاداته لنماذج من تقارير الأمم المتحدة كتبت أحياناً بأيد عربية وربما بإشراف غير عربي كان فيها الكثير من الخلط في المفاهيم، والكثير من قولبة الأمور بقالب معين حتى يظهر الأمر لنا بغير ما هو عليه تماما.

الحقيقة ليست كما تبدو عليه دائما.. كما إن للحقيقة أوجه عديدة، فالأمور تحتاج لنظرة أبعد من فكرة : (نحن متخلفون والوطن العربي متخلف).

كما ناقش جلال أمين موضوع التنمية الإنسانية كفهوم ومصطلح ظهر في الأمم المتحدة وكيف يتم مؤشرات لقياسها، منتقداً سياسات الدول والأشخاص الذين هم رموز ويشاركون في الدراسات التي تجرى لمقارنة مستوى التنمية الإنسانية في الدول العربية بمستواها في دول أخرى واعتبرها مقارنات لاتصح فهي مغطاة بأرقام واهية خاطفة للأنظار كمقارنات بين الإنتاجية في الدول العربية مجتمعة والإنتاجية في أسبانيا، وعدد الكتب المترجمة والصحافة وغيرها من المقارنات السقيمة، ثم تطرق للحديث عن (التنمية الإنسانية في الولايات المتحدة التي ما هي إلا دعايات كاذبة أثبت زيفها الحرب التي شنتها لتدمير العراق وقضايا التعذيب في سجن أبوغريب، مناظر يندى لها جبين الإنسانية).

مفهوم التقدم والتخلف الذي عرضه وناقشه جلال أمين في كتابه هذا  قيّم جداً، اتفقت أو اختلفت معه، هو في النهاية مفهوم مغاير للسائد، وهذا في ذاته يجعله جديرة بالاحترام. يعيد لنا الكتاب بعضًا من التوازن، حتى وإن لاحظنا في أفكاره بعض التطرف والهجوم على مفهوم الغرب أو المبالِغة في اعتبار التقدم والتخلف خرافة.

تقويم الكتاب:

يتميَّز جلال أمين بقدرة تحليلة فائقة. وأهم ما يميز كتاب جلال أمين خرافة التقدم والتخلف تسليط الضوء على ما كنا نظن انه مسلمات، وبعد اعادة التفكير بشكل منطقى نتأكد انها مجرد اكاذيب سياسيه واعلاميه . [2]

  1. كان أسلوب المؤلف في تحليل ومناقشة كل فكرة جميل، فهو لايرفض فكرة إلا لسبب، وبدل أن يعطينا حكمًا نهائيًا شخصيًا، يميل لطرح الأسئلة محاولا إقناع القارئ.
  2. أحياناً كثيرة كان المؤلف يضع نفسه والقارئ في نفس القالب المُتأثر بالضغوط الإعلامية والاجتماعية، مقويًا بذلك فكرته ومضيفًا عليها مزيدًا من الواقعية بعيدا عن تقديس الذات وادعاء المعرفة الكاملة .
  3. تحليله لتقارير التنمية منطقي ويحرض على التروي في إصدار الأحكام
  4. كتاب عميق رغم انه خفيف ، هز مصطلحات تشربناها لنعيد التفكير بها و نشك بكل طرق تلقينا للأفكار حتى نستطيع أن نخرج بأفكار خاصة، طريقته في طرح الأسئلة هي احترام لعقل القارئ ولفكره وخروج عن الطرق التي تعودت الوصايا على العقول والتعبير.
  5. دراسة جريئة. غير مسبوقة. فيها موضوعية. دراسة تستحق القراءة، لأن كل منا يحتاج الرأي والرأي الآخر.. والرأي الاخر أيضا.

لذلك يعد هذا الكتاب من أفضل الكتب التي ناقشة مفهوم التقدم والتخلف في الأدبيات الاقتصادية العربية للأسباب الآتية:

  • يُنقاش كلّ فصل موضوعاً بعينه، ناظراً إليه بنظر المُحلِّل البارع الذي يعرف ما وراء القضية، وليس بطريقة الصحفي الذي همِّه رفع الشعارات الخلابة دون جدوى.
  • يُشكِّك في فاعلية التقدم التكنولوجي الهائل، ويرى أن المكاسب التي يُقدِّمها من اليدِ اليمنى يأخذها أضعافاً من اليد اليُسرى، وأنَّه تقدّم يضرّ بالأخلاق الإنسانية عامةً.
  • أتبع المؤلف في كتابه أسلوباً يثير في نفس القارئ الكثير من الأسئلة بدل أن يحاول إقناعه بالفكرة التي يؤمن بها.
  • ربما يرد الاعتراض على بعض الأفكار المتشائمة فيما يتعلق بالإصلاح والنهضة! إذ يقول أمين: (تتضاءل مع الزمن فرصة تحقيق الإصلاح الحقيقي، وإن كل تجربة لإحداث نهضة حقيقة قائمة على الاختيار الحر، وعلى تنقية عملية التحديث من الشوائب والنقائص تصبح فرصة نجاحها أقل فأقل كلما تأخرت في الزمن).
  • يرى المؤلف أن فرص الإصلاح تزداد بزيادة علم شباب الأمة و إيمانهم بفكرة النهضة والسعي لترسيخ هذه الفكرة في الأجيال القادمة.
  • مناقشته لمفهوم الثقافة . كيف ان دولة مثل الولايات المتحدة قد تعتدي على ثقافات الدول الاخرى فقط لانها الاقوى مما يعني ان ثقافتها هي الارقى وهذا ليس صحيح!

بعض الملاحظات:

  1. ضعف الاعتماد على الحقائق العلمية في التحليل واعتماد وجهة نظر الكاتب فقط.
  2. التقليل من أهمية الأرقام الرسمية للأمم المتحدة، و يفضل عليها الاعتماد على قصص و روايات خيالية أحياناً لكتاب انجليز و نيجيرين و سودانيين !!!
  3. اعتماد المؤلف أحياناً على نظريات المؤامرة.
  4. عدم ذكر موقف محدد للكتاب العرب من التقدم والتخلف، ويكتفي فقط بالمقارنة مع الحضارة الغربية.

كتاب المفكر الإقتصادي الكبير الدكتور جلال أمين خرافة التقدم والتخلف، كتاب مهم جداً حتى في يومنا هذا فهو يثير شكوكاً كثيرة في صحة الاعتقاد بفكرة أن الدول والأمم على هذا الكوكب تنقسم إلى أمم متقدمة وأمم متخلفة، وفيما إذا كان من الجائز وصف بعض الدول أو الأمم بأنها متقدمة،  وأخرى بأنها متخلفة أو متأخرة. فالتقدم والتخلف لا يقاسان بالنمو الاقتصادي فقط.

في هذا الكتاب قدم لنا جلال أمين رأيه بموضوع (الإصلاح) .. على أنه من الفئة الثالثة التي تعترف بما يميز الحياة في الدول العربية اليوم من عادات بالية ومسلمات ينبغي تغيرها وترى أن الإصلاح يقوم على حفظ تراث الأمة وأخلاقها وعاداتها والاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي، فهو لا ينتمي إلى الإتجاه (الليبرالي) المعجب والمتقبل لكل الحياة الأمريكية. ولا ينتمي إلى الإتجاه (السلفي) الرافض لكل مظهر من مظاهر هذه الحياة.

أنصح بقراءة هذا الكتاب المتميز، لأنه ربما يغير الرأي السائد تجاه المقارنات المادية والأرقام الاقتصادية بين الدول و موضوع حقوق الإنسان، فكلا القضيتين وضعتا في قالب ضيق يهمل كل القوالب التطبيقية الأخرى، جاعلاً النموذج الغربي بكل إيجابياته ومساوئه الحل مهما تعددت الحلول وتجاوزته ثم يصل إلى ثورة المعلومات وتأثيرها الكبير في رسم الأحداث واستغلالها الأخلاقي لتضخيم بعض القضايا وبث الرعب في قلوب الناس واختراع مصطلحات ليس لها وجود لإضفاء الشرعية على جرائم بعض الدول الاستعمارية ضد الدول المُستعمَرَة.

 الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

كلية الاقتصاد – جامعة دمشق

 

مؤلف الكتاب جلال أمين:

  • كاتب ومفكر مصري ولد في عام 1935
  • تخرج من كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1955
  • حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة لندن،
  • أستاذ للاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة عين شمس ،
  • مستشار اقتصادي للصندوق الكويتي للتنمية ،
  • أستاذ زائر للاقتصاد في جامعة كاليفورنيا،
  • أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة.
  • فاز المفكر الدكتور جلال أمين بجائزة سلطان العويس في مجال الدراسات الإنسانية والمستقبلية في عام 2009.

خرافة التقدم والتخلف، العرب والحضارة الغربية في مستهل القرن الواحد والعشرين

المؤلف: الإقتصادي الكبير الدكتور جلال أمين

مطبعة دار الشروق للطباعة 2005.

عدد الصفحات: 175 صفحة.

ISBN  9770912360

[1]  – الدكتور جلال أمين، خرافة التقدم والتخلف، العرب والحضارة الغربية في مستهل القرن الواحد والعشرين، مطبعة دار الشروق للطباعة 2005.

[2]  – http://www.ibtesamh.com/showthread-t_302182.html

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

19 − ثلاثة عشر =

آخر الأخبار